وعد ميقاتي بإعادة الودائع وهمي
إنّ الوعد الذي قدّمه الرئيس نجيب ميقاتي «بإعادة كل قرش للمودعين أُودع لدى المصارف قبل 17 تشرين الأول 2019» لا يتّسِق مع خطته الحالية التي تستند احد ركائزها الرئيسية على شطب معظم الودائع بالدولار بتحويلها الى حسابات بالليرة على اسعار صرف مخفّضة والى حقوق صادرة عن صندوق وهمي لاسترداد الودائع. فلن يبقى من الودائع سوى ما يوازي 15 % (من خلال الحفاظ فقط حتى 100 الف دولار لكل وديعة كما تزعم الخطة) بعد شطب الفوائد التي تعتبر فائضة، والودائع غير المؤهلة، وإصدار حقوق لِما تبقّى.
وقدّرت خطة الحكومة سابقاً انّ اعادة الودائع بقيمتها الاسمية يحتاج الى ما لا يقل عن أجيال عدة. لقد صرّح ميقاتي في بداية عهده أن فكرة استعادة الودائع من خلال صناديق الاسترداد هي غير مجدية كونها قد تعاد ربما «لولد الولد».
كما أكدت الحكومة في حزيران الماضي «انّ استثمار أصول الدولة التي قد يوازي عشرين مليار دولار واستعمال عوائدها (على أساس 5 %) لتغطية الخسائر سيستغرق أمداً طويلاً لا يقل عن 70 سنة من دون الأخذ في الاعتبار قيمة الوقت. وباحتساب مردود الوقت، يتوجّب زيادة الخسائر بأضعاف عدة. كما تصبح القيمة الحالية لاسترداد هذه الخسارة فقط 13 مليار دولار في اعتبار عامل الوقت. اي أن خطة الحكومة ستعوّض فقط نحو 14 % من الودائع، هذا اضافة الى الخسارات الاخرى الناتجة من اعادة الديون لمصلحة المصارف على أساس سعر الصرف الرسمي مما حقق أرباحاً طائلة توازي ما يفوق 90 % للمدينين (المقترضين) على حساب المودعين، اضافة الى خسارات الودائع بالليرة.
فكلام الحكومة صحيح بهذا الخصوص، انّ الاعتماد على صندوق لاسترداد الودائع هو طرح غير مُجد كونه يحتاج الى فترة زمنية طويلة تتخطى متوسّط عمر المواطن. فلماذا تخَلّت الحكومة عن هذا الموقف؟ بينما اليوم تدعم وتسوّق لصندوق وهمي لاسترداد الودائع من الإيرادات المستقبلية فقط في حال تجاوزت معايير محددة مقارنة بدول مشابهة. تجتهد الحكومة اليوم لتقدم حلولاً تعتقد أنّ المواطن سيراها صائبة بعد أن جرّدتها من جدواها. كما أن صندوق النقد قد أبدى في الاتفاقية المبدئية على نطاق الموظفين رأياً مغايراً لاستعمال أصول الدولة لاسترداد الودائع بأي طريقة كانت. كما اقترح ايضا ان تقتصر مساهمة الدولة في إعادة رسملة مصرف لبنان فقط بحدود 2.5 مليار دولار. وهذا ايضاً يُجيز للحكومة التملّص من مسؤولياتها.
انّ اي خطة تستند الى نهج إنشاء صناديق لاسترداد الودائع هي حتماً فاشلة لأنها تعني بوضوح شطب معظم الودائع الدولارية أولاً من المصارف وتحويلها من التزامات على المصارف الى التزامات على الدولة التي لن تُرد إلّا بعد عشرات العقود من الزمن. وهذا هو هدف خطة ميقاتي او غيره من السياسيين الذين يُروّجون لهذه الخطة ومثيلتها. انها فقط محاولة لإيهام المواطن بأنّ الدولة ستعيد الودائع من الفائض الوهمي لإيرادات مؤسسات القطاع العام.
كما انّ طرح اعادة الودائع بمجملها غير ممكن في اقتصاد اي دولة في العالم، وهذا ما أكّدته خطة الحكومة في صفحاتها الاولى. فمن الأجدى ان تتوقف الحكومة والخبراء المصرفيون والسياسيون عن طرح هذا الموضوع. وغالب الظن انّ صندوق النقد سيرفضها لأنها تستند الى وعود وهمية، وكَون ملكية أصول الدولة برأيه تعود للجميع، المودع وغير المودع.
لذا فكلام الحكومة مؤخراً لا يعطي الثقة للمواطن، بل على العكس يزيد من فقدانه الثقة بالحكومة والقطاع المصرفي، وهما ضروريان لمعالجة الأزمة المفتعلة.
من الضروري ايضاً ان تقوم الدولة بتحسين أداء مؤسسات القطاع العام، من خلال خصخصة إدارتها باتّباع مناقصات عالمية تستقطب فقط الشركات المؤهلة لاسترجاع ربحيتها. ومن ثم تحويلها الى شركات مساهمة كلياً او جزئياً وتتوافر لمساهمة جميع اللبنانيين. والهدف هو رفع مستوى الخدمات بأقل تكلفة ممكنة ولدعم النمو وتحصين مالية الدولة وليس لتمويل صندوق استرداد الودائع والتعويض عنها. وعلى سبيل المثال، ان الادارة الفعّالة للكهرباء توفّر نحو 2 الى 3 مليارات دولار سنوياً.
ما نحتاجه هو استعادة السيولة والثقة، ولا تُرد الثقة باتّباع حل يكون على حساب المودع. وإنّ كليهما يؤمَّنان بسهولة من خلال الشفافية الكاملة، الحفاظ على الأصول المالية للمودعين، تحرير جميع الاسواق، اعادة جدولة الالتزامات المالية وتحقيق التوازن المالي للدولة.