هل أطاحت معايير بن سلمان حظوظ فرنجيّة الرئاسيّة؟
في شباط الماضي عُقد الاجتماع الخماسي في باريس من أجل لبنان، وكانت الدول المشاركة هي فرنسا، أميركا، السعودية، قطر، ومصر، وقد تلاقت على مناقشة أزمة انتخاب رئيس الجمهورية. لقاء مطوّل انتهى بلا بيان أو توصيات. استعاضت عنهما الدول بجولة سفرائها في لبنان لإطلاع المسؤولين على خلاصة ما توصّل إليه المجتمعون.
وحده السفير السعودي وليد البخاري تخلّف عن الحضور وناب عنه المستشار في السفارة فارس العامودي. كانت تلك أولى إشارات المملكة إلى عدم رضاها عن الاجتماع الخماسي ورفضت السعودية ترشيح سليمان فرنجية للرئاسة واعتبرته مرشّح حزب الله.
السعوديّة ترفض الصفقات
في الكواليس وُضعت اللمسات الأخيرة على اتفاق السعودية مع إيران. فعاودت فرنسا الاجتماع مع السعودية للاتفاق حول الرئاسة في لبنان. انتهت الجولة بتعادل سلبي. بعد اتفاق بكين وُضع الإطار الخماسي على الرف. فرنسا هي الحلقة الأضعف.
خلط الأوراق هذا بفعل الاتفاق الإيراني – السعودي سيترك تأثيرات غير مباشرة على الحاضنة الإقليمية والدولية للملف اللبناني. لكنّ الجوهري هو اختلاف المقاربات بين السعودية وفرنسا الساعية إلى استحقاق رئاسي في لبنان بأيّ ثمن، ويهمّها وصول فرنجية لعلاقته الوطيدة بممثّل أحد ممثّلي المصالح الاقتصادية والنفطية الفرنسية في إفريقيا والشرق الأوسط. وهو فشل في الحصول على عقود بالتراضي في مصافي النفط. لذا تولّى فرنجية القصف على قطاع النفط وخرج معلناً تكذيب مقولة وجود نفط في لبنان. وليس بعيداً الحديث عن وجود تحالف مصالح بين فرنسا التي تضع يدها على قطاع النفط وحزب الله المتمسّك بوصول فرنجية.
تقاطع المصالح هذا عبّر عنه وزير الأشغال علي حمية الذي أصرّ خلال الانتخابات الرئاسية الفرنسية على الظهور أمام الكاميرات كأنّه ذاهب لانتخاب ماكرون، وفرشت باريس السجّاد الأحمر لاستقباله. وكان حمية قد منح، بالاتفاق مع ميقاتي، شركة لبنانية- فرنسية تربطها مصالح كبرى مع الفرنسيين عقوداً بالتراضي في مرفأ بيروت.
هذا يعني أنّ فرنسا تنظر إلى لبنان من منظار مصالحها، وهو ما يفقدها دورها كجزء من الحلّ.
لذا لا بدّ من التساؤل:
– هل تطيح معايير وليّ العهد محمد بن سلمان طموح فرنجية الرئاسي؟
– كيف انعكس اتفاق بكين على دور الدول المشاركة في الاجتماع الخماسي في باريس؟
تتقاطع المعلومات عند القول إنّ الاجتماع انتهى إلى اختلاف جذري في وجهات النظر بين السعودية وفرنسا. وهذا يعزّز وجهة النظر التالية:
– السعودية التي تمتلك القرار المالي بين الدول الحاضرة، وضعت شروطها وحدّدت مواصفات الطبقة السياسية الجديدة التي يمكن أن تتعاون معها في لبنان.
– معيارها الأول ألّا يكون رئيس الجمهورية المقبل شريكاً في أيّ عملية فساد وألّا يكون مرشّحاً معلناً لحزب الله.
وجهة نظر متابعي حصيلة اجتماعَي باريس أنّ شروط المملكة لا تنطبق على فرنجية لأنّه مرشّح حزب الله وتعدّه من المنظومة السياسية المرفوضة مع نجيب ميقاتي وآخرين.
تقول مصادر سياسية مواكبة إنّ الإطار الخماسي لم يعد قابلاً للحياة ولا يملك التأثير للأسباب التالية:
– الخلاف السعودي – الفرنسي الذي ظهر في الاجتماع.
– طوى الجانب السعودي المواجهة مع إيران.
– اختلاف أدوار الدول المشاركة في الاجتماع بسبب المتغيّرات التي أصابت أطرافاً من التفاهم الخماسي.
– تلقّت أميركا ضربة بدخول الصين سياسياً إلى الشرق الأوسط، وليس معروفاً بعد حجم ردّها ومكانه.
– عجز الرئيس إيمانويل ماكرون، المنهك في قضاياه الداخلية، ولا سيما القانون الجديد لرفع سنّ التقاعد في بلاده، عن مواكبة الاجتماع ورهن الأمر بمتابعة باتريك دوريل الذي حاول إقناع السعوديين بصفقة جزئية بين فرنجية ونواف سلام الذي رفض أن يكون جزءاً من مقايضة، وأراد أن يقطع الطريق على المعادلة التي حاولت فرنسا إرساءها.
– وضع الاجتماع الثنائي إطاراً شكليّاً لاستكمال دعم الصندوق من أجل لبنان، الذي لا تقدّم فيه فرنسا أيّ مساعدة تذكر فيما جاءت مساعدات السعودية متواضعة.
– قطر التي حاولت لعب دور الوسيط بدلاً عن إيران، انتهى دورها بفعل فتح قنوات التواصل مباشرة بين الرياض وطهران.
– استدركت مصر، بعد عشر سنوات من مواجهتها السياسية والعسكرية غير المباشرة على أرض ليبيا مع تركيا، وباشرت تطبيع علاقاتها مع تركيا.
لا لتجريب المجرَّب
هناك رأي يقول إنّ وجهة النظر القائلة إنّ الاتفاق الإيراني – السعودي ضاعف حظوظ فرنجية الرئاسية ليس صائبةً لأنّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان الذي أرسى في بلاده قاعدة محاسبة وزرائه وفرض التدقيق في إنجازات كلّ وزير، لن يعود إلى لبنان ليضع أموال الشعب السعودي بتصرّف طبقة سياسية سبق أن اختبر العمل معها. لذا لن يقبل بالمقايضة بين مرشّح حزب الله لرئاسة الجمهورية ومرشّح لرئاسة الحكومة موالٍ لسياسته. فهو يعلم حقّ العلم استحالة قبول السنّة بأيّ مرشّح حكومي بعيد عن خيارات المملكة.
يتبيّن من خلال ما حدّدته السعودية في الورقة الكويتية وضمن المحادثات التي حصلت في باريس، وجود توجّه سعودي جديد في التعاطي مع لبنان محكوم بسلوك محمد بن سلمان الذي يرفض السير بأيّ مرشّح للرئاسة غير إصلاحي. لن تموّل السعودية لبنان عبر وكلاء لا ترضى عنهم، ومعاييرها الصارمة لا تصبّ في مصلحة فرنجية.