محليات

“السيناريوهات” المحتملة لانتهاء ولاية رياض سلامة… وماذا عن الدولار؟

كارلا سماحة

يستعدّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لتوديع منصبه في تموز المقبل بعد ثلاثة عقود من الحاكمية، وبعد ثلاث سنوات من الانهيار المالي والاقتصادي، مُثقلاً بالدعاوى القضائية في لبنان والخارج.
فبعد أن شغل منصبه منذ العام 1993 لخمس ولايات، يكون سلامة أحد أطول حُكام المصارف المركزية عهداً في العالم. فما هي “السيناريوهات” المطروحة لتعبئة هذا الفراغ؟ وما مدى جديتها وفاعليتها وقانونيتها؟ وما هي تداعيات الفراغ إذا حصل؟

السيناريو الأول “الطبيعي” هو أن يتمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة، ثمّ تعيين حاكم وفقاً للنصوص الدستورية، وبعد تسميته من قبل رئيس الجمهورية عادة، إلا أن التخوّف الأكبر هو من خروج سلامة قبل إتمام الاستحقاق الرئاسي، ممّا يجعل هذا السيناريو يحتمل الكثير من المخاطر.

السيناريو الثاني يتمثّل بعدم انتخاب رئيس، والذهاب إلى المادة 25 من قانون #النقد والتسليف التي تنصّ على الآتي: “يتولّى نائب الحاكم الأول مهام الحاكم ريثما يعيّن حاكم جديد”، ويعني تقلّد النائب الأول الشيعي وسيم منصوري الحاكميّة. وهذا سيناريو خواتيمه مجهولة، إذ تدور عدة نقاشات بشأنه، وتحديداً لدى الثنائي الشيعي، “حزب الله” – “أمل، على أن يتمّ البتّ به في الأيام المقبلة.

أما السيناريو الثالث الذي يقوم على استقالة وسيم منصوري، فيُمكن اللجوء فيه إلى المادة 27 من القانون عينه (النقد والتسليف)، التي تنصّ على أنه “بحال غياب الحاكم أو تعذّر وجوده يحلّ محلّه نائب الحاكم الأول، وبحال التعذّر على الأول، فنائب الحاكم الثاني؛ وذلك وفقاً للشروط التي يحدّدها الحاكم. وبإمكان الحاكم أن يفوّض مجمل صلاحياته إلى من حلّ محلّه”، فتنتقل الوكالة إلى الحاكم الثاني الدرزي الذي لن يستطيع أن يحلّ محلّ نائب الحاكم الأول، لكون “الأول” استقال ولم يتعذّر وفق ما جاء في المادة 27.

السيناريو الرابع يستدعي تعيين حارس قضائي “بقرار قضائي” على حاكميّة المركزي، في الوقت الذي تنصّ المادة 13 من قانون النقد والتسليف على أن “المصرف شخص معنوي من القانون العام ويتمتع بالاستقلال المالي”، وبالتالي، هذا السيناريو غير جدّي.

أما السيناريو الخامس، الذي تحدّث عنه المحامي سعيد مالك لـ”النهار”، فيكمن في أن تجتمع حكومة تصريف الأعمال بشكل طارئ للتمديد لسلامة أو لانتخاب حاكمٍ جديد، بالرغم من أن المشكلة تتعلّق هنا “بحلف اليمين”، التي لا يمكن للحاكم الجديد أن يؤدّيها إلا أمام رئيس الجمهورية عملاً بالمادة 18 من قانون النقد والتسليف التي تقول في جزء منها: “… يقسم الحاكم ونائبو الحاكم، بين يدي رئيس الجمهورية على أن يقوموا بوظائفهم بإخلاص ودقة محترمين القانون والشرف”.

وبهذه الحال، يمكن العودة إلى تجربة 12 آذار 2015، حين عيّن مجلس الوزراء لجنة الرقابة على المصارف برئاسة سمير حمود في ظلّ الفراغ الرئاسي، وأدّى حمود اليمين بعد انتخاب الرئيس، بعد أشهر من انتخابه.

