محليات
بالأرقام…هذا ما كشفته أولى “الجلسات الرئاسية”
إنتهت بالأمس “مسرحية الورقة البيضاء” لتبدأ معها مسرحية من نوع آخر تحت عنوان “التوافق”. وهذا ما أشار إليه الرئيس نبيه بري بعد”فرط” نصاب الجلسة الثانية،وهذا ما كان متوقعًا بالطبع.
فكلمة “توافق” تعني في المفهوم السياسي اللبناني “تسويات”. وهذه “التسويات” بمعناها اللبناني تعني “صفقات” و”محاصصات”. وهذا ما شهدناه في آخر “تسوية رئاسية”، وإلى أي نتيجة أوصلت البلد. أمّا أن يكون التوافق مبنيًا على أسس واضحة وعلى مسلمات وطنية فهو أمر مطلوب في كل الأوقات، وإن كان مستحيلًا في مثل هذه الظروف غير الطبيعية التي يعيشها لبنان، وفي ظل هذ الإنقسام الحاد بين فريقين يختلفان على الكثير من النقاط، التي لها علاقة بـ”الإستراتيجيات”، وما أكثرها.
جلسة الأمس وما نتج عنها من إصطفافات واضحة بين هذين الفريقين كرّست هذا التباعد بينهما، إذ بات من المؤكد أن لا توافق على مرشح واحد، أقّله في المدى المنظور، إلا من ضمن “صفقة ما” في المنطقة يبدو أنها غير جاهزة بعد. وفي إنتظار هذه “الصفقة” بين واشنطن وطهران، من جهة، وبين طهران والرياض من جهة ثانية، يبقى الوضع اللبناني على حاله، إن لم يأل إلى الأسوأ.
فمشهدية جلسة الأمس كشفت بالأرقام بعض الحقائق، وإن كانت معروفة، وهي:
أن فريق “الورقة البيضاء” هم 63 نائبًا، ويضم: كتلة “الوفاء للمقاومة”وكتلة “التنمية والتحرير”وكتلة “لبنانالقوي” وبعض النواب السنّة، الذين يدورون في فلك محور “الممانعة”.وهذا الفريق أثبت أنه غير مفكّك، ولكنه غير متماسك، خصوصًا إذا ما تمّ التفاهم على مرشح يحظى بموافقة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل. وهنا يتبّين أن “حزب الله” لعبها ذكية عندما أعطى تعليماته بعدم تسمية رئيس تيار “المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، والإكتفاء بـ”الورقة البيضاء”، لأنه يعرف مدى الحساسية بين باسيل وفرنجية. وقد تكون هذه النقطة بالذات هي نقطة من بين نقاط ضعف أخرى سيحاول “الحزب” العمل عليها لتلافي سلبياتها في المرحلة المقبلة، التي يعتبرها “ضبابية” وغير واضحة المعالم والرؤى.
أمّا الفريق الآخر، وعلى رأسه كتلة “الجمهورية القوية”، فأظهر من خلال تصويته للنائب ميشال معوض أن ثمة تحالفًا قوامه أربعون نائبًا بدأ يتكّون، على أن تشمل إتصالات الأيام المقبلة النواب، الذين صوّتوا للسيد سليم أده ولـ”لبنان“، وعددهم 23 نائبًا، أي ما مجموعه 63 نائبًا، على أن ينصبّ الجهد الإضافي على تأمين صوتين إضافيين لضمان نصف عدد اصوات المجلس زائد واحد. وهذا الأمر ينطبق أيضًا على الفريق الآخر. ولكن هذه النسبة في “اللعبة البرلمانية” لا تعني شيئًا عمليًا إن لم يتأمن نصاب ثلثي المجلس زائد واحد لأي جلسة مستقبلية.
تبقى الإشارة إلى موقف كتلة “اللقاء الديمقراطي”، التي أعطت أصواتها، إلى النائب ميشال ميشال معوض، الأمر الذي يمكن البناء عليه في المرحلة المقبلة، على أن يبقى موقف “التيار الوطني الحر” هو المرجّح لنصاب الثلثين في حال تمّ التوافق على تسوية رئاسية بغطاء خارجي، خصوصًا بعد 31 تشرين الأول، حيث قد يجد نفسه محرّرًا من أي إلتزام معنوي تجاه “حزب الله“.
فأي جلسة لا يتوافر لها نصاب الثلثين تدخل في عدّاد الجلسات “الماراتونية”، التي لن تنتج رئيسًا للجمهورية. وهذا يعني أن البلاد ستدخل في مرحلة فراغ طويل الأمد، وذلك لإنعدام التوافق على مرشح واحد. وهذا ما قصده الرئيس بري عند “فرط” نصاب الجلسة الثانية بعدما إنسحب معظم نواب كتلتي “الوفاء للمقاومة” و”التنمية والتحرير”.