أي رئيس تخبئ جلسة الانتخاب في 9 يناير وهل تراعي الكتل المتغيّرات؟
أي رئيس تخبئ جلسة الانتخاب في 9 يناير وهل تراعي الكتل المتغيّرات؟
صحيح أن الاستحقاق الرئاسي اندفع بقوة لافتة قبل 26 يوماً على جلسة انتخاب الرئيس التي حددها رئيس مجلس النواب نبيه بري في 9 كانون الثاني/يناير إلا أن المعطيات المتجمعة حول هذا الاستحقاق تفيد بوجود اتجاهين مختلفين:
الاتجاه الأول يتبناه الرئيس بري والجهات الدائرة في فلك الممانعة ويركّز على أن جلسة 9 كانون الثاني/يناير ستكون حاسمة ومثمرة وستكون جلسة مفتوحة بدورات متتالية حتى يخرج الدخان الأبيض تحت أنظار السفراء العرب والأجانب الذين دُعيوا لحضور الجلسة. وفي قناعة هذا الفريق وتحديداً الثنائي الشيعي أن تركيبة المجلس الحالية ووجود كتل رمادية ونواب مستقلين تتيح له رغم المتغيرات في لبنان وسوريا أن يكون شريكاً أساسياً في اختيار الرئيس. ومن المستحسن الاستعجال في الانتخاب قبل دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ضماناً لعدم حصول مفاجآت جديدة تطيح بالفرصة السانحة حالياً وبالورقة التي يمتلكها الثنائي للحد من الخسائر التي أصابته نتيجة الحرب بين إسرائيل و”حزب الله” من جهة ونتيجة سقوط نظام الرئيس بشار الأسد من جهة أخرى. ويعتقد فريق الممانعة بوجود تقاطع بينه وبين كل من الولايات المتحدة وفرنسا على تسريع انتخاب الرئيس متحدثاً عن تراجع مستشار الرئيس ترامب للشؤون العربية مسعد بولس عن دعوته لإرجاء انتخاب رئيس شهرين أو ثلاثة والتي كانت في رأيه “اجتهاداً شخصياً” لا يعبّر عن رغبة الرئيس الأمريكي.
الاتجاه الثاني يتبناه فريق المعارضة الذي يعتبر أن شروط انتخاب الرئيس تبدلت وأن على فريق الممانعة الذي خسر فرصة إيصال رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية ان يسلِّم بالمعطيات الجديدة من أجل انتخابات رئاسية تعيد الاعتبار لمشروع الدولة الذي يشكل وحده الضمانة للبنانيين بدل الاتيان برئيس بلا لون ولا طعم. ويخشى هذا الفريق من أن تقود جلسة الانتخاب إلى “رئيس تهريبة” لا تمثيلاً مسيحياً حقيقياً له ولا حيثية كافية وهو ما يعرّض التوازن الوطني للخلل.
إلا أن الرئيس بري يفصل بين المتغيرات في سوريا وموعد جلسة الانتخاب لا بل يزداد تمسكاً بالجلسة انطلاقاً من اعتقاده أن لا تأثير سياسياً على الإطلاق على الجلسة ومواصفات الرئيس العتيد، وهذا ما يشكل نقطة خلاف بينه وبين الكتلة المسيحية الأكبر المتمثلة بـ “القوات اللبنانية” التي لا تقبل بتجاهل المتغيرات الاستراتيجية سواء في وضعية “حزب الله” أو في وضعية سوريا وبالتالي لم تتوصل مع رئيس المجلس إلى توافق على الرغم من القنوات المفتوحة بينهما سواء من خلال نائب رئيس مجلس النواب السابق ايلي الفرزلي أو من خلال نائب رئيس القوات النائب جورج عدوان.
فالقوات ترى أن العديد من الأسماء المطروحة للرئاسة باتت غير مطابقة للمرحلة الراهنة ولا يجوز طرح أسماء تشكل امتدادًا لنفوذ الممانعة الممتد منذ عام 1990 إلى اليوم أو شخصيات تتلوّن وتخضع لترهيب من هنا وابتزاز من هناك، وبالتالي يجب أن تعبّر المعركة الرئاسية عن المتغيرات وتصوّب التوجهات وتشكل رأس حربة لتطبيق الدستور والقرارات الدولية 1559 و1680 و1701 وتؤسس لاستعادة علاقات لبنان بمحيطه العربي وخصوصاً مع الدول الخليجية والمجتمع الدولي بعد ما آلت إليه السياسات الخارجية للدولة اللبنانية في المرحلة الماضية من أزمات دبلوماسية ومن حظر لسفر الرعايا إلى لبنان بداعي تهديدات “حزب الله” ومهاجمته للمملكة العربية السعودية ودول الخليج.
في غضون ذلك، ثمة تطور قد يخلط الأوراق في حال ترشح رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الذي لم ينف الخطوة لكنه ربطها بوجود حد أدنى من الكتل النيابية مستعدة لتقبل هذا الترشيح. وكان جعجع نأى بنفسه عن الترشح ودعم بداية رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوض بالاتفاق مع الحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب وبعض نواب التغيير، قبل أن تتقاطع القوات مع الاشتراكي والتغييريين وكتلة “تجدد” والكتائب مع “التيار الوطني الحر” على دعم الوزير السابق جهاد أزعور في جلسة 14 حزيران/يونيو 2023 التي كادت تنتهي بفوز أزعور في وجه منافسه فرنجية في الدورة الثانية لولا تطيير الثنائي الشيعي النصاب.
وبغض النظر عن مصير هذا التقاطع، من المعروف أن رئيس “التيار” جبران باسيل رغب في التقاطع مع الرئيس بري على اسم مدير المخابرات السابق السفير جورج خوري بهدف قطع الطريق على أي ترشيح لقائد الجيش العماد جوزف عون وبعض الأسماء الأخرى، إلا أن الكتل الوسطية لن تقبل الانضمام إلى هذا التقاطع وتفضل التقاطع مع قوى المعارضة وعلى رأسها “القوات اللبنانية” على اسم آخر يوحي بالثقة كالنائب نعمة افرام الذي تحدث صراحة بعد لقاء جعجع في معراب عن متغيّرات في المنطقة وعن فجر جديد، مؤكداً الالتزام بتطبيق اتفاق وقف النار وعدم التذاكي على المجتمع الدولي وحصر السلاح بيد القوى الشرعية. حتى أن الرئيس بري الذي يملك ما يملك من الحنكة لن يكون بعيداً عن السير بخيار نعمة افرام حتى لو لم يمش “حزب الله” وهو يفضّل التقاطع مع القوات إذا سارت بالنائب الكسرواني على التقاطع مع باسيل على أي اسم آخر.
وشكّل خطاب افرام نقاط تلاق مع رؤية “القوات” التي تتحدث عن وضع جديد ومختلف جذريًّا في المنطقة وعدم جواز مقاربة الانتخابات الرئاسية بعيدًا من هذا التطور الاستراتيجي، إذ لا يمكن أن تنتقل المنطقة إلى عصر جديد، وان يبقى لبنان في العصر القديم. وتركّز “القوات” على رئيس فعلي يتلاءم والمرحلة الجديدة خلافاً للأسماء التي كانت مطروحة قبل قرار وقف النار وسقوط الجسر الإيراني عبر سوريا.
ولكن يبقى أن تركيبة المجلس الحالية وتوازناته لا تتيح التغيير الكبير إلا في حالة تقصير ولاية مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة يقول فيها الشعب اللبناني كلمته ويحدد خياراته.
سعد الياس – القدس العربي