أمام هذه السيناريوهات المطروحة، يعيش اللبنانيون والجسم المصرفي والمالي حالاً من الترقب لما يمكن أن تؤول إليه الأمور، ولما يمكن أن يُتّخذ من إجراءات، خصوصاً أن خبراء أيضاً طرحوا عدة إشكاليات لجهة انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان من دون البتّ بتعبئة الفراغ.

وفي الإطار، يطرح رئيس مؤسسة JUSTICIA المحامي الدكتور بول مرقص عبر “النهار” بعض الإشكاليات. ويسأل: “ما هو المخرج الجديد في حال استقالة النائب الأول للحاكم بعد انتهاء ولاية الحاكم، من دون أن يجترح قانون النقد والتسليف أيّ مخرج؟ ومن “سيزكّي” حاكم المركزي في ظل الشغور الرئاسي؟ بعد أن جرت العادة على أن يتمّ اختياره من قبل رئيس الجمهورية رغم أن القرار الأخير يصدر عن مجلس الوزراء”.

على صعيد آخر، يتابع مرقص: “تنصّ المادة 18 من قانون النقد والتسليف على أنه “يعيّن الحاكم لست سنوات بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية”. ويمكن تجديد ولايته مرات عدة. ويتمتع بأوسع الصلاحيات لإدارة المصارف وتسيير أعمالها، وهو مكلّف بتطبيق قانون النقد والتسليف وقرارات المجلس المركزي.
أما المادة ٦٤ من الدستور اللبناني، فتنصّ على أنه “…لا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة، ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة، إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال”.
وقد جاء في القرار الشهير الصادر عن مجلس شورى الدولة رقم ٦١٤ لعام ١٩٦٩ أن تصريف الأعمال يكون في عداد الأعمال العادية التي يعود للحكومة المستقيلة اتخاذها. كذلك يحدّد القضاء الإداري نطاق تصريف الأعمال، ويتحقق ممّا إذا كانت أعمالاً عادية يجوز اتخاذها أو أعمالاً تخرج عن نطاق تصريف الأعمال. وهذا الرأي الصادر عن مجلس شورى الدولة جاء قبل التعديلات الدستورية لعام ١٩٩٠، التي ضيّقت معنى تصريف الأعمال. ولكن بالرغم من ذلك، تبقى عملية تعيين الحاكم في هذه الظروف المالية العصيبة ضرورية جداً”، وفقاً لمرقص.

سلامة والعقوبات
وفي ما خص العقوبات التي تلاحق “الحاكم”، تنصّ المادة ١٢ من القانون رقم ٤٤/٢٠١٥ (قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب) على أنه “يتمتع كل من رئيس “الهيئة” وأعضائها والعاملين لديها أو المنتدبين من قبلها بالحصانة ضمن نطاق عملهم”، أي إن الحاكم، وهو رئيس هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال، يتمتع بحصانة مطلقة طوال مدّة توليه منصبه، بالرغم من أن هذه الحصانة محصورة بعمله هذا، كما أنها لا تحميه من الملاحقات القانونية في لبنان والعالم على أفعاله الشخصية. ومن العقوبات، التي قد تفرض عليه في فرنسا بتهمة تبييض الأموال – بحسب مرقص – تقييد تنقّلاته وحساباته في مصارف أوروبية، وأصوله وعقاراته في فرنسا وفي سائر الدول الأوروبية، إذا حذت هذا الحذو.

