برّي: سوريا ماشية بالتّطبيع

برّي: سوريا ماشية بالتّطبيع
يكاد لا يمرّ يوم لا يقع فيه اعتداء إسرائيلي على جنوب لبنان، أو يُستَهدف أحدٌ ما تقول إسرائيل إنّه عضو في “الحزب”، سواء كان قياديّاً أو مقاتلاً عاديّاً، دونما توقّف المسلسل المتواصل منذ 27 تشرين الثاني الفائت، يوم أُعلن وقف للنار. تستمرّ هجمات إسرائيل على الرغم ممّا يُكشف يوماً بعد آخر، جزئيّاً أو كلّيّاً، عن “تنظيف” جنوب نهر الليطاني من ترسانة “الحزب” ومخازنه بوضع الجيش اليد عليها، مع إفصاح متواضع، علاوة على ما يُكشف أيضاً عن وقائع مماثلة في أكثر من مكان شمال نهر الليطاني تؤكّد تفكيك بنيته العسكرية.
في نهاية المطاف لا تتوقّف اللعبة الإسرائيلية الدمويّة اليومية، بينما يواظب “الحزب” على القول، مخاطباً بيئته، إنّه يستعيد عافيته العسكرية وقواه ويتسلّح مجدّداً ويتحضّر لما بعد نفاد صبره حيال الاعتداءات، ويحظى بجرعة دعم إيرانية ولو محدودة لتأكيد استمرار “المقاومة”.
يربط رئيس البرلمان نبيه برّي بين التصعيد المتواصل في الجنوب والتحوّلات غير المسبوقة في سوريا، مقتضباً موقفه بأنّ ذلك كلّه يدور في فلك “المصالحة مع إسرائيل”.
يقول لـ”أساس” على نحو جازم إنّ سوريا الجديدة “على طريق المصالحة مع إسرائيل إن لم تكن تقدّمت فيها. سوريا ماشية في الاتّفاقات الإبراهيمية والتطبيع”، في معرض تعليقه على اجتماعات الرياض والقمّة الأميركية ـ السعودية وانضمام الرئيس السوري أحمد الشرع إليها وحصوله على “درع التثبيت”.
عندما يُسأل عن سبل وقف الاعتداءات الإسرائيلية اليومية على الجنوب، والمدى الذي يمكن أن تصل إليه، يعقّب برّي: “لا تسألوا عن إسرائيل. إسألوا الأميركيين. هم لا إسرائيل مَن وقّعنا معهم اتّفاق وقف النار، ويفترض بهم أن يفرضوا تطبيقه على إسرائيل. الأميركيون هم أوّل المعنيين بوقف النار إذا كانوا بالفعل يريدونه”.
لبنان بعكس منحى سوريا
يدعو المساران المتناقضان لما يجري في لبنان وسوريا الآن إلى التساؤل لأكثر من سبب عمّا يفترض أن يؤول إليه مصير كلّ منهما أو كليهما في الموازاة:
1 ـ بينما تكتسب سوريا الجديدة في الرياض شرعية دولية إضافية لنظامها من خلال الأميركيين بعد لقاء رئيسها مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقرار رفع العقوبات عنها، يُدفع لبنان في منحى معاكس، وهو استمرار أعمال عسكرية إسرائيلية في جنوبه على نحو يوحي بأنّ الدولة العبرية لم تكتفِ بكلّ ما فعلت حتى الآن، وقد تكون خطّتها لم تُنجز تماماً بعد، وقد تكون لها ملاحق سياسية غير معلومة.
يعزّز هذه الشكوكَ ربطُ التصعيد المتواصل بإصرار إسرائيل على عدم إنهاء احتلالها للنقاط الخمس ما لم تُعالج النقاط الـ13 العالقة، وهو ما يطلبه لبنان، لكن تبعاً لشرطها الذي يؤيّده الأميركيون ويتنصّلون من الخوض فيه مع المسؤولين اللبنانيين في الوقت نفسه، القاضي بإدخال دبلوماسيين إلى اللجنة الأمنيّة الخماسية الدولية لوقف النار يُلحَقون بأعضائها الضبّاط.
يُراد بذلك الانتقال من مناقشة الانسحابات إلى ما يتجاوزها، وهو سلوك طريق التطبيع التدريجي بدءاً بتدابير عسكرية ـ أمنية وانتهاء بإجراءات سياسية.
يتحفّظ لبنان حتّى الآن على هذا الشرط ويقاومه مقدار ما يستطيع، دونما أن يفلح في فصل المطالبة به عن التصعيد العسكري المتواصل في الجنوب، بينما تشقّ سوريا الجديدة طريقها إليه في أسرع ممّا هو متوقّع، متخذةً وجهة الخروج أخيراً من الصراع العربي ـ الإسرائيلي ومفاضلتها الاندماج في المجتمع الغربي. ما كان يحتاج إليه الشرع لتعزيز شرعيّته، الدولية بعد العربية، أُعطِي له في اليومين المنصرمين توطئةً لتحوّل سوريا إلى خامس دولة عربية منذ عام 2020 تلتحق بالاتّفاقات الإبراهيمية بعد الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
استعجال نزع السّلاح
2 ـ لم يعد خافياً مغزى توالي المواقف العربية والدولية على لبنان لاستعجال نزع السلاح غير الشرعي، وآخرها ما ورد على لسان ترامب حين تحدثّ عن “فرصة نادرة” أمام لبنان ليس خافياً مغزاها، ولسان وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حين شدّد على حصر السلاح في يد الدولة. ما بات معلوماً أنّ المطلوب التخلّص من سلاح “الحزب” وإتلافه وتفجيره لا الاحتفاظ به في ثكن الجيش وتخزينه والتدرّب على ما لا يملكه منه، وتالياً وضع حدّ نهائي للعقيدة العسكرية غير الأميركية في لبنان، المقصود بها السلاح الشرقي المتشعّب المصادر لدى “الحزب” من روسيا وإيران والصين.
ذلك ما يحمل الجيش من حين إلى آخر على التذكير بأنّه مستمرّ في دهم المواقع والمخازن ووضع اليد عليها وتفجيرها، تنفيذاً لمهمّته المنصوص عليها في القرار 1701 القاضية بالإنهاء التامّ للوجود العسكري لـ”الحزب” جنوب نهر الليطاني كما شماله، وفرض تحوّله حزباً سياسيّاً وحسب.
“الحزب” بين فكّي كمّاشة
3 ـ من المعلوم أنّ “الحزب” واقع بين فكّيْ كمّاشة: عدم مقدرته على الردّ على أيّ اعتداء إسرائيلي على مبانٍ أو مواقع تمّت بصلة إليه أو على مقاتليه والتهديد بالانتقام لهم، وهو يتلقّى يوميّاً تقريباً ضربات ويفقد من رجاله، وفي الوقت نفسه ترقّبه المشوب بالقلق لمسار المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية التي تحرص الجمهورية الإسلامية على الاستمرار بها دونما المجازفة بها، خلافاً لما اعتادته في مراحل سابقة من استخدام مخالبها في المنطقة، وأحدها “الحزب”، للضغط على طاولة التفاوض.
نقولا ناصيف – “أساس ميديا”