فياض يبرّر قضية التخفيضات باستشارة “واتساب”.. والقرار لديوان المحاسبة!
بعد إثارة فضيحة إعطاء وزير الطاقة والمياه، وليد فياض، تخفيضات لآلاف موظفي كهرباء لبنان بين حاليين وسابقين، وشمولها كذلك مفوض الحكومة والمراقب المالي وموظفي مديرية الاستثمار في وزارة الطاقة، وبعد رفض وزير المالية للقرار “لمخالفته المادة 75 من قانون الموازنة ومبدأ المساواة وتكبيد الخزينة أعباء”، بدا أن فياض حشر الخليل معه، واضعاً إياه في مواجهة قرابة 1500 موظف في كهرباء لبنان، لم يتراجعوا عن إضرابهم التحذيري إلا بعد وعده لهم بدراسة الملف. وهو ما يثير الخوف من هامش تفاوضي لتحفيزات ذات بُعد زبائني، تخالف القانون، وتخالف مبدأ العدالة بين المواطنين بتعرفة الكهرباء.
وفي جديد المعلومات التي حصلت عليها “المدن”، أن السلطة المدركة لحجم كرة النار التي ورطها بها فياض، على قاعدة أنه “بالناقص شبهة فساد”، أمام المجتمع الدولي، ستكتفي بترك الأمور تأخذ مجراها القانونيّ، تاركة حسم الملف لديوان المحاسبة العمومية.
بالتوازي، لم “يهضم” اللبنانيون بعد استنسابية الوزير بتخفيضاته، سيما وأنها بمثابة إقرار بقساوة التعرفة، التي حاول تخفيفها عن كاهل بعض الموظفين دون غيرهم من المواطنين باستنسابية فاضحة. وهو ما رفع الصوت مجدداً ضد التعرفة بصيغتها الحالية، في أوج احتفاء الحكومة بعملية تفعيل الجباية.
وبانتظار تبلور مواقف الكتل النيابية من مشروع التعرفة الجديدة، وبانتظار جلسة الأشغال النيابية لمساءلة فياض وحسم ملف التخفيضات، نضع بين يدي الرأي العام اللبنانيّ، حجة فياض “القانونية” التي يدافع من خلالها عن تلك التخفيضات، ويطلب منّا إنصاف رؤيته عبرها..
الخليل مكبلاً باعترافه
سببت خطوة الوزير فياض، بقبوله طلب مجلس إدارة كهرباء لبنان تخفيض فاتورة الكهرباء للأجراء والمستخدمين الحاليين والقدامى، وقراره ضم موظفي الاستثمار كذلك، إرباكاً للحكومة، وفي مقدمتها وزير المال يوسف الخليل، بعدما وجّه بنفسه كتاباً لمؤسسة كهرباء لبنان، يقر فيه بمخالفة فياض للقانون، ليصبح أسير اعترافه بالمخالفة، ما يعني أن أي تراجع من قبله عن رفض تلك التخفيضات، هو مشاركة علنية بالمخالفة، تضعه هو الآخر، تحت المساءلة.
والحال أنّ الخليل ومن ورائه الحكومة، لا ينطلق من حرص على عدم خرق القانون في هذا الملف، بقدر الخوف من تبعات أي إدانة خارجية لأداء الحكومة. وهنا أيضاً، لا يمكن كذلك التغاضي عن أنّ الخليل نفسه، محطّ استدعاء محتمل في الملاحقات القضائية الفرنسية بملفات الحاكم رياض سلامة، انطلاقاً من منصبه السابق كمدير للعمليات المالية في مصرف لبنان.
أوراق فياض الخاسرة
يوحي الوزير فيّاض من جهته بأنّ قطاع الكهرباء “ماشي”، ولا ينقصه سوى أداء الموظفين، وإذ يميّع التخفيضات بتسميتها “تحفيزات”، يربطها مباشرة بأدائهم، الذي يربطه هو الآخر، “بتحسّن الخدمة”.
والحال أنّ أي “تحفيز” للموظفين ولو أتى من خارج هذه التخفيضات المخالفة، لن يزيد ساعات التغذية الكهربائية، ولو حتى ساعة واحدة، فالتغذية غير مرتبطة أساساً بأداء الموظفين، بل بإصلاحات بنيوية، وملف استجرار الطاقة برمته، بما فيه كمية الفيول المستورد وتمويل وزارة المالية ومصرف لبنان، وعوائق كثيرة أخرى، عدا أداء موظفي الوزارة وكهرباء لبنان!
هذا وتنقض تخفيضات فياض، الخطة الوطنية للكهرباء، التي تنص على تعزيز الشفافية المالية في مؤسسة كهرباء لبنان، فيما موافقته على شمول مفوض الحكومة والمراقب الماليّ بها، يهدد مصداقية الرقابة المالية على المؤسسة!
لكن فياض يذهب أبعد، محاولاً تبرير مخالفته بالتحايل على القانون نفسه. وهنا، نضع بين يدي الرأي العام، استشارته التي كان قد طلب منّا تبيانها في وقت سابق، معولاً عليها لإيضاح قراره.
فالوزير قرر الاستعانة برأي إحدى قاضيات مجلس شورى الدولة، التي أعطته استشارة واتسابية “غبّ الطلب”، مشاركة إياه وجهة نظره، بأنه يجوز له منح تخفيضات للأجراء والمستخدمين، مميزة بينهم “كذمة مالية مستقلة”، وبين إداراتهم، علما أن القانون واضح، لناحية أنه تلغى جميع الإعفاءات أو البدلات المخفضة لهذه الرسوم والبدلات وأي إعفاءات أو بدلات مخفضة أخرى مهما كان نوعها أو تسميتها أو طبيعتها وأياً كانت الجهة المستفيدة منها أو “صفة المستفيد”، شخص معنوي ذو صفة عمومية أو أجير أو مستخدم أو أياً كانت صفته.
النص صريح
مصدر قضائي رفيع، يعلّق في حديثه لـ”المدن”، على المادة 75، مؤكداً أنها لا تحتمل أي تأويل أو ثغرة بتفسيرها. فالقانون ألغى بشكل صريح كل أنواع التخفيضات. والمشترع شرّع نصّه بصراحة، ما بعدها صراحة.
من أي كتاب قانون أتت القاضية بتفسيرها هذا، يقول المصدر، مضيفاً، جميعنا لديه ذمة مالية خاصة منفصلة عن مؤسساتنا، لكن النص صريح لناحية حظر التخفيضات والإعفاءات عن أي مستفيد مهما كانت صفته، إذا استطاع الوزير المجيء بصيغة أفضل لقول ذلك، وفتح باب لتأويل هذه المادة التي لا تحتمل التأويل، فليتفضل..
إلى الديوان درّ
رئيس لجنة الأشغال النيابية، سجيع عطية، الذي استدعى الوزير للمساءلة بناء على إثارة “المدن” للملف، يلفت إلى أنه طلبنا جميع الملفات المتعلقة بالتخفيضات، مستنكرا “الاستنسابية الواضحة بقرار الوزير”، سائلاً “كيف يمكننا جعل فئة سعيدة بهكذا قرار، وبقية الشعب تعاني من التعرفة المرتفعة”، و”ما بيقدر يفتح كل وزير ع حسابه”، يقول عطية، محذراً في زمن الانهيار من “مركزية بالحوافز” تمتد إلى الوزارات والمطار والمياه وغيرها من القطاعات.
أما تقنياً، فيسأل: هل تتضمن خطة الوزير للكهرباء تلك الحوافز التي يتحدث عنها الوزير؟ وإن تضمنتها، فهل تأتي التخفيضات ضمن إمكانية الخطة على المستوى المالي؟ مستغرباً “شمول قدامى موظفي كهرباء لبنان بالتخفيضات، طالما أنها أتت كحوافز للقيام بخدمة، لم يعودوا يؤدونها”.
وبصفته رئيساً للجنة الأشغال، يطمئن عطية الرأي العام اللبنانيّ إلى أننا “سنحترم قرار ديوان المحاسبة حيال ملف التخفيضات.. فالملف اليوم بات بعهدته، وسنأخذ بتوصياته بحذافيرها”، جازماً بأننا “لن نمرر القرار ما لم يوافق عليه الديوان”، كما أننا لن نمرره كلجنة نيابية إذا لم يكن مستوفياً للشروط القانونيّة.
التخفيضات.. فالتعرفة ككلّ
وتزامناً مع الاجتماع الوزاري برئاسة ميقاتي، لجهة “بروز تحسن في عملية جباية الفواتير”، ما زال الحراك النيابي تجاه مشروع التعرفة الجديدة خجولاً، إذا ما قورن بصرخات المواطنين التي بدأت تتعالى، في حين أن بعض النواب ذهبوا للحديث عن تخفيضات “مناطقية”، في مقاربات شعبوية لا تعالج المشكلة، بل تفاقمها.
في السياق، أوضح عطية لـ”المدن”، أننا كلجنة نيابية، ننتظر تقرير الجباية الأخير، ليبنى على الشيء مقتضاه، حرصاً منا على الوصول لحلول حكيمة لا شعبوية. إذ لا مهرب من رفع التعرفة للنهوض بقطاع الكهرباء وتنفيذ إصلاحاته، لكن هذا لا يمنع إلغاء نسبة الـ20% على سعر صرف الدولار بمنصة صيرفة للفاتورة بتاريخ طباعة الإصدار، فهي غير مبررة برأينا.
ولعله من الجدير بالذكر أنّ أحد أبرز شروط خطة الكهرباء، هو “تحقيق الاستدامة المالية من خلال تعرفة مدروسة”، ولعل تخفيضات الوزير دلالة على أن الفاتورة المرهقة، تحتاج إلى المزيد من الدراسة، وبالترافق مع إصلاحات متكاملة لضمان عدم التهرب من الجباية، وإلا تكون الفاتورة عبئاً إضافياً على المواطن، واستمراراً لسياسات الفساد والهدر، والتي يبدو أنها ما زالت مستمرة، 24/24 ساعة!