اهم الاخبارخارجياتنقاط ساخنة

السعودية كعمق استراتيجي لسوريا: أبعاد ورسائل الزيارة

السعودية كعمق استراتيجي لسوريا: أبعاد ورسائل الزيارة

بقلم الدكتورة ميراي زيادة

تعكس زيارة القيادة السورية إلى السعودية، أو التقارب بين البلدين، تحولًا استراتيجيًا في المشهد الإقليمي، حيث تسعى الرياض إلى لعب دور رئيسي في إعادة الاستقرار إلى سوريا، بما يعزز وحدة أراضيها ويضمن تحقيق الأمن والتنمية المستدامة. هذه الخطوة ليست مجرد تحرك دبلوماسي أو رسالة إعلامية، بل تحمل في طياتها توجهًا عمليًا نحو إعادة سوريا إلى محيطها العربي، ومنعها من أن تكون مصدر اضطراب إقليمي.

  1. البعد السياسي: توحيد سوريا ودعم قيادتها الجديدة
    تدرك السعودية أن استقرار سوريا يرتبط بشكل مباشر بتوحيد أراضيها وفرض سيادة الدولة على كامل جغرافيتها. لهذا، تسعى الرياض إلى:

تمكين القيادة السورية الجديدة من إحكام السيطرة على كامل الأراضي السورية، بحيث لا تبقى هناك مناطق خارجة عن سيطرة الدولة، سواء كانت تحت نفوذ جماعات مسلحة أو قوات أجنبية.
دعم المسار السياسي بما يحقق توافقًا داخليًا بين مختلف الأطياف السورية، بما يضمن انتقالًا سلسًا للسلطة وفق معايير وطنية تحظى بدعم إقليمي ودولي.
تعزيز المصالحة الوطنية، من خلال تشجيع الحوار بين المكونات السياسية والمجتمعية السورية، وضمان عدم إقصاء أي طرف فاعل في إعادة بناء الدولة.

  1. البعد الاقتصادي: إعادة الإعمار والتنمية الشاملة
    إحدى أهم أولويات المرحلة الانتقالية في سوريا هي إعادة الإعمار، نظرًا لما تعرضت له البلاد من دمار واسع في البنية التحتية والقطاعات الاقتصادية. وهنا يأتي الدور السعودي في:

دعم مشاريع إعادة الإعمار والاستثمار في البنية التحتية، سواء عبر تمويل مباشر أو من خلال تسهيل استثمارات الشركات العربية والدولية.
إنعاش الاقتصاد السوري عبر تشجيع الإصلاحات الاقتصادية وتقديم المساعدات التي تساعد في تحسين الظروف المعيشية للسوريين.
تعزيز التكامل الاقتصادي بين سوريا والدول العربية، بحيث يتم دمج الاقتصاد السوري في الأسواق الإقليمية، مما يسرّع من تعافيه ويحد من اعتماده على أطراف خارجية غير عربية.

  1. البعد الأمني: تحصين سوريا من التدخلات الخارجية
    يمثل الأمن أحد المحاور الأساسية في أي مقاربة سعودية تجاه سوريا، إذ تسعى الرياض إلى ضمان عدم تحول سوريا إلى:

بؤرة صراع إقليمي أو دولي، وذلك من خلال دفع جميع الأطراف الإقليمية إلى احترام سيادة الدولة السورية والتوقف عن استخدام أراضيها كساحة لصراعات النفوذ.
ملاذ للجماعات المتطرفة، حيث تدعم الرياض الجهود التي تعزز دور الأجهزة الأمنية السورية في محاربة الإرهاب والتطرف.
مصدر تهديد لجيرانها، حيث تحرص السعودية على منع أي امتداد للصراعات السورية إلى دول الجوار، والعمل على بناء علاقات حسن جوار بين سوريا وجميع الدول المحيطة بها.

  1. البعد العربي والإقليمي: عودة سوريا إلى حضنها العربي
    تحمل هذه الزيارة دلالات مهمة فيما يتعلق بالدور العربي في سوريا، حيث تؤكد السعودية على:

ضرورة إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية، باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من المنظومة العربية، ولعب دور فعال في القضايا الإقليمية.
تعزيز التعاون العربي-السوري في مختلف المجالات، بما يضمن تحصين سوريا من أي تدخلات أجنبية غير عربية، وإعادة تموضعها كلاعب رئيسي في المنطقة.
تفعيل المبادرات العربية للحل السياسي في سوريا، بحيث تكون هناك رؤية عربية موحدة لحل الأزمة السورية، بعيدًا عن الأجندات الخارجية التي قد لا تتوافق مع المصالح السورية والعربية.

  1. التوازن الدولي: تقارب محسوب مع القوى الكبرى
    إلى جانب البعد العربي، فإن السعودية تدرك أهمية البعد الدولي في مستقبل سوريا، ولذلك تعمل على:

فتح قنوات تواصل بين سوريا والغرب، بهدف تخفيف العقوبات الاقتصادية المفروضة على دمشق، وتشجيع انخراطها في النظام الدولي بطريقة تضمن الاستقرار.
تحقيق توازن في علاقات سوريا مع القوى الكبرى، بحيث لا يكون هناك اعتماد مفرط على طرف دولي دون آخر، مما يمنح سوريا هامش مناورة سياسيًا أكبر.
تعزيز الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية، من خلال تشجيع الاستثمارات الدولية في سوريا، بما يسهم في تنشيط الاقتصاد ويقلل من الحاجة إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية فقط.

  1. الأهداف الاستراتيجية السعودية: لماذا تلعب الرياض هذا الدور؟
    هناك عدة دوافع تجعل السعودية حريصة على لعب دور العمق الاستراتيجي لسوريا، ومن بينها:

تحقيق الاستقرار الإقليمي، حيث تعتبر السعودية أن استقرار سوريا ينعكس إيجابيًا على أمن المنطقة ككل.
مواجهة النفوذ الأجنبي في سوريا، سواء كان من دول إقليمية أو دولية، بما يضمن أن تبقى سوريا ضمن الفضاء العربي لا تحت سيطرة قوى غير عربية.
تعزيز الدور القيادي السعودي في العالم العربي، من خلال التأكيد على أنها قادرة على حل الأزمات الكبرى، ولعب دور الوسيط في تسوية الصراعات.

تشكل هذه الزيارة أو التقارب السعودي-السوري نقطة تحول رئيسية في المشهد السياسي الإقليمي، حيث تسعى السعودية إلى استعادة سوريا كدولة مستقرة وفاعلة في المنظومة العربية. ومن خلال الدعم السياسي، الاقتصادي، والأمني، تؤكد الرياض أنها ليست مجرد طرف داعم، بل شريك استراتيجي لسوريا، بما يحقق مصلحة البلدين والمنطقة ككل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى