هل نعيش لحظة ولادة “اتفاق القرن النووي”؟

هل نعيش لحظة ولادة “اتفاق القرن النووي”؟
بقلم د. ميراي زيادة
وسط صخب الأزمات في المنطقة، وهدير التصعيد في أكثر من محور، هناك ورشة صامتة تجري خلف الكواليس، قد تُعيد رسم الخريطة السياسية والأمنية في الشرق الأوسط.
نعم، نحن نتحدث عن المفاوضات النووية الجديدة بين إيران والولايات المتحدة، والتي تنعقد بوتيرة متسارعة، ما بين مسقط وروما، بعيدًا عن ضوضاء الإعلام، وقريبًا من منطق الصفقات.
الاتفاق الذي يُطبخ اليوم ليس امتدادًا لاتفاق 2015… بل هو مشروع جديد بالكامل، يتقاطع فيه النووي مع الجيوسياسي، ويتداخل فيه الاقتصاد مع السيادة.
ما الذي تغيّر؟
أولًا، طهران لم تعد تعتمد سياسة “الصبر الاستراتيجي”. سقوط سوريا كحلقة مركزية في مشروعها الإقليمي، وضغوط العقوبات والاقتصاد المنهك، دفعها نحو التفاوض بلغة جديدة:
لغة الاستثمار، والمقايضة، وإعادة التموضع.
ثانيًا، الولايات المتحدة – بقيادة ترامب – تبحث عن صفقة تُترجمها للرأي العام كنصر دبلوماسي – أمني.
صفقة تُنهي الطموح النووي الإيراني من دون خوض حرب، وتفتح الباب أمام “استثمارات بمئات المليارات”، وفقًا لما عُرض فعليًا على طاولة التفاوض.
أبرز ملامح الاتفاق المحتمل:
اعتراف أميركي ببرنامج نووي إيراني مدني مضبوط الرقابة.
تعهّد بعدم صنع السلاح النووي، مع التزام بالشفافية والتفتيش.
مطالب إيرانية برفع العقوبات، واستعادة الأرصدة المالية المجمدة.
دخول إيران على خط “صفقات النفط والطيران والبنى التحتية” مع واشنطن – بمقاربة اقتصادية محضة.
المعركة الأساسية الآن تدور حول من سيراقب المنشآت، وما إذا كانت إيران ستقبل بالتفتيش الأميركي المباشر. وهذا يُشكل العقدة الكبرى، لما فيه من مساس مباشر بمفهوم “السيادة الوطنية”.
الخطورة… والفرصة
المقلق ليس الاتفاق نفسه، بل التداعيات الإقليمية التي قد تنتج عنه:
هل ستتحرّك إسرائيل عسكريًا لإفشال الاتفاق؟
هل سيُفتح الباب لاحقًا لمفاوضات حول أذرع إيران في الإقليم؟
هل نشهد تقاربًا اقتصاديًا أميركيًا–إيرانيًا يُهمّش اللاعبين العرب؟
وهل سيكون للبنان موقع على خريطة التأثير؟ أم أنه سيبقى في موقع المتفرج؟
ما يجري ليس مجرد “تفاهم نووي”… بل هو بداية إعادة رسم التوازنات في الشرق الأوسط.
اتفاق القرن النووي، إن وُقّع، سيكون لحظة تحوّل كبرى – لا لمصلحة طرف واحد، بل لتوازنات جديدة بالكامل.
والمطلوب منّا، كلبنانيين، وكصنّاع رأي وفكر، أن نقرأ القادم بدقة، ونتحضّر له بذكاء.
لأن من لا يكون جزءًا من الاتفاق… سيكون حتمًا من نتائج الاتفاق.