من الصحافة

لماذا لا يستطيع لبنان التنقيب عن نفطه كما يفعل العدو، وما هو الحل؟

كتب رضوان الذيب في “الديار”:

قبل الإجابة عن هذا السؤال المهم الذي يشغل بال الشعب اللبناني في ظل الازمة الاقتصادية الخانقة التي تطال لقمة العيش وحبة الدواء، تؤكد مصادر متابعة لهذا الملف ضرورة الاشارة، الى أنه بتاريخ 23/9/2021 تسلم الرئيس عون من الوفد المفاوض تقريراً مفصلاً يحتوي على استراتيجية متكاملة للمرحلة المقبلة بشأن ملف ترسيم الحدود البحرية، وصدر بيان رسمي بذلك من رئاسة الجمهورية هذا نصه: «ترأس رئيس الجمهورية اجتماعا مع رئيس الوفد اللبناني في المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية العميد الركن الطيار بسام ياسين، وأعضاء الوفد المفاوض حيث تسلم الرئيس عون تقريرا يتضمن مراحل المفاوضات منذ انطلاقتها وحتى تاريخه، واستراتيجية متكاملة للمرحلة المقبلة، بما يضمن مصلحة لبنان العليا في المحافظة على حقوقه في ثرواته في المنطقة الاقتصادية الخالصة».
ووفقاً للمصادر المتابعة لملف الترسيم، أحال الرئيس عون هذا التقرير رسمياً الى رئيس الحكومة والى الوزارات المعنية لإجراء اللازم كل في ما يخصه. واهم ما تضمنته هذه الاستراتيجية، تعديل المرسوم 6433 وايداع الخط 29 الأمم المتحدة، كونه ورقة الضغط الوحيدة التي تجبر العدو الاسرائيلي على العودة الى المفاوضات وحصول لبنان على كامل حقوقه في ثروته النفطية في المنطقة الاقتصادية الخالصة، وعدم ذلك سيسمح للإسرائيلي بالمماطلة وتضييع الوقت ليتسنى له متابعة العمل في حقل كاريش لحين أن تاتي سفينة الانتاج FPSO من سينغابور وبدء استخراج النفط والغاز من هذا الحقل دون عوائق، وأكد هذا التقرير أن الاسرائيلي لن يتوقف عند هذا الحد لا بل سوف يتمادى بعد ذلك ويدعو شركات النفط العالمية للعمل في البلوك 72 الواقع بين الخط 23 والخط 29 وبدء التنقيب في حقل قانا لاستكشافه ومن ثم ابتزاز لبنان وجره الى التطبيع الاقتصادي إنطلاقاً من هذا الحقل.
وتابعت المصادر، إن ما كتبه الوفد المفاوض في استراتيجيته بدأ يتحقق ويتبين بأم العين وذلك من خلال تصرفات آموس هوكشتاين الذي يعتمد سياسة المماطلة في جولاته المكوكية كل بضعة أشهر وطرحه لمقترحات وخطوط وحلول غير منطقية، هو بنفسه يعلم أنها غير قابلة للتطبيق. إنما الهدف منها إضاعة الوقت لحين وصول سفينة الانتاج من سينغابور الى حقل كاريش وبدء استخراج النفط وضخ الغاز الى معامل الكهرباء في اسرائيل وتصدير ما تبقى الى الخارج. هذه السفينة إنطلقت من سينغابور مطلع هذا الشهر الحالي وستصل الى المياه الفلسطينية بعد أيام قليلة على مرأى ومسمع الجميع. وبعد هذه الخطوة سوف ينتقل الاسرائيلي الى تنفيذ الخطوة الثانية التي تمّ ذكرها استباقيا في استراتيجية الوفد المفاوض والمتمثلة بتلزيم البلوك 72 وبدء الحفر في حقل قانا في القسم الذي الذي يقع جنوب الخط 23 ما دام هذا الخط مودعاً لدى الأمم المتحدة من قبل لبنان بموجب المرسوم 6433.
واضافت المصادر، للأسف هذه الاستراتيجية الهامة تنام في الجوارير بدلاً من عرضها على مجلس الوزراء لاتخاذ الاجراءات اللازمة وذلك قبل استقالة الحكومة بعد استحقاق الانتخابات النيابية وكأن شيئا لم يكن ولا يوجد مسؤول عن هذا التلكؤ والتقصير الواضح، لا بل يجهد المعنيون خلال حملاتهم الانتخابية بكيل الاتهامات للوفد المفاوض بالتخلي عن الخط 29 بالاستناد الى كلام مجتزأ للوسيط الاميركي غير النزيه آموس هوكشتاين، وكان قد أوضح العميد ياسين سابقا لجريدة الديار في عددها الصادر بتاريخ 4/5/2022 حقيقة ما جرى في اللقاء الذي عقده معه، حيث طالبه بأن يكون وسيطاً نزيهاً وليس منحازاً كلياً للعدو الاسرائيلي وذلك من خلال طرح خط وسطي بين خط هوف الذي يُعطي تأثيراً كاملاً لصخرة « تخيليت» وبين الخط 29 الذي يتجاهل تأثير هذه الصخرة، وبعد ذلك كل طرف يدافع عن خطه وفقاً لمعيار القانون الدولي. ولو كان هذا الموضوع سرياً وفي غير مصلحة لبنان لما أعلن عنه العميد ياسين على شاشة التلفزيون من تلقاء نفسه. وقد تم اجتزاء الحديث من قبل البعض أو من قبل آموس هوكشتاين غير النزيه، عندئذ يجب العودة الى ما وثقه وكتبه الوفد المفاوض في الاستراتيجية التي سلمها الى المسؤولين المعنيين.
