بري سيُخالف كل التوقّعات!
في ظلّ مرحلة الجمود السياسي الذي دخلت به البلاد بعد خوض العديد من الإستحقاقات، بات واضحاً أن عملية تشكيل الحكومة متعذّرة، مع غياب النيّة لدى القوى الفاعلة في هذا الإتجاه، ذلك أن الجميع بات يُدرك أن خوض معارك سياسية من أجل تحسين مواقعه في حكومةٍ لن يتخطّى عمرها الأشهر القليلة، أمرٌ غير واقعي. لذا، فإن الغالبية العظمى من القوى السياسية باتت تُركّز على الإستحقاق الأهمّ، وهو انتخاب رئيس الجمهورية.
فبعد نحو شهرين، وتحديداً في الأول من أيلول المقبل، تبدأ المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية، وتستمرّ لغاية 31 تشرين الأول 2022 أي عند انتهاء الولاية الدستورية للرئيس ميشال عون. ورغم التسريبات المتكررة التي يحرص المقرّبون من القصر الجمهوري على إطلاقها حول إمكانية بقاء عون في قصر بعبدا إلى ما بعد هذا التاريخ، إلاّ أن عون أكد في أكثر من مناسبة حرصه على الخروج بهدوء من أروقة القصر، إذ أنه أكثر العالمين بأن بقاءه يوماً إضافياً واحداً، سيولّد أزمةً سياسية لن تقف مفاعيلها عند حدود تحميله مسؤوليات الفشل الذي أصاب البلاد.
على هذا الأساس، سيعكس المسار الذي ستسلكه إنتخابات الرئاسة المرحلة المقبلة التي ستعيشها البلاد، بين الفراغ الرئاسي وما يتبعه من فوضى أو بين التسوية السياسية على هوية الرئيس، وضمناً التفاهم على استحقاقات ما بعد الرئاسة. فالتجارب السابقة أثبتت أن استحقاق الرئاسة لم يكن يوماً أمراً داخلياً أو منعزلاً عن تطورات المنطقة وتوازن القوى فيها.
فضلاً عن ذلك، فإن هذه الإنتخابات ستعكس النتيجة الحقيقية لتوزّع القوى داخل المجلس النيابي الجديد، فقد أفرزت الإنتخابات النيابية الأخيرة، مجموعتين لا تملك أيّ منهما الأكثرية، إلاّ أن ما يُميّز الأولى عن الثانية هو قدرتها على التماسك ووجود ضابط إيقاع قادر على دوزنة المواقف من الإستحقاقات المختلفة وإجراء العملية الحسابية المطلوبة. ولكن ما يختلف هذه المرة هو حساسية موقع رئاسة الجمهورية والدلالة التي سيقدمها اختيار أي من الشخصيات المطروحة.
فرغم أن اتفاق الطائف تمكّن من انتزاع صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية، إلاّ أنه أبقى على موقعه كشريك كامل الأوصاف في السلطة التنفيذية وذلك من خلال امتلاكه التوقيع اللازم لتشكيل الحكومة، وبالتالي لا يمكن تشكيل السلطة التنفيذية دون رضى رئيس الجمهورية. وهذه الصلاحية تنعكس بدورها على مجمل الحياة السياسية، إذ أنها تجعل من أيّ رئيس مكلّف لتشكيل الحكومة، مجبراً على إرضاء رئيس الجمهورية وإلاّ يبقى رئيساً مكلّفاً دون أي قدرة على التشكيل.
أمام كل ذلك، تنتظر القوى السياسية تحديد رئيس مجلس النواب نبيه بري، موعد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، وخلافاً لكلّ المعطيات السابقة، فإن المعلومات تُشير إلى أن بري لن يكون مستعجلاً في تحديد موعد هذه الدعوة، وذلك بانتظار تحقيق حدٍ أدنى من التوافق على هوية الرئيس، ومنعاً للدخول في لعبة فقدان النصاب، كما حدث في الإنتخابات الماضية.
“ليبانون ديبايت” – مهدي كريم