محليات

“دكاش” هذه الجامعة قد تعدّل الأقساط في الفصل المقبل!

بخلاف قرينتها بالعراقة وبامتداد جذورها بتاريخ لبنان الحديث، لم تقدم جامعة القديس يوسف (اليسوعية) على الدولرة الشاملة لأقساطها، كما فعلت الجامعة الأميركية في بيروت. لكن “بسبب الظروف التي يمر بها لبنان، وللحفاظ على التعليم العالي لجأت اليسوعية، أسوة بباقي الجامعات، إلى أفضل الحلول الممكنة وخصصت جزءاً من الأقساط بالدولار النقدي، بغية تخفيف أعباء الكلفة التشغيلية، ولدعم هيئاتها التعليمية”، كما يقول رئيس الجامعة الأب البروفسور سليم دكاش في حديث لـ”المدن”. ورغم أنه متفائل بقناعة تامة بمستقبل أفضل للبلد، يعترف بأن الخطر بات على البلد كله، وليس على الجامعات والتعليم العالي فيه، كما سبق وحذرت رابطة جامعات لبنان منذ سنتين.

هل انطلق العام الدراسي بشكل طبيعي هذا العام؟ وهل يمكن تعويض ما خسره الطلاب سابقاً؟
لقد بدأ العمل. ثمة التزام جيد من الطلاب على مختلف المستويات. من ناحيتنا نحرض على تأمين أكثر من تسعين بالمئة من متطلباهم الأكاديمية كي يتعلموا. نعمل على توفير الكهرباء والانترنت والمكتبات والمجلات الإلكترونية. لكن نعيش في بلد فيه انعدام ثقة على مختلف المستويات. فالطلاب وضعوا برأسهم فكرة الهجرة. واعتقد أنه إذا فتح المجال لهم لهاجروا جميعاً. هذا فضلاً عن أن قسم كبير من الأساتذة إذا لم يتحسن وضعهم. وعلينا أن نعطيهم الأمل والرجاء بمستقبل أفضل تتحسن فيه الأوضاع، كي لا يتركون البلد.

هل هذا يعني أن التعليم حضوري بالكامل؟
لقد بدأنا العمل بتعليم حضوري كاملاً. لكن يوجد بعض الاستثناءات في التعليم المدمج. فلدينا نحو 15 استاذاً يعيشون خارج البلد يعطون الدروس من هناك. حالياً نحو تسعين بالمئة من الطلاب يتابعون حضورياً، ونحو عشرة بالمئة يتابعون الدروس من بعد، التي توفرها لهم الجامعة. وحتى من يتعلم من بعد يحضر إلى الجامعة. ويفضلون الجامعة على البيت نظراً توفر الكهرباء والانترنت السريع. لكن يوجد حالات قليلة تؤمن لهم الجامعة وسائل الراحة للتعلم من بيوتهم. فالأمر يتعلق ببعد المسافات التي عليهم أن يجتازوها للوصول إلى الكليات.

لقد رفعت الجامعة أقساطها من خلال تخصيص جزء منها بالدولار النقدي، وفق مخطط لمواجهة الأعباء. لكن هل هذا يعني أن الأقساط لن تعود وتتبدل لاحقاً؟
حددت الجامعة عشرين بالمئة من القسط تدفع بالدولار النقدي والمبلغ المتبقي يدفع بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف بستة الاف ليرة للدولار. وهذا يسري حتى نهاية الفصل الأول. بعدها ربما نعيد النظر بسعر الصرف للجزء بالليرة اللبنانية من القسط، في الفصل المقبل، في حال ارتفع سعر صرف الدولار. سيكون بمثابة خيار لا بد منه كي لا تنكسر الجامعة.

عملياً بهذه الأقساط تعيش الجامعة حالياً على ثلاثين بالمئة من مداخيلها التي كانت قائمة قبل الأزمة في العام 2019. فما بين العشرين بالمئة بالدولار النقدي من الأقساط، والثمانين بالمئة بالليرة، التي توازي نحو عشرة بالمئة بالدولار على سعر الصرف الحالي، هذه المداخيل غير كافية. أو بمعنى آخر تكفي لاستمرار العملية التربوية بالحد الأدنى.