أما بالعودة الى الموضوع الأهم، وهو لماذا يستطيع الاسرائيلي التنقيب في حقل كاريش وفي المياه الفلسطينية ولا نستطيع نحن التنقيب في البلوكات الجنوبية والبلوكات المتبقية في المياه اللبنانية، فهذا جوابه بسيط ولسببين أساسيين:
أولاً: لزم لبنان من خلال دورة التراخيص الأولى البلوك رقم 4 والبلوك رقم 9 الى الكونسورتيوم المتمثل بشركة توتال الفرنسية المشغلة وشركتي ايني الايطالية ونوفاتك الروسية. وكانت هذه الشركات على علم بالمنطقة المتنازع عليها حينها في البلوك 9، ولهذا السبب كانت نسبة حصة الدولة اللبنانية في هذا البلوك أقل من النسبة في حصتها في البلوك رقم 4، وبالتالي لا يوجد أي حجة لشركة توتال بعدم المباشرة بالتنقيب عن النفط والغاز في البلوك 9 كما هو مقرر وفقاً للعقد الموقع معها في شهر اب 2022 المقبل بعد التأخير الحاصل بسبب جائحة كورونا. إلا ان هذه الشركة لا تقوم بواجباتها والقيام بالتحضيرات اللازمة التي كان يجب أن تبدأ بها بداية هذا العام للوصول الى المباشرة بالتنقيب في البلوك 9 في شهر أب المقبل. والسؤال، ماذا فعلت الحكومة الحالية؟ وهل ناقشت هذا الموضوع مع شركة توتال؟ بالطبع لا؟ وإن تمّت مناقشته؟ هل توصلت الحكومة ووزارة الطاقة الى فرض تنفيذ العقد الموقع مع شركة توتال وبدء التنقيب بعد شهرين من الان. كما قلنا، توتال لم تقم بالتحضيرات اللازمة ولا توجد نية لديها بالتنقيب ولا يهمها سوى مصلحتها  وهي قد تكون تتعرض لضغوطات معينة تمنعها من تنفيذ موجبات العقد معها. لذلك، ليس لدينا المقدرة على فرض مباشرة التنقيب في البلوك 9 من قبل شركة توتال على الرغم من وجود عقد يلزمها بذلك، مع أنه لا توجد حجة لهذه الشركة بالامتناع أو التريث عن بدء التنقيب بسبب مسألة النزاع الحدودي البحري مع «اسرائيل»، كونه حين وقعت العقد، كان  هذا النزاع موجوداً،   ولهذا السبب كانت حصتها أكبر من الحصة في البلوك رقم 4 في حال اكتشاف النفط والغاز.
ثانياً: بموجب قرار وزير الطاقة رقم 23 تاريخ 2021/11/23 المبني على تكليف مجلس الوزراء استكمل لبنان اجراءات دورة التراخيص الثانية ودعا الشركات العالمية للاشتراك والتقدم بعروضها للتنقيب عن النفط والغاز في البلوكات اللبنانية الثمانية المتبقية ومنها البلوكان 8 و10 الحدوديان، وقامت هيئة ادارة قطاع البترول بكامل واجباتها المتعلقة بهذا الشأن، إلا أنه لغاية تاريخه لم تتقدم أي شركة بعروضها للمشاركة في دورة التراخيص الثانية هذه. والأسباب كثيرة ومنها أن بعض هذه الشركات تنتظر الضوء الاخضر الاميركي، والبعض الاخر يفضل أن يبتعد عن التنقيب في مناطق متنازع عليها. أما الشركات الراغبة والتي هي خارج الفلك الاميركي فليس لديها القدرة أوالخبرة في التنقيب في المياه البحرية العميقة، وإن كان لديها الخبرة فلن تستطيع الحكومة اللبنانية التعاقد معها، والتجارب كثيرة في هذا المجال وفي مشاريع أصغر من ذلك، فالحكومة اللبنانية التي لا تستطيع تعديل المرسوم 6433 وهو حق سيادي يكفله الدستور، لن تستطيع المجيء بشركات عالمية للتنقيب عن النفط والغاز في المياه اللبنانية قبل التوصل الى حل للنزاع الحدودي البحري مع العدو الاسرائيلي بشكل يضمن الحقوق ويحفظ الثروة النفطية في كامل المياه اللبنانية.

