الدروز بين فكي الصراع السوري-الإسرائيلي: جرمانا في عين العاصفة

كتبت الدكتورة ميراي زيادة:
الدروز بين فكي الصراع السوري-الإسرائيلي: جرمانا في عين العاصفة
يشهد الجنوب السوري، وتحديدًا مناطق الجولان، القنيطرة، والسويداء، توترات غير مسبوقة في ظل التحركات الإسرائيلية الساعية لإنشاء منطقة عازلة، وزيادة التوترات بين الدروز والنظام السوري الجديد. في هذا السياق، برزت جرمانا كنقطة اشتعال جديدة بعد مواجهات بين قوات الأمن السورية ومجموعات درزية مسلحة، مما دفع المشهد إلى مزيد من التعقيد، وأثار مخاوف من انزلاق الوضع إلى مواجهة إقليمية أوسع.
منذ قرابة الشهر، تكثف النشاط الإسرائيلي في الجنوب السوري، حيث تسعى تل أبيب لإقامة منطقة منزوعة السلاح تمتد من الجولان إلى السويداء، على غرار النموذج الكردي في الشمال. الهدف المعلن هو “حماية الأقليات”، بينما الهدف الفعلي يتركز على أمرين أساسيين:
- إبعاد السلطة السورية الجديدة عن الحدود الجنوبية، خوفًا من أن تصبح هذه المنطقة تحت سيطرة قوى معادية مثل “هيئة تحرير الشام”.
- إنشاء شريط أمني لحماية إسرائيل ومنع تهريب السلاح إلى الضفة الغربية عبر الأردن، وهو ما يتصل بخطة إسرائيلية أوسع تعرف بـ”ممر داوود”، الذي يمتد حتى قاعدة التنف الأميركية شرقي الفرات.
بينما كان التركيز منصبًا على التطورات في جبل الشيخ والسويداء، تحولت الأنظار فجأة إلى جرمانا، الضاحية الدرزية القريبة من دمشق، بعد وقوع اشتباك مسلح بين مجموعة درزية وعناصر من قوات الأمن السورية. تطور الحدث سريعًا، إذ أعلنت السويداء النفير العام، وهددت بإرسال مسلحين لدعم دروز جرمانا، مما أشعل موجة جديدة من التوتر الطائفي والسياسي.
إلا أن النقطة الأكثر خطورة كانت في التصريح الذي أطلقه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث أعلن في وقت متأخر من يوم السبت أنه أصدر أوامره للجيش الإسرائيلي بالاستعداد “للوصول إلى جرمانا لحماية الدروز”. جاء ذلك استجابة لضغوط الزعيم الروحي لدروز إسرائيل، الشيخ موفق طريف، وضباط دروز في الجيش الإسرائيلي، الذين لعبوا دورًا بارزًا في الحرب الأخيرة.
تصاعد الدور الإسرائيلي في الجنوب السوري أثار قلق الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط، الذي يعتبر نفسه المرجعية السياسية لدروز المنطقة، وليس فقط لدروز لبنان. فمنذ بداية الحرب السورية، سعى جنبلاط إلى النأي بدروز لبنان عن أي تحالف مع إسرائيل، وكان قد ضغط سابقًا على دروز إسرائيل لعدم الانخراط في جيشها.
لكن مع تغير المعادلة في سوريا، بات جنبلاط يشعر بقلق متزايد من خروج الدروز عن السيطرة، خاصة مع تزايد النفوذ الإسرائيلي بينهم. وفي مواجهة هذا التحدي، أطلق سلسلة تحركات لمواجهة المخطط الإسرائيلي:
زار قصر بعبدا لوضع الرئيس اللبناني في صورة ما يجري في الجنوب السوري.
طلب موعدًا للقاء الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع لمناقشة الملف الدرزي في سوريا.
دعا إلى تنظيم مهرجان شعبي ضخم في ذكرى اغتيال والده كمال جنبلاط، ليكون بمثابة عرض قوة يؤكد على موقفه الداعي إلى التمسك بالهوية العربية للدروز، ورفض أي مشاريع تقسيمية.
التباين داخل الطائفة الدرزية
لم يكن موقف جنبلاط محل إجماع داخل الطائفة الدرزية، حيث اصطدم بموقف الشيخ موفق طريف، الذي يدعم بقوة العلاقة مع إسرائيل، ويعتبرها “الضامن الوحيد لأمن الدروز في المنطقة”. كما واجه جنبلاط تيارًا درزيًا لبنانيًا، برز خلال أحداث 7 أيار 2008، وتنامى نفوذه مؤخرًا، مدعومًا من إسرائيل.
أحد أبرز وجوه هذا التيار هو الوزير السابق وئام وهاب، الذي أطلق مواقف تصعيدية حول أحداث جرمانا، محذرًا من أي محاولة لاقتحام المدينة، ومتوعدًا الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع بقوله: “أيها الجبان، سنقصفك بالطائرات الدرزية”، في إشارة إلى الضباط الدروز في الجيش الإسرائيلي.
بين الهوية والانتماء السياسي
إزاء هذا الانقسام، شدد جنبلاط في مؤتمر صحفي على أن “الدروز كانوا وسيبقون ضد التطبيع مع إسرائيل، حتى قيام دولة فلسطينية مستقلة”، محذرًا من أن تل أبيب تسعى إلى تحويل الدروز إلى وقود لمشروع تقسيم سوريا، وهو ما يرفضه بشكل قاطع.
الصراع في الجنوب السوري يعكس معادلة معقدة، حيث يتداخل العامل الإسرائيلي مع الحسابات المحلية والإقليمية، مما يجعل الدروز في موقع حساس بين الشرعية السورية والمخطط الإسرائيلي. فهل يتمكن جنبلاط من الحفاظ على وحدة الدروز في وجه الضغوط الإسرائيلية؟ أم أن المشروع الإسرائيلي سيفرض واقعًا جديدًا، يغير الخريطة الديموغرافية والسياسية للمنطقة؟ الأيام القادمة ستكون حاسمة في تحديد المسار الذي ستتخذه هذه الأزمة المتصاعدة.