هل انخفض عدد الطلاب بعد بدء تحصيل المبالغ بالدولار؟
لقد انخفض عدد الطلاب بشكل جدي في العام 2020-2021. بعد انفجار المرفأ تراجع عدد الطلاب بنحو ألف طالب بسبب الهجرة الواسعة من لبنان، وبسبب خوف الطلاب من أحداث مشابهة، أو بسبب الظروف المادية التي حلت بسكان العاصمة. لكن في العام التالي ارتفع العدد نحو ألف طالب. وحالياً تجاوز أعداد الطلاب في مرحلة الإجازة الجامعية كل الأعوام السابقة. وقد يصل العدد إلى 2200 طالب. وبضمهم إلى مراحل الماجستير والدكتوراه سيتجاوز العدد 4500 طالب في السنوات الأول بمختلف المراحل الدراسية والاختصاصات. والسبب أن الموازنة التي وضعتها الجامعة، بعد دراستها بشكل معمق، جذبت الطلاب إلى الجامعة. فهم على قناعة أنهم سيحصلون على دبلوم بمستوى أكاديمي جيد وبأقساط أقل من باقي الجامعات.

هل هذا يعني أنه لا يوجد اعتراضات من الطلاب؟
من الطبيعي أن يعترض الطلاب وخصوصاً المسيسون منهم ولدواعٍ انتخابية أيضاً. لكن لم تحصل اعتراضات مثل السابق. فالأصل هو في أهالي الطلاب. وهؤلاء على قناعة بأن تأمين شهادة لأولادهم بمستوى جيد، تفرض على الجامعة توفير كادر تعليمي جيد. ما يستدعي تحسين الوضع الاقتصادي للهيئات التعليمية.

هل تعني أن الأمر انعكس تحسناً في رواتب الأساتذة والموظفين؟
في الجامعة يوجد نحو 400 أستاذ متفرغ وهم بحاجة لدعم. عملت الجامعة على تأمين عشرين بالمئة من راتبهم بالدولار. علماً أن الجامعة انتظرت طويلاً لاتخاذ قرار رفع قيمة الأقساط والدفع بالدولار النقدي لأنها تشعر بمسؤولية تجاه المجتمع. لكن للأسف تحسين الوضع الاقتصادي لم يشمل جميع الأساتذة. لقد شمل الأغلبية الساحقة، لكن يوجد جزء منهم ما زال يعاني، نعمل على إيجاد حلول لهم. منذ بداية الأزمة ترك الجامعة نحو 35 استاذاً من أصل 400 متفرغين. ومن أصل 1300 أستاذ ترك نحو 250 أستاذاً، باختصاصات معينة. منهم من ذهب إلى الخليج وإلى دول أخرى. لكن الجامعة عوضت عنهم باستقطاب غيرهم، وحاولت الإبقاء على كل الاختصاصات والمواد.

رفعتم الأقساط، لكن هل أمنّتم منحاً للطلاب؟ وما حجمها ومعايير استحقاقها؟
قرار تحصيل هذا الجزء البسيط بالدولار من الطلاب يمكن اعتباره أبغض الحلال. كانت الجامعة مجبرة عليه كي تستمر بالحد المقبول. لكن في المقابل أمنت الجامعة مساعدات بنحو 11 مليون دولار للطلاب، معظمها من الهبات. وبات نحو 55 بالمئة من الطلاب يتعلمون بمنح، تصل بمعدل وسطي إلى نحو خمسين بالمئة من القسط. وهي منح إما على أساس الجدارة، أو على أساس الوضع الاجتماعي للأهل. وبشكل عام غالبية المنح تذهب للطلاب لأسباب تتعلق بالأوضاع الاجتماعية، من خلال التحقق من الوضع الاجتماعي للأهل ومداخيلهم. أما منح الجدارة فيتم التحقق من العلامات المدرسية للمتفوقين، ويوجد في الجامعة تصنيف أكاديمي لجميع المدارس في لبنان.
بما يتعلق بالمنح على أساس الوضع الاجتماعي، خيار الجامعة الطوعي هو استقطاب أبناء الفقراء. حتى أن اعداد الطلاب الآتون من المدارس الرسمية هذا العام أكثر بكثير من الأعوام السابقة. وتصل منحهم إلى نحو 85 بالمئة من القسط، كخيار إتخذته الجامعة.

أنا اعتقد أن اللبنانيين اتبعوا المثل القائل “خبي القرش الأبيض ليومك الأسود” بما يتعلق بتعليم الأبناء. هذا ما بدا لي من خلال إقدام الطلاب على التسجيل بالجامعة وعلى دفع الأقساط. يبدو أن اللبنانيين ما زالوا مصرين على عدم التخلي عن الرأسمال البشري. هم يرون أن الركن الأساسي الذي يستطيعون البناء عليه للمستقبل هو العلم والاستثمار بتعليم الأبناء. ومن جانبنا قررنا الاستمرار بمسيرتنا لأننا على قناعة بأن اللبنانيين مميزين وقادرين على بناء وطنهم رغم كل المآسي. لذا نعمل ما بوسعنا لتأمين التعليم الجيد لهم.

Related Articles

Back to top button