ما هو الحل؟

الحل موجود ومكتوب في تقرير يحتوي على استراتيجية متكاملة مسلمة الى الرؤساء والوزراء المعنيين، حيث يتطلب الموضوع فقط عرض هذه الاستراتيجية على جلسة مجلس الوزراء الاخيرة قبل أن يصبح هذا المجلس في حكم تصريف الاعمال، إنها مسؤولية وطنية بامتياز، وإنها الطريقة الوحيدة التي تترجم الشعارات الى انجازات. هذه الاستراتيجية تبين أن لا نفط ولا غاز في لبنان إلا بالضغط على الاسرائيلي لمنعه من استخراج النفط والغاز من حقل كاريش بواسطة سفينة ال FPSO التي ستصل بعد أيام قليلة الى هذا الحقل. هذا العدو لن يتنازل ولن يسمح لشركة توتال بالتنقيب عن النفط والغاز في حقل قانا اللبناني ما دام يعتبر أن جزءا من هذا الحقل يقع في مياهه وفقاً للخط 23 الذي لا يزال يعتمده لبنان في الامم المتحدة. فكيف يعطينا الاسرائيليون  شيئا يتنازل عنه اللبنانيون بملء إرادتهم ؟ ولمن يقول انه يجب علينا بدء التنقيب في مياهنا مثلما ينقب العدو في مياه فلسطين المحتلة ؟ نقول له هذا مطلب حق ولكن ليتنا نستطيع فرض ذلك على الشركات العالمية، ها هي دورة التراخيص الثانية مفتوحة للجميع، ولكن لم ولن يتقدم أحد للمناقصة بسبب الضغوطات العالمية التي هي فوق طاقة لبنان. بينما ما نستطيع أن نفعله اليوم وهو من حقنا ومن ضمن إمكاناتنا وواجباتنا للتمكن من بدء التنقيب عن النفط والغاز في مياهنا البحرية هو فقط تعديل المرسوم 6433 واعتماد الخط 29 واعتبار حقل كاريش حقلاً لبنانيا يمنع على أي شركة استخراج النفط والغاز منه تحت تحميلها كل العواقب القانونية والأمنية.
وإذا تعذر تعديل المرسوم في الجلسة الأخيرة وقبل فوات الأوان، فهناك خيار آخر، وهو صدور قرار من مجلس الوزراء يؤكد فيه على مضمون الرسالة التي ارسلت الى الامم المتحدة بتاريخ 28/1/2022 والتي تعتبر حقل كاريش حقلاً متنازعا عليه وتحذر شركات النفط من العمل فيه الى حين الانتهاء من حل مسألة الحدود البحرية، والتي ئؤكد أيضاً أن لبنان يحتفظ بحقه في تعديل المرسوم 6433 وتوسيع نشاطاته الاقتصادية جنوباً.
أخيراً، من يعتقد أنه يوجد حل غير الضغط الفعلي على العدو الاسرائيلي فهو مخطئ، هذا العدو لا يفهم إلا بفرض حقنا عليه بالقوة، وهو سيستخرج النفط والغاز من حقل كاريش إن لم نفعل ذلك. إنها الفرصة الذهبية يجب ألا نضيعها، ويجب التحرك قبل وصول سفينة الانتاج FPSO الى حقل كاريش وبدء الانتاج كونه لن ينفع التحرك بعد ذلك، وسينتقل الاسرائيلي بعدها الى تنفيذ مخططاته التالية بالضغط على لبنان في حقل قانا وفي البلوك 8، وبالتالي نقل المعركة كما يفعل دائما من مياهه الى مياه الخصم. 

Related Articles

Back to top button