الأمن الغذائي في خطر.. لبنان “في عين” العاصفة الأوكرانية

جاء في “الراي الكويتية”:
لم يَعُد العالمُ يكتفي برصْد وقائع الاجتياح الروسي لأوكرانيا بمجرياته العسكرية التي تختصرها «حرب المدن الكبرى» واللعب على «حافة» الصِدام النووي ولو من باب «كوارث محطات الطاقة»، ذلك أن هديرَ «الحرب العالمية» بمعنى تداعياتها الاقتصادية – الغذائية بات يُثْقِل على غالبية الدول وإن بدرجاتٍ تتفاوت بين واحدة وأخرى بحسب استعداداتها المسبقة ومناعتها «الأصلية» حيال الأزمات المباغتة، وتبقى الأكثر انكشافاً عليها البلدانُ التي «تُلاطم» انهياراتٍ «مفترسة» كما هي حال لبنان.
وجاء «ناقوس الخطر» الذي قرعه رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية في المنظمة العالمية للغذاء «فاو» جيلبير أنغبو (في حديث للوكالة الوطنية للإعلام اللبنانية الرسمية) أمس ليؤكد هذه الخلاصة وحجم الارتدادات التي ستترتب على تفاقُم الحرب، إذ أطلق تحذيراً مزدوجاً:
الأول من «أن النزاع في هذه المنطقة من البحر الأسود التي تؤدي دوراً رئيسياً في نظام الغذاء العالمي، إذ تصدّر ما لا يقل عن 12 في المئة من السعرات الحرارية الغذائية المتداولة في العالم، قد يحدّ من إمدادات العالم من المحاصيل الأساسية مثل القمح والذرة وزيت عباد الشمس، ما يؤدي لارتفاع أسعار المواد الغذائية وانتشار الجوع وقد يهدد ذلك الأمن الغذائي العالمي».
والثاني من «أن 40 في المئة من صادرات القمح والذرة من أوكرانيا تذهب إلى دول الشرق الأوسط وأفريقيا، وهي مناطق تعاني بالفعل مشاكل الجوع وقد يؤدي نقص الغذاء أو زيادة الأسعار فيها إلى تأجج الاضطرابات الاجتماعية، وسيكون استمرار هذا النزاع، الذي يعد مأساة للأطراف المعنية بشكل مباشر، أمراً كارثياً على العالم بأسره».
ومن هنا تزداد في لبنان المخاوف من نتائج قد تكون مُفجِعة على الوطن «المعدَم» والذي يكاد شعبه أن يكون فريسة «إعدام جَماعي» بالانهيار الشامل وبؤسه المتمدّد، في ظل تشابُك مفاعيل الحرب على أوكرانيا على خطى الإمدادات وارتفاع الأسعار، بما يضع اللبنانيين بين مطرقة فقدان مواد أساسية مثل القمح والزيوت والسكر سواء لصعوبة نقلها أو تعديل «البلدان البديلة» للاستيراد «أولوياتها» تحت عنوان «أمننا الغذائي واكتفاؤنا أولاً»، وسندان ارتفاع أسعارها (إذا تم توفيرها) مع سلع أخرى مثل المحروقات، مع ما سيولّده ذلك من «جريمة متسلسلة» في زيادة أسعار مختلف السلع.
وبدأت بوادر الأزمات المتفرعة من الحرب الأوكرانية تتظهّر في «بلاد الأرز» عبر «هجمة» كبيرة على شراء الزيوت والسكر التي بدأت تنضب من السوبرماركت، وأيضاً بفعل «جشع التخزين» من التجار لتحقيق أرباح جراء فوارق الأسعار، كما من خلال الإعلان أن مخزون المحروقات في لبنان يكفي لأربعة أو 5 ايام وسط تسجيل بلبلة كبيرة في قطاع المولدات الخاصة التي تمدّ الأحياء بالكهرباء في ظل بلوغ سعر طن المازوت نحو 950 دولاراً الأمر الذي انعكس تقنيناً قاسياً من بعض المولدات ورفْع أخرى أسعار اشتراكاتها لمستوياتٍ قياسية.
وترافق ذلك، مع إعراب أوساط سياسية وخبراء اقتصاديين عن قلق كبير من أن زيادة تكلفة الاستيراد (الشحن) وأسعار السلع بالدولار ولا سيما المحروقات، سيعمّق متاعب لبنان الذي يعاني انهياراً في عملته وسيزيد الضغطَ على الليرة في ضوء عدم قدرة البنك المركزي على المزيد من استنزاف احتياطه من العملات الأجنبية الذي يتآكل بفعل محاولته لجم تدهور سعر الليرة كما استمراره بتوفير الدولارات لاستيراد المحروقات (ولو على سعر منصة صيرفة) والقمح وبعض الأدوية وغيرها.
ولم يهدئ تشكيل مجلس الوزراء «لجنة طوارئ» وزارية لمحاكاة المخاطر على الأمن الغذائي وعدم تأمين القمح وغيره في ظل الحرب على أوكرانيا، ولا الاتجاه لإصدار قرار بتوقيف أذونات التصدير لعدد من المواد الأولية المهمة التي يصدّرها لبنان تحت عنوان حماية الاكتفاء المحلي، من قلق الكثيرين من أن تكون بيروت أولاً تأخرت في محاولة تدارُك ارتدادات الحرب، وثانياً أن تجربة إدارة الحكومة للجانب السياسي – الديبلوماسي من هذا الحدَث العالمي لا تشجّع إطلاقاً على تَصَوُّر أن تضطلع بمهمة تشكيل «درع واقية» من التشظيات الغذائية للانفجار الأوكراني، هي التي تتخبّط في مختلف جوانب الأزمة المالية التي لم تنجح بإيصالها بعد إلى برّ إنجاز خطة التعافي التي تشكل مرتكز التفاوض مع صندوق النقد الدولي على رزمة إنقاذ.
