محليات

هل يصمد وقف النار على الحدود في الهرمل؟

هل يصمد وقف النار على الحدود في الهرمل؟

يسود الحدود الشمالية الشرقية لمدينة الهرمل في البقاع اللبناني الشمالي الشرقي، هدوء مشوب بالحذر منذ سريان وقف النار في الساعات الأولى من الصباح، بعد يومين على الاشتباكات العنيفة بين الإدارة السورية الجديدة ومسلحي عشائر بعلبك – الهرمل التي أودت بحياة سبعة لبنانيين وأصابت 39 آخرين.

لقد تعرضت بلدتا القصر وحوش السيد علي الحدوديتين لأضرار مادية، إلا أن ما يتصدر المشهد هو بلدة حوش السيد علي (التي فقدت خمسة من أبنائها، أحدهم لا تزال جثته محتجزة عند السوريين) وتوغل الجيش السوري 5 كيلومترات إلى داخلها اللبناني، ثم تراجعه ودخول الجيش اللبناني، لتظهر حاجة المناطق الحدودية بين البلدين إلى دعم قانوني وسياسي قوي من الحكومتين لحماية الممتلكات اللبنانية وحل المشاكل الناتجة من تعقيدات الجغرافيا والحدود والتوصل إلى اتفاقات تنظمها.

رغم إعلان وقف النار، يبقى السؤال الأهم عن مدى قدرة هذا الاتفاق على البقاء وسط التحديات الكبيرة التي تواجه المنطقة. علما أن نجاح الاتفاق يعتمد على جملة من العوامل الأساسية يجب أخذها في الاعتبار.

يقول مصدر أمني لـ”النهار”: سيصمد الاتفاق، أولا نتيجة التنسيق المستمر بين البلدين، وهو من أبرز العوامل التي تؤدي دوراً حاسماً في استدامته. وثانيا، يولي الجيش حالياً اهتماماً خاصاً لإغلاق معابر التهريب الحدودية بكل حزم وصرامة، وهي الخطوة التي تُعدّ جزءاً أساسياً من خطة استعادة السيطرة على المناطق الحدودية، حيث يواصل توسيع انتشاره العسكري في المنطقة بكل حزم لفرض السيطرة الأمنية الكاملة على هذه المناطق ومنع أي محاولات للتهريب أو النشاطات غير القانونية.

ويشمل هذا التوسع تعزيز الحواجز العسكرية وتثبيت نقاط تفتيش رئيسية في المناطق الإستراتيجية، بما يساهم في تأمين الحدود وضبط الأمن الداخلي.

العشائر

للعشائر المحلية في منطقة بعلبك الهرمل دور محوري في المشهد الأمني، إذ تمتلك نفوذاً راسخاً في هذه البقعة. وفي ظل سعي الحكومة السورية إلى تعزيز سلطتها هناك، قد تجد نفسها أمام تحديات صعبة مع هذه العشائر التي قد يتعذر عليها تقبل التدخلات التي تهدد توازناتها الدقيقة. إذا لم تُؤخذ مصالح هذه العشائر في الاعتبار، فإن ذلك قد يفضي إلى تصعيد جديد، ما يعرض اتفاق وقف النار لأخطار، حيث تُعدّ المعابر الحدودية غير الشرعية في منطقة الهرمل مصدر دخل رئيسي لهذه العشائر، وتسعى الحكومة السورية إلى السيطرة عليها بما يتماشى مع أهدافها الأمنية والسياسية.

كبير عشيرة آل جعفر في الشمال الشيخ ياسين علي حمد جعفر يؤكد لـ”النهار” أنه وعددا من زعماء العشائر إلى جانب الدولة، وقد اعتبروا أن إقفال المعابر غير الشرعية وفتح الشرعية منها خطوة تحمل تأثيرات أمنية إيجابية على المجتمع المحلي، إذ توفر آفاقاً للحد من النشاطات غير القانونية التي كانت تتفشى بفعل المعابر غير الشرعية.

في المقابل، يوضح مصدر من الإدارة السورية الجديدة لـ”النهار” أنه إذا التزمت الدولة اللبنانية منع التهريب وضبط الحدود، فإن وقف النار سيصمد.

ويلفت إلى أن الأمور الحالية على الحدود تشير إلى أن الحل العسكري أو الأمني لن يكون كافياً لإنهاء الأزمة في شكل دائم، ومن الضروري أن يكون الحل سياسياً بامتياز، والخيار الأفضل يكمن في التوصل إلى حل سياسي بالاتفاق بين الدولتين، يضمن استقرار المنطقة ويفتح المجال للتعاون في حل الخلافات، من أجل تجنب تصعيد الأوضاع وتحويل النزاع إلى أزمة عسكرية بين لبنان وسوريا.

ويقول: “نحن أمام دولتين في مرحلة إعادة ترتيب علاقاتهما الداخلية والخارجية، وهو ما يتطلب تعزيز التعاون المشترك لتأمين الحدود وضبط الأوضاع في المنطقة، ومن أهم القضايا التي تحتاج إلى معالجة عملية ترسيم الحدود، وخصوصاً في المناطق الحدودية الحساسة”.

ويؤكد أن “الجانب السوري قد فرض سيطرته على كل قرى حوض العاصي ريف حمص، وكلنا يعلم أن هذه المناطق كانت ملجأ للخارجين عن القانون من الطرفين والذين يعيثون فيها فساداً من تهريب بشري وتجارة الممنوعات”.

ويضيف: “عملنا بكل حزم على إغلاق المعابر غير الشرعية عند هذه الحدود التي تشكل بؤرة استراتيجية بارزة في خريطة التهريب بين البلدين، وهذه أكثر من مجرد إجراء أمني، بل هي بمثابة رسالة قوية تؤكد عزم الإدارة على التصدي لكل التحديات المرتبطة بالأمن الحدودي.

يمكن أن توفر الحلول العسكرية راحة موقتة، لكنها لا تحل المشكلة الأساسية. في المحصلة الاشتباكات الحالية على الحدود اللبنانية – السورية تشير إلى أن الحل العسكري أو الأمني لن يكون كافياً لإنهاء الأزمة في شكل دائم. رغم التورط العسكري من الطرفين، تبقى الأسباب الجذرية لهذه التوترات عميقة، تتضمن مصالح اقتصادية واجتماعية، فضلاً عن الانقسامات السياسية التي تزداد تعقيداً بسبب التدخلات الإقليمية والدولية.

إزاء هذا الواقع، من الضروري التوصل إلى حل سياسي يضمن استقرار المنطقة ويفتح المجال للتعاون بين الدولتين في حل الخلافات.

لينا إسماعيل- “النهار”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى