هل يكون باسيل آخر رئيس للجمهورية الثانية؟
علاء الخوري- ليبانون فايلز
يوَضّب حزب الله حقائب الجمهورية الثانية، ويمضي بها الى ربوع اتفاق جديد يرعى كل المتغيرات التي طرأت على لبنان منذ اتفاق الطائف وتعزّزت أكثر مع توغل الحزب داخل ادارات الدولة، إن بطريقة مباشرة أو عبر دائرة حلفائه التي تتوسّع عند كل استحقاق.
في المقابل، يشهد الحلف المقابل عملية قضم لتحالفاته الاستراتيجية أو بالحدّ الأدنى انكفاء عن الساحة الاقليمية والدولية، وأظهرت صواريخ الحوثي التي ضربت عمق الاقتصاد السعودي مستهدفة مرة جديدة شركة “أرامكو” عملية انقلاب كبير في موازين القوى، وسط صمت دولي خرقته بيانات التنديد والاستنكار من اعمال الحوثي، شبيهة بتلك البيانات التي تستنكر القصف الروسي على أوكرانيا.
في لبنان، ثمّة قراءة متأنية للواقع الجديد يتحدّث عنها وبإسهاب الفريق الحليف لحزب الله ايران وسورية. هذا الفريق تخطّى في تصريحاته نتائج الانتخابات النيابية وهو اليوم منكب على الاستحقاق الرئاسي، فقواعد التيار الوطني الحر وبعض المسؤولين فيه، يؤكدون ان الاكثرية النيابية وفق أرقامهم باتت شبه محسومة نتيجة الجهد الكبير الذي عمل عليه حزب الله على مدى ستة أشهر ولا يزال لتدوير الزوايا بين الحلفاء وحسم اللوائح في كثير من الدوائر ليكون المجلس النيابي مرة جديدة في قبضته.
يتطلّع التيار الوطني الحر اليوم الى الاستحقاق الرئاسي في اطاره الواسع، ويتحدّث بعض القياديين المقربين من رئيس التيار جبران باسيل عن التغييرات التي قد توصل رئيس التيار الى كرسي بعبدا. برأي هؤلاء فإن
بيدرهم الرئاسي سيتطابق حكماً مع الحسابات الدولية، بدءا بالاتفاق النووي وربطا بالحرب الروسية الاوكرانية وصولا الى ابواب الضاحية الجنوبية.
يقودهم اعتقادهم بأن الضغط الذي مارسه حزب الله على الحلفاء صبّ في مصلحة التيار، لاسيما في القرى حيث يتداخل الصوت الشيعي مع المسيحي فأرغم أحزابا على سحب مرشحيها ليضمن للتيار مقعدا في الدائرة التي يتطلب الامر توحيد الجهود، كما حصل في عكار مع “المرده” وفي البقاع الغربي مع القومي السوري حيث سحب كل واحد منهم مرشحه في الدائرة لصالح مرشح التيار، وفي الدوائر التي يمكن ان يحصد التيار مقاعد اضافية بلوائح منفصلة عن لائحة الحزب أو الثنائي بادر الى تأليفها، مع تأكيد قيادات التيار ان الحزب سيمنح بعض الاصوات للوائح التيار في الدوائر المختلطة اذا تطلب الامر الفوز بالمعركة. ومتى حصل الحلف على الاكثرية النيابية، يكون الغطاء الداخلي برأي التيار قد تأمّن لباسيل، ليأتي بعدها التوافق الدولي.
دوليا، تأتي جملة معطيات يتبناها التيار الوطني الحر، تنطلق من كسر عزلة سورية عربيا وتمر باتفاق طهران النووي وصولا الى تبدّلات المواقف بعد الحرب الروسية الاوكرانية. ويرى التيار فرصة اليوم لتبديل الموقف وكسر الحصار عنه، انطلاقاً من مصلحة الدول الغربية بفتح قنوات حوار مع حزب الله ويأتي برأيهم موقف الفاتيكان كمقدمة لهذا الامر، في ضوء مكاشفة الكرسي الرسولي رئيس الجمهورية في زيارته الاخيرة الى روما حيث سمع بحسب هؤلاء، فكرة الحوار المباشر مع الحزب وضرورة ان تعيد الكنيسة المارونية المواقف وتذهب مباشرة لحوار مع قيادة حارة حريك.
لا يُعير التيار الوطني الحر أهمية لدور رئيس تيار المرده سليمان فرنجية، وبرأيهم فإن الرجل بات بعيدا عن كرسي الرئاسة، لأن موازين القوى الداخلية والتي سيكون لها ارتداداتها على المستويين الاقليمي والدولي تأتي
اليوم لصالح الكتلة المسيحية الاكبر، والرهان هنا سيكون لمصلحة باسيل اذ يحسم القياديون في حزبه أنه سيملك حصة وازنة في تكتله الجديد.
في المقابل، يعتبر الخصوم أن التيار مفرط بتفاؤله، وتتقاطع الاوساط المعارضة في قراءتها، جازمة ان حزب الله يدير ماكينته الاعلامية والسياسية لكسر الحصار عن رئيس الوطني الحر جبران باسيل، ويُقنع الحلف أنه رئيس الجمهورية المقبل.
من هنا، ترى الاوساط أن الحملة التي تزامنت مع زيارة الرئيس عون الى الفاتيكان حول عودة الحوار بين حزب الله وبكركي كانت مفبركة من قبل الاعلام التابع للحزب بهدف الايحاء للمجتمع الدولي أن بكركي الداعية الى الحياد والى حصرية السلاح، تتواصل مع من تعتبره الطرف الوحيد الذي يخرق مبدأ الحياد والسلاح غير الشرعي، والهدف من ذلك التصويب على موقف الكنيسة وتعويم رئاسة الجمهورية التي اكدت من روما أن حزب الله ليس ارهابيا وهذا الموقف اعتبرته الاوساط مقدمة لاعتماد النائب باسيل كمرشح ضامن للسلاح في رئاسة الجمهورية، مذكرةً بمواقف فرنجية الاخيرة والتي لمح فيها الى إمكانية انسحابه من السباق الرئاسي حين قال إنه لن يشحذ الرئاسة من أحد وهو يعمل وفق قناعته مع حلفائه.
وفيما اعتبرت الاوساط أن فرنجية مهّد لانسحاب تكتيكي من السباق الرئاسي، اشارت الى أن الحزب بات مقتنعا أكثر من أي وقت مضى بأهلية جبران باسيل ليكون رئيسا للجمهورية، وتُشجعه مواقف رئيس الجمهورية طيلة السنوات الست الماضية والتي كان باسيل في كواليسها، على خوض معركة شرسة لانتخاب الرجل مستكملا معه ولاية جديدة.
الا أن الاوساط تؤكد أن وصول باسيل الى الرئاسة يعني انهاء الجمهورية الثانية، لأن البلاد لا تحتمل التمديد ولاية جديدة للتيار، وتجزم بأن هدف الحزب عبر التسويق لباسيل وضع اللبنانيين أمام خيارين لا ثالث لهما، اما القبول بباسيل رئيسا لستّ سنوات أو الذهاب بالبلاد الى عقد دستوري جديد
يُعيد صياغة الدولة وفق القوى الجديدة، وهنا يطرح الحزب مشروع “الدولة العميقة”، ويفرض على اللبنانيين الخيار لا الاختيار.