ولم تخرج بيروت بعد من تحت تأثير عدم «التجرؤ» على طرْح قضية بحجم اتخاذ موقف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة من الغزو الروسي لأوكرانيا، والذي أيّد لبنان قرار إدانته، أمام مجلس الوزراء، واعتماد «طريق مختصرة» لذلك شكّلها لقاء ثلاثي ضم رئيسيْ الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بوحبيب وأوعز بالسير تحت المظلة الدولية في هذا الملف، وهو الموقف الذي واكبتْه واشنطن عن كثب عبر «ديبلوماسية الهاتف» (مع بيروت) وما زالت الدول الغربية ترحّب به، في مقابل مضيّ «حزب الله» بـ «تسجيل موقف» اعتراضي عليه.
وبعدما كان وزير «حزب الله» مصطفى بيرم (العمل) أعلن أمام مجلس الوزراء رفضه موقف لبنان في الجمعية العامة بوصفه «انحيازاً لا يقدّم ولا يؤخّر» وهو ما ردّ عليه ميقاتي بتأكيد أن الأمر «لا يستهدف روسيا بل يعبّر عن رفض مبدئي لأي تدخل من دولة في شؤون أي دولة أخرى»، أكمل رئيس كتلة نواب «حزب الله» حلقة الاعتراض أمس، معلناً أن «كل أصحاب الشعارات التي شنّفوا آذاننا على مدى عقد من السنوات وهم يطبّلون للحياد وللنأي بالنفس، صمتوا وبلعوا ألسنتهم وكأن ما فعلتْه الحكومة وما أصدرته من موقف يحدد مصير بلدنا، فعجيب إذا كان مصير بلدنا يتحدد باتصال هاتفي من السفارة الأميركية للبعض في بلدنا فأي مصير ننتظره لهذا البلد».
ولم تقلّ فوضوية مقاربة لبنان الرسمي الطرح المكتوب الذي قدّمه الوسيط الأميركي في موضوع الترسيم البحري مع إسرائيل آموس هوكشتاين والذي بات يستوجب تقديم الجواب النهائي من بيروت عليه، وسط تقارير (صحيفة «الأخبار») كشفت أن العرض «يقترح حصول لبنان على الخط 23 مع انحراف فيه صعوداً عند البلوكين 8 و10، فيكونان مع القسم الخارجي من حقل قانا من نصيب العدو الإسرائيلي، إضافة إلى عرض آخر يتضمّن قيام شركة توتال من الجانب اللبناني وشركة هاليبرتون من الجانب الآخر بإدارة الحقول المشتركة، على أن يتم العمل على الحدود برعاية قطرية».
وكان بارزاً أن ردّ بيروت على طرح هوكشتاين تحوّل محور «تفاوض لبناني – لبناني» عبر لجنة تم تشكيلها من ممثلين لرئاستي الجمهورية والحكومة، ووزارات الخارجية، الدفاع، الطاقة والأشغال، على أن يجتمع أعضاؤها في قصر بعبدا لدراسة العرض الأميركي وإعداد مسودة الإجابة قبل القرار النهائي، وسط ملاحظة أن «حزب الله» رفض أن يتمثّل في اللجنة (عبر وزير الأشغال) على قاعدة معارضة أن يكون جزءاً من أي لقاء أو محادثات تتعلق بملف الترسيم خصوصاً إذا كانت اللجنة ستجتمع بوفود أميركية، في حين ساد غموض حول عدم تمثّل أي من وزراء رئيس البرلمان نبيه بري في اللجنة.
وراوح الأمر بين حدين: الأول اعتباره «استبعاداً» لبري. والثاني الإيحاء بأن الأخير يريد أن ينأى بنفسه عن الملف في هذه المرحلة «التمهيدية» من اتخاذ قرارٍ لا يمكن تَصَوُّر أن يمرّ أصلاً من دون موافقة الثنائي الشيعي، ولا سيما بعد «العصا» التي هزّها «حزب الله» قبل أيام بوجه الجميع في الداخل في ما خص حدود التفاوض مع هوكشتاين بعد شبه التسليم بأن «الخط 23» بات المعتمَد (عوض الـ 29 الذي يوسع المنطقة المتنازع عليها وهي 860 كيلومتراً مربعاً بأكثر من 1430 كيلومترا) إن لم يكن للترسيم فوق البحر فلتقسيم وتقاسُم الثروات والحقول تحته.
وكانت واشنطن اتخذت خطوة جديدة في اطار فرض عقوبات على «حزب الله» ومستثمرين وممولين متعاونين معه، إذ حدد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة اثنيْن من ممولي الحزب العاملين في غينيا، علي سعادة وإبراهيم طاهر، بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، بصيغته المعدلة «والذي يستهدف الإرهابيين والقادة والمسؤولين في الجماعات الإرهابية وأولئك الذين يقدمون الدعم للإرهابيين أو الأعمال الإرهابية».
المصدر : الراي الكويتية