اهم الاخبارمحلياتمن الصحافة

عن اي ارتطامٍ تتحدّثون؟

كتبت مارلين الحاج حدّاد في موقع mtv:

وقعت الكارثة. بين جحيم اليابسة وجحيم البحر، أغرقهم الجوع والحرمان والحلم بمستقبلٍ ما…
قاربُ موتٍ صغير، وتجّار هجرةٍ غير شرعيّة، وحكّام تحكّموا ولم يحكموا، جميعهم يتحمّلون المسؤولية وقد أتمّوا المهمّة بنجاحٍ صاعق.
أطفالٌ ونساءٌ ورجال، خذلهم الأمل بتأشيرة حياةٍ خارج حدود البؤس، فاحتضنهم البحر، حتى بتنا نسأل، أضحايا هم أم ناجون من الحياة؟

في طرابلس، مأساةٌ كانت في اليومين الماضيين هي الخبر. وكالعادة، بعد كلّ فاجعة، ينحرف كثيرون عن جوهر الحدث وحيثيّاته وأسبابه الحقيقية والواقعيّة، فيرسمون له تداعيات ومضاعفات على قياس مصالحهم، غالباً ما تكون لغايات سياسيّة محدّدة، ضمن خطّة ممنهجة يسيرون بها للتصويب على جهة واحدة وطرف واحد. فيصبح الخبر في مكانٍ آخر، أركانه التعمية، التحريض والتضليل. 

كيف لا والجهة المستهدفة هي المؤسسة العسكرية، رئة لبنان ودرعه والجبل الذي يتّكئ عليه رجاء اللبنانيين الأخير.
بعد الحادثة، خرجت أصواتٌ لبعض الناجين، تبعتها تغريدات ومنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي وضجيجٌ إعلاميّ على بعض المحطات التلفزيونية، يحمّلون الجيش اللبنانيّ مسؤولية ما حدث، مدّعين تعمّده ارتطام الخافرة أكثر من مرة بالمركب لإجباره على العودة فتسبّب بغرقه وستّين شخصاً كانوا على متنه. (علماً أن كل الوقائع الموثّقة والمعلومات عن وضع المركب وحجمه وسعته كان قد فنّدها قائد القوات البحريّة في الجيش اللبناني أمس في مؤتمر صحافي حول الحادثة).
إذن هو الارتطام. لكن عن أيّ ارتطامٍ تتحدّثون؟

ارتطام المؤسّسة العسكريّة بالشارع اللبناني ووضعها وجهاً لوجه مع شعبها الذي طالما كان وسيبقى مصدر قوّتها وهي مصدر أمنه وأمانه؟
حبّذا لو أوليتم جلّ اهتمامكم “بالارتطام الكبير” الذي ينتظره اللبنانيون بفارغ القلق والخوف على المصير. أوليس هذا الارتطام ومن أسّس له مِن أسيادكم، كانوا السبب الأول والأخير في نزيف لبنان لرأسماله البشري وهجرة خيرة شبابه جوّاً وبرّاً وبحراً، وبشتّى الطرق الشرعيّة منها وغير الشرعيّة؟

هؤلاء أنفسهم، هل سُمِعَ لهم صوتٌ أو سُجِّلَ لهم موقفٌ واحد مؤيّد وداعم للجيش وقائده العماد جوزاف عون الذي يواجه وحيداً أشرس الأزمات، وأعتى الحملات ثمن نصاعة كفّه وحمايته للمؤسسة والبلد بشهادة الداخل والخارج؟

الخسارة كبيرة ووطنيّة لا تخصّ طرابلس وحدها. ولحظة لبنان تاريخيَّة ومفصليّة دقيقة. ولعلّ أخطر مظاهر الانهيار اليوم هي أن يفقد اللبناني إدراكه، ويدير ظهره للثوابت الأخلاقيّة والمبادئ الوطنيّة الأساسيّة، وأن يصبح أداةً بيد “صنّاع الرأي العام الجدد”، وهم بغالبيّتهم “إفتراضيّون” مقنّعون لاهثون خلف مصالحهم الصغيرة، لصالح جهات باتت معروفة للجميع.

لبنان على قاب قوسين أو أدنى من الارتطام الكبير والغرق المحتّم. وخافرة واحدة فقط ستمرّر هذه المرحلة بأقل خسائر ممكنة إذا ما تمسّكنا بها ووقفنا إلى جانبها وقلنا :”جيشنا الوطني ليس مكسر عصا وإلّا تكسّرت رؤوس المصطادين في الماء العكر على صخرته”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى