الضمانات يُعطيها فرنجية أم “الحزب”؟
خفّف رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية من وقع الإيجابية التي ظهر بها أول من أمس عبر المواقف التي بلور فيها إلتزامات سابقة حين قال «لم أتعهد بشيء»، في سياق حديثه عن مسائل عدة تشكّل هواجس لبعض الفرقاء المعارضين لخياره في الرئاسة الأولى، ولا سيما في شأن استبعاد اعتماد الثلث المعطل في تشكيل الحكومات، وفي شأن التزامه المداورة في الحقائب الوزارية…
مع الصراحة التي يعترف بعض خصومه أنه تمتع بها، لجهة إعلانه بلا مواربة أنه قادم من خط 8 آذار، إلى المنصب الأول في الجمهورية، بدا بالنسبة إلى هؤلاء غير واثق من أنّ حلفاءه سيُقلعون عن استخدام الثلث المعطل حين أكد أنه لن يستخدمه شخصياً للتعطيل، مقابل حق كل الفرقاء أن يحصلوا على هذا الثلث بحجة أنّ وزراء من عدة أفرقاء يمكنهم أن يتكتلوا فيعطلون، وحين قال بوضوح إنّه مع المداورة في الوزارات لكن هذا يتوقف على موقف الفرقاء الذين ستتشكل منهم الحكومة، فإذا أصر البعض على الاحتفاظ بحقيبة ما يفترض ألا يتعرقل تأليف الحكومة بسبب ذلك. هذا ما كان يحصل طوال السنوات السابقة، بعد اكتشاف سيئات تكريس حق التعطيل هذا في اتفاق الدوحة عام 2008. فكل كتلة من قوى 8 آذار كانت تتنصل من رغبتها بهذا الثلث، لكنها كانت تتكل على تحالفاتها من أجل إشهار هذا السلاح.
بين خصوم فرنجية من يعتبر أنّ منطق التعطيل هو الآفة، بالثلث المعطل أو من دونه. فحكومة الرئيس نجيب ميقاتي الحالية تعطلت عن الاجتماع أكثر من 40 يوماً، مطلع العام 2021 لمجرد أن الوزراء الشيعة الخمسة فيها، أي أقل من الثلث زائداً واحداً، امتنعوا عن حضور اجتماعاتها بعد اشتباكات الطيونة، ومن أجل إقالة المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت. وحتى خصوم فرنجية يوافقونه على أنّ مشكلة التعطيل ليست عنده ويرون أنّ الضمانات في هذا المجال يجب أن تؤخذ من «الثنائي الشيعي» وليس من رئيس الجمهورية، الذي لا تخوله صلاحياته الدستورية وقدراته السياسية أن يضمن الإقلاع عن آفة التعطيل.
ينطبق الأمر نفسه على المداورة في الوزارات، أي أنّه إذا أصر «الثنائي الشيعي» على حقيبة المال، سيدفع هذا «التيار الوطني الحر» (إذا شارك في الحكومة)، إلى الإصرار على حقيبة الطاقة، وهكذا تعود الأمور إلى الدوامة التعطيلية نفسها في تأليف الحكومات، ما يستولد حالة إضعاف رئاسة الحكومة ويحبط معالجة غياب التوازن بين مواقع رئاسات الجمهورية والبرلمان والحكومة… وبإمكان رئيس الجمهورية أن يتنصل من هذا التأخير في تكوين السلطة… على رغم تسجيل بعض أقطاب السياسة من المسلمين إيجابية تأكيد فرنجية التزامه اتفاق الطائف.
مع أنّ لدى مريدي فرنجية أجوبة على هذه الملاحظات، منها أنه للأسباب المذكورة تطرح فرنسا تسوية تشمل رئاسة الحكومة والحكومة، وتضمن عدم استخدام سلاح التعطيل، فإنّ قطباً سياسياً اعتبر أنّ إظهار فرنجية النيات الطيبة، لا يلغي أن «الطريق إلى جهنم معبدة بالنيات الطيبة وبالتالي من الخطأ توقع نتائج مختلفة من ممارسة الأسلوب نفسه بعدما أثبت فشله (في انتظام عمل المؤسسات)، في وقت يحتاج البلد إلى أدوات جديدة لمقاربة أزمته العميقة».
تطمينات فرنجية للجانب الفرنسي وللجانب الروسي، ثم للرأي العام في مقابلته التلفزيونية، ظلت حمّالة أوجه، خصوصاً أنها جاءت بعد التشدد الذي عبّر عنه «حزب الله» بحشر خصومه في خيار بين رئيس «المردة» والفراغ، وبتهديدهم بأنّ ما يُعرض عليهم الآن لن يكون متاحاً لهم أن يقبلوه لاحقاً. وهو أمر لا يخدم الانطباعات التي أشاعها مريدوه، لا سيما أنه جاء بعدما افتتح وزير الخارجية الإيراني زيارته إلى بيروت بالتأكيد على المعادلة الثلاثية، الشعب والجيش والمقاومة، (مضيفاً إليها الحكومة هذه المرة)، في وقت يرفض الفرقاء الذين يسعى فرنجية إلى إقناعهم بتوجهاته، تكريس معادلة كهذه، مخافة تكرار التجارب السابقة.
وهذا ما طرح السؤال عن كيفية استفادة لبنان من أجواء الاسترخاء في المنطقة، جراء التسوية السعودية-الإيرانية، والانفتاح السعودي-السوري، إذا كان حلفاء إيران فيه يتصرفون على أساس أنهم منتصرون وبالتالي على الآخرين التسليم بذلك؟