هذا ما ينتظره اللبنانيون من الأمن العام

هذا ما ينتظره اللبنانيون من الأمن العام
مع انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أصيلة، وبدء ورشة الإصلاح والتعيينات (خصوصاً في المراكز الأمنية) يتحيّن اللبنانيون مشاهدة تغيّرات على الأرض، خصوصاً في ما يتعلّق بالمواضيع التي تخصّ حياتهم اليومية. لكن هذه التغييرات تبدو بعيدة وتشوبها الكثير من التعقيدات غير المبرّرة.
لا يمكن تحجّج الحكومة بعدم وفرة الأموال من أجل القيام بتحسينات في أداء الإدارة والأجهزة الأمنية والتي هي من بديهيات العمل الإداري، خصوصاً أن المنشود لا يتخطى حدود “تصويب الأداء” الذي يُفترض ألّا يكلّف خزينة الدولة الأموال.
تنظيم السير في العاصمة بيروت وبقية المدن الكبرى مثلاً، ليس ضرباً من ضروب تخصيب اليورانيوم. نشر الدوريات والدرّاجين على الطرقات من أجل مكافحة المخالفات وحماية المواطنين من السرقات، لا يحتاج إلى موافقة المجتمع الدولي أو صندوق النقد. هي إجراءات تستطيع وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية القيام بها بلا منّة من أحد أو مساعدة. إلّا أن هذا لم يحصل على الرغم من نيل الحكومة الثقة واستلام رؤساء الأجهزة مناصبهم.
وبخلاف أزمة السير وغياب الأمن، تبرز أزمة العلاقة بين مديرية الأمن العام والمواطنين. تلك المديرية التي تُعتبر على تماس وثيق ودائم مع المواطنين اللبنانيين، على عكس بقية الأجهزة والمديريات الأمنية. فعلى مدى سنوات الأزمة الخمس (وأكثر) الفائتة، مرّت هذه المديرية بمطبّات كثيرة. ذاق اللبنانيون اللوعة في تعاطيهم مع الأمن العام، بدءاً بطلب حصولهم على جوازات السفر، ووصولاً إلى تنسيق عمليات خروجهم على المنافذ البرية والجويّة. حجج الأمن العام خلال تلك السنوات كانت متنوّعة، وتتأرجح بين “نقص العديد” و “كثافة الطلبات”، و “الجدل حول سعر صرف الليرة”، لكن هذه الحجج سقطت وتخطاها اللبنانيون، خصوصاً تلك المتعلّقة بسعر الصرف.
اليوم، وبعد تعيين اللواء حسن شقير مديراً عاماً للأمن العام، ثمّة 3 ملفات ملحّة لدى مديرية الأمن العام تحتاج إلى معالجة. من خلالها، يستطيع المواطنون اللبنانيون (بكل انتماءاتهم وأطيافهم) أن يتلمّسوا التغيير نحو الأفضل. هذه الملفات هي:
1. جوازات السفر: لا يُعقل أن يحمل المواطن اللبناني همّ حصوله على جواز سفر، إن كان مقيماً أو غير مقيم أو مغترب يطمح لتجديد جواز سفره خلال زيارته لبنان في فصل الصيف.
طلب “الواسطة” أو الانتظار لأسابيع من أجل الحصول على موعد على “منصة” لم يعد مقبولاً. وانتظار استلام الجواز أسابيع وأشهراً هو أيضاً أمر لم يعد مقبولاً في زمنٍ أمست بعض الدول العربية الشقيقة تمنح مواطنيها جوازات سفرٍ في المطار وقبل إقلاع الطائرة بدقائق. كما أن زحمة المواطنين على أبواب مراكز الأمن العام في كل المناطق اللبنانية، هي إهانة لاسم لبنان قبل إهانة المواطنين، وتلك لا تحتاج إلى أكثر من الإرادة الصادقة على حلّها، خصوصاً أنّها ليست بحاجة إلى صرف الأموال أو المطالبة بموازنات إضافية من خزينة الدولة.
2. الحدود البرية: من تسنّت له زيارة سوريا في الأشهر الأربعة الفائتة، يستطيع أن يشعر بالفرق. فعلى مدى العقود الخمسة الماضية كان التعامل مع الأمن العام السوري يُحسب له ألف حساب، ويتّسم بالرهبة والخوف من زلّة “تشابه أسماء” و “افتراء” قد يقود قاصد الحدود إلى أحد الأفرع الأمنية في سوريا.
بعد سقوط نظام بشار الأسد، غاب الأمن العام السوري عن الحدود لأسابيع، ثم عاد بشروط شبه تعجيزية لعدم تدفّق اللبنانيين صوب الأراضي السورية. الذرائع التي ساقتها الوسائل الإعلامية كثيرة. البعض قال إنّ السبب هو تحاشي دخول عناصر “حزب اللّه” إلى سوريا، بينما اعتبر البعض الآخر، وهو السبب الأكثر دقة ورجاحة، أنّ المشكلة تكمن بمبدأ “المعاملة بالمثل” نتيجة الشكاوى التي نقلها السوريون إلى الداخل من سوء معاملة اللبنانيين لهم على الحدود.
ندرة العناصر على الحدود في مركز المصنع، تشكل أزمة تتسبّب في زحمة خانقة، كما أنّ طريقة تعاطي بعض العناصر مع أبناء الجنسيتين تفتقد، في بعض الأحيان، إلى الاحترام الذي يليق بعناصر الأمن العام. ناهيك بضيق المركزين (الذهاب والإياب) وغياب الإنارة الكافية وعدم الاهتمام بنظافته وسلامة المعدّات (الكمبيوترات، المكاتب، غياب الكراسي). يُضاف إلى هذا كلّه الفوضى في تنظيم الطوابير، وصراخ العناصر على الناس لضبط الهرج داخل البهو المخصص للختم.
3. المطار: الإدارة السليمة لهذا المرفق لا تقلّ أهمية عن مسألة الجوازات والحدود. بل تفوقهما أهمية باعتبار أن المطار هو “واجهة البلد” ولا يجوز أن يُستقبل السيّاح أو الزوّار المقبلون من الخارج حيث الحداثة والحوكمة الرشيدة بمظاهر لعناصر شاحبة الوجه، أو لا ذرع لها لمعاملة المقبلين بلطف، أو استقبالهم بضعف فاضح بالعديد يكبّد المسافرين الانتظار لأوقات طويلة (3 موظفين لأكثر من طائرة بـ 300 راكب).
المواطنون اللبنانيون لا يأبهون لأهمية الملفات الأمنية التي يمسكها الأمن العام، ولا لحساسيّتها. لا يهتمون لعمق علاقاته مع الأجهزة الأمنية الخارجية. جلّ ما يهمّهم هو تأمين هذه الخدمات بسرعة وهذه مسؤولية المدير العام الجديد الذي يجب أن يوليها الاهتمام المطلوب في أسرع وقت.
عماد الشدياق – “نداء الوطن”