حين يخيب ظنّ الوزير… واللبنانيين
أصاب وزير الاتصالات جوني القرم حين قال بعد خروجه من جلسة مجلس الوزراء معلناً التمديد لأجل غير مسمى لشركة ليبان بوست «إلى حين تكليف شركة جديدة وفق مزايدة أخرى»، إنّه «أمر مخيب للآمال». فعلاً يحق للبنانيين أن يخيب أملهم من أي مشروع جدي لنقل مؤسساتهم وقطاعاتهم من عقلية المحاصصة وهدر المال، إلى بعض الشفافية في استثمار هذه القطاعات وتفعيل انتاجيتها.
يحقّ للبنانيين أن يخيب أملهم بعد كل محاولات نقل قطاع الخدمات البريدية من إدارة شركة «ليبان بوست» التي اتهمها صراحة ديوان المحاسبة في تقريره الأول الصادر في العام 2021 بهدر المال العام، وها هي لا تزال صامدة رغم مرور أكثر من ربع قرن على توليها القطاع وأكثر من خمسة أشهر على انتهاء عقدها.
يحق للبنانيين أن يخيب أملهم أنّ وزير الاتصالات لم ينجح في إقناع الهيئات الرقابية (ديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام) أو لجنة الاتصالات النيابية أو حتى زملائه الوزراء بأن العقد مع إئتلاف «ميريت انفيست» و»كولي بريفيه فرانس» هو عقد سليم لا تشوبه شائبة ويمكن أن يشكل نقلة نوعية في استثمار هذا المرفق ويؤمن عائدات عادلة للخزينة العامة تنهي عصر ليبان بوست المجحف بحق الدولة.
يحق للبنانيين أن يخيب أملهم من أن تصير الهيئات الرقابية مكسر عصا وتضرب وظيفتها وعلّة وجودها بعرض الحائط تحت عنوان أن بعض مسؤوليها أو القيّمين عليها محسوبون على جهات سياسية، فترمى تقاريرها وتوصياتها في سلّة المهملات.
ولكن كيف للوزير أن يخيب أمله؟
هل خاب أمله لأنّه لم ينجح في إقناع من حوله بجدوى العقد مع العلم أنّه لم يكن بالأساس مضطراً للتوجه إلى مجلس الوزراء لأخذ موافقته، لكنه فعلها بملء إرادته بغية كسر قرارات الهيئات الرقابية والاختباء خلف السلطة السياسية؟
أم خاب ظنّه لأنه لم يحسّن شروط العقد مع «ليبان بوست» كما سبق وأوصاه الديوان وطالبه أمس الوزراء؟ أم لأنّه هو من سعى إلى تبرئة ذمة «ليبان بوست» لدى هيئة القضايا أكثر من مرة لكي تشارك في المزايدات؟
أم خاب ظنه لأنه سيضطر لوضع دراسة علمية يتم على أساسها تقدير حجم إيرادات هذا القطاع وبالتالي تحديد النسب العلمية والعملية لحصة الدولة، هو الذي يشكو اليوم من حاجته إلى ثمانية أشهر لوضع هذه الدراسة التي يمكن على أساسها إجراء المزايدة الرابعة بعدما أنجز ثلاث مزايدات خلال أقل من سنة ومن دون دراسة؟ وهو سلوك يقود إلى سؤال جوهري: هل اتسم أداء الوزير خلال الجولة الأولى (قبل إلغاء المزايدة) بالجدية وبالتالي فإنّ الكلام عن ثمانية أشهر مبالغ فيه للهروب من المسؤولية؟ أم أنّ المرحلة المقبلة هي التي تتسم بالجدية وبالتالي كل ما قام به في السابق هو من باب «سلق» المزايدات؟
أم خاب ظنه لأنهّ أهمل الجزء المتصل بتأسيس شركة وطنية لإدارة القطاع وهو الذي يقول إنّه صاحب الفكرة؟ أم أنه غير مقتنع أصلاً بجدوى إدارة الدولة للقطاعات الانتاجية ومنها مثلاً قطاع الخلوي الذي يديره؟
الأكيد أنه لم يخب ظنه من مجلس الوزراء الذي قرر: «تمديد العقد لشركة «ليبان بوست» على سبيل التسوية اعتباراً من 1/6/2023 ولغاية استلام المشغل الجديد وتكليف وزارة الاتصالات تعديل جداول أسعار الخدمات البريدية الواقعية وذلك إلى حين إطلاق المزايدة الرابعة وتسليم الفائز إضافة الى تكليفها إطلاق مزايدة البريد للطرود و/أو الطرود البريدية و/أو الرزم و/أو التجارة الالكترونية و/أو مواد المراسلات والإجازة للشركات الحاصلة على التراخيص بنقل الطرود و/أو الطرود البريدية و/أو التجارة الالكترونية و/أو مواد المراسلات المشاركة بالمزايدة على أن يكون الترخيص صادراً من بلد المنشأ او أي بلد آخر (ما عدا اسرائيل) إضافة الى الشركات المحلية الحاصلة على التراخيص من وزارة الاتصالات».
فالقرار فتح الباب أمام كمّ كبير من الشركات التي يمكنها أن تشارك في المزايدة الرابعة لتختار واحدة من الوظائف المعددة في القرار (الطرود أو الرزم أو المراسلات…) ما يعني إسقاط شرط الخبرة في تشغيل الخدمات البريدية الذي نصّ عليه دفتر الشروط حين تمّ تلزيم القطاع في العام 1998 يوم حدد مؤهلات العارضين «يرغب المنظم في إجراء مزايدة من عارضين يملكون الخبرة في تقديم وتشغيل الخدمات والمنتجات البريدية والخدمة الشمولية وإدارة المرفق على صعيد بلد أو مقاطعة. وسيتم تقييم العروض بناء على المؤهلات المالية والفنية والإدارية والتنظيمية للعارضين».
ما يعني أنه بعد ربع قرن، تراجع طموح الدولة من طلب مشغّل يدير القطاع برمته (بما يتضمن من وظائف)، إلى مشغل ينقل طروداً، ومن طلب مزايدة عالمية إلى مزايدة محلية!
نداء الوطن