عندما يذوب الثلج تظهر رقع الفساد اللبناني
خبأت المنظومة أسرار فسادها وإجرامها في خزنة دفنتها تحت ثلوج عاصفة قطبية كي لا تصل دلالات موبقاتها إلى صندوق النقد الدولي واللقاء الخماسي الذي انعقد في فرنسا، لكن ماذا سيحصل عندما يذوب الثلج، هل سيبان المرج كما تقول القاعدة الشعبية اللبنانية المتفائلة أم أشياء أخرى روائحها تزكم الأنوف؟
القرار الظني في جريمة مرفأ بيروت كما التدقيق الأوروبي في الفضائح المالية يجري تجميدهما في الخزنة إياها التي زودت بقفل للشغور الرئاسي من صناعة أسياد المجلس النيابي لضمان عدم فتحها قبل أن تنضج ظروف التسوية اللبنانية المقيتة على قاعدة: “لا غالب ولا مغلوب… والحي أبقى من الميت”..
يعني، وبكل وقاحة وخبث، أن يتوقف أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت والمصابين به والمتضررين منه عن المطالبة بالقرار الظني والحقيقة والعدالة ومعاقبة المرتكبين والمتسببين وعدم إفلاتهم من العقاب.
ويعني أيضاً التوقف، إما بسبب اليأس أو وفاة الجيل الذي أصابته المأساة، عن المطالبة بالتحقيقات المالية في فضائح قطاع الطاقة، وبيع المشاعات، والتهرب الضريبي وتبييض الأموال وكل ما أدى إلى انهيار مالية الدولة وما نتج عنه من مصائب.
وإلى خزنة التجميد أدخل أيضاً الشغور الرئاسي الذي لن يمتلئ بمجرد ذوبان ثلج الطبيعة، بل سيبقى شاغراً حتى يذوب جليد سطوة السلاح غير الشرعي على هرم منظومة الفساد التي تدير الحياة العامة في ما يسمى بـ “الجمهورية اللبنانية”.
كل ما سلف ذكره تم بحثه في لقاء باريس الخماسي حول لبنان والذي عقد على المستوى الدبلوماسي بداية الأسبوع وضم ممثلين غير تقريريين للسعودية ومصر وقطر والولايات المتحدة إضافة إلى وزيرة خارجية فرنسا بصفتها الدولة المضيفة.
أوضح مصدر شاركت دولته في الاجتماع أن الجانب العربي أبدى “امتعاضاً شديداً من السلطة اللبنانية الواقعة تحت سيطرة إيران عبر سلاح حزب الله لأنها لم تنفذ أياً من التوصيات العربية الأمنية-السياسية-الاقتصادية التي نقلها وزير خارجية الكويت إلى الرؤساء اللبنانيين الثلاثة منذ أكثر من سنة”.
وكان وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر المحمد الصباح قد زار لبنان في 22 كانون الثاني من العام 2022 وسلّم الرؤساء الثلاثة نسخاً عن تقرير الموقف الخليجي-المصري (العربي عموماً) من الوضع اللبناني ومتطلبات تحسينه لإعادة مسار البلد إلى الدائرة العربية الشقيقة والدولية الصديقة وفق أولوية المحافظة على السيادة اللبنانية الكاملة على الأرض اللبنانية والمعابر الحدودية البرية-البحرية-الجوية لمنع تهريب المخدرات إلى الدول الشقيقة والصديقة كما ممارسة السيادة اللبنانية على السياسة الخارجية وتطبيق مبدأ الحياد المعروف لبنانياً بالنأي بالنفس في ما خص النزاع العربي-الإيراني.
“الامتعاض الشديد” الذي عبر عنه العرب كان بمثابة “رسالة واضحة ستنقلها فرنسا إلى لبنان يشدد مضمونها على أن الدول العربية المانحة لن تقدم أي مساعدات مالية للبنان ما لم يطبق ما طلبه منه العرب وكله يتعلق بالنزاع العربي-الإيراني”، وفق ما قاله الدبلوماسي، وأضاف:
“العرب يقولون للبنان ما معناه عليك أن تقرر ماذا تريد أن تكون، فالقاعدة العامة تقول إن الإنسان عندما يضيمه الدهر يلجأ إلى شقيقه أو صديقه، وبالتالي على لبنان أن يقرر أوّلاً من هو شقيقه ومن هو صديقه، ثم يبنى على الشيء مقتضاه، وإذا تجاوب لبنان عندها يمكن أن يتجاوب المهتمون مع ما تحتاجه السيادة اللبنانية بكل أوجهها كي تبقى وتسود وتتعافى، وسيجدون أن الأشقاء والأصدقاء سيكونون جاهزين لمساعدة أي رئيس سيادي يختاره اللبنانيون بمشيئتهم وينتخبونه لقيادتهم على طريق التعافي والنهوض بالتعاون مع صندوق النقد الدولي ودول صديقة.”
صندوق النقد الدولي من المتوقع أن يوفد إلى لبنان الشهر المقبل بعثة لتقييم ما يفترض أن يكون قد حققه لبنان من بنود الاتفاقية مع الصندوق للدخول في برنامج قرض بقيمة 3 مليارات دولار إضافة إلى تمويل من دول مانحة تصل إلى إعادة هيكلة الدين العام ما يستجلب استثمارات للبلد.
لكن لبنان لم يحقق شيئاً من شروط صندوق النقد الدولي لعدم قدرته أو عدم رغبة حكامه في توحيد سعر الصرف الرسمي، لا سيما في ما يخص الضرائب والرسوم، كما لم يحقق أي توازن في ميزانيته بين سقوف الإنفاق والواردات المقدرة ولم يحقق أي تقدم لإقرار قانون عصري ينظم أو يلغي السرية المصرفية.
بدعة البدع هي قانون الكابيتال كونترول الذي يبدو أن لا علاقة له بأي أموال موجودة في البلد كما بإمكانية السيطرة عليها لأن الأموال صارت في غالبيتها خارج البلد، سواء هُرّبت أو حوّلت لا فرق … فعلى ماذا سيمارَس الكونترول؟؟
أكثر ما يخيف في الشق الاقتصادي هو تسلل شبح التصرف بأملاك الدولة لإنعاش الاقتصاد بعائداتها، أي بيع أو تأجير أو استثمار أملاك الدولة من قبل الغير سواء الغير المحلي أو الغير الأجنبي ما يؤدي في نهاية مطافه إلى بيع “عقارات الدولة” جميعها للقطاع الخاص، وهو الإجراء الذي اعتمدته الدولة التركية بعد انهيار الدولة العثمانية وأدى في نهاية مطافه إلى موجة من الفساد استفاد منها بعض المسؤولين الأثرياء ممن كانوا قد اشتروا حصصاً من الأملاك العامة.
محمد سلام – هنا لبنان