هذا في الشقّ القانوني. فماذا عن الشقّ المالي والاقتصادي؟
بالموازاة، ومع اقتراب موعد الرحيل، يَستَفيض الروائيون والماورائيون في رسم معالم المرحلة المقبلة عبر إضافة المزيد من السوداوية إلى المشهديَّة القاتمة لرحيل الحاكم. أما البعض الآخر، فيشدد على ضرورة انتخاب رئيس جديد للبلاد قبل انتهاء ولاية الحاكم في ما يشبه حالة الانفصام. فالحاكم المثير للجدل هو في الوقت نفسه بالنسبة إلى جميع هؤلاء مجرمٌ ومنقذٌ وبطلٌ ومفخرةٌ ومسبّبٌ للانهيار وصمّام للاستقرار ومتفلّت من العِقاب بل مرشَّح لولاية جديدةٍ إن أمكن. ووصَلَ الأمرُ بالبعضِ من رِفاق الحاكم في الحُكم المديد والقَدَر السَّعيد إلى التخُّوف من رحيله في الوقت الذي يطالبون فيه بمحاكمته.
هذا ما أكّده الكاتب والباحث في الشؤون المالية والاقتصادية البروفيسور مارون خاطر لـ”النهار”، الذي شدّد على ضرورة أن لا يكون لنهاية ولاية موظّف في الدولة، أو إحالته على التقاعد، تداعيات على انتظام العمل حتى داخل إدارته. أما في لبنان، فإذا استمرّ الفراغ الرئاسي، فلا شيء يمنع من أن يتم استغلال رحيل الحاكم من قِبَل من يتحكّمون بالسوق الموازية من أجل إيصال رسائل سياسيَّة تعمّق الانهيار بعد الاستقرار المصطنع الذي نعيشه؛ وذلك قد يُترجم ارتفاعاً في سعر الصرف، من دون أن يكون هناك من يلجمه أو يؤخّره كما يحصل الآن، بالإضافة إلى إمكانية عودة أزمات تمويل الكهرباء والرواتب، بل قد يُهدَّد مصير صيرفة. فأسباب الانهيار ما زالت موجودة، أمّا ضابط الإيقاع النقدي-السياسي فلن يكون موجوداً.

بالموازاة، يعتبر خاطر، أن رياض سلامة استغلّ التداخل الفاضح بين السياسة والسياسيين والمصارف لإرساء استقرارٍ نقديٍّ طويل الأمد في مقابل عدم الاستقرار الذي طَبَعَ تاريخ لبنان الحديث، إلا أن تكلفة ذلك الاستقرار كانت باهظة على اقتصاد لبنان وقطاعه المصرفيّ ومودعيه. أما في الأزمة الأخيرة، ففاضت مَلَكَة الحاكم تعاميم وبيانات ومنصّات وتدخّلات في محاولة للتخفيف من تداعيات ما تسبّب به مع رفاقه في المنظومة من مآسٍ وويلات، وذلك ضمن إطار صلاحياته، مع الإشارة إلى عدم قانونية العديد من التدابير التي اتَّخَذَها. ولن يَمتلك أيُّ حاكم، إن عُيّن، خِبرة وقُدرة رياض سلامة على المُناورة وعلى ابتداع التدابير، فهو الذي أمضى سنوات طويلة يتمرَّس في شراء الوقت الذي كان مصيره الهدر.

وانتقد خاطر “شخصنة” المؤسسات واعتبار الموظَّف أكبر من مركزه، والتي هي آفة أنتجها تداخل السياسة والزبائنيَّة، ونتجت عنها في النهاية أوجه الفساد الأكثر أذىً. واعتبر “أن أي مقاربة لموضوع حاكميَّة مصرف لبنان عبر استبدال الموقع الوظيفيّ العام بشخص الحاكم يؤكد بما لا يقبل الشك أن رياض سلامة ليس حيثية قائمة بذاتها بل هو جزءٌ من منظومةٍ متكاملة، وزّعَت الأدوار في ما بينها، وأمعَنَت في إدخال السياسة إلى المصرف المركزي وفي المرور المُريب عبر بعض مواد قانون النَّقد والتسليف وفي تبذير أموال الدولة والمودعين على حدٍ سواء.

ومع كل هذه السيناريوهات المطروحة، يبقى أن ننتظر ونشاهد “من بُعد” ما ستقرّره الحكومة العتيدة، التي تعوّدت على اتخاذ قراراتها في الساعات أو الدقائق الأخيرة، وفقاً لشعار المتنبي: “أنا غريق فما خوفي من البلل”.

Related Articles

Back to top button