شبكة علاقات تحكم تصريف الغاز اللبناني!
شبكة علاقات تحكم تصريف الغاز اللبناني!
ملف الغاز اللبناني يُعدّ محوراً استراتيجياً يرتبط بتوازنات إقليمية ودولية حسّاسة، ويتطلّب فهماً معمّقاً للجوانب التقنية، الاقتصادية، والسياسية لضمان نجاح عملية استغلاله وتصديره. في ما يلي تفاصيل إضافية حول النقاط الأساسية المرتبطة بهذا الملف:
أولاً: الوضع الحالي لاستكشاف الغاز اللبناني
المسوحات الأولية:
أظهرت عمليات المسح الزلزالي ثنائية وثلاثية الأبعاد دلائل مشجّعة على وجود احتياطيات واعدة من الغاز في البلوك البحري رقم 4 وبلوكات أخرى ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان.
الشركات الكبرى مثل “توتال إنرجي” الفرنسية و”إيني” الإيطالية بدأت عمليات الاستكشاف، إلا أن التأخيرات السياسية عطّلت التقدّم السريع.
التحديات الجيوسياسية:
النزاعات الحدودية مع إسرائيل في الجنوب، والتي تمّت تسويتها نسبياً باتفاق ترسيم الحدود البحرية في 2022، فتحت الباب أمام مزيد من التنقيب.
الوضع الأمني والسياسي في سوريا قد يؤثر على تطوير خطط التصدير عبر خطوط الأنابيب البرية.
ثانياً: خيارات التصدير الممكنة
- تصدير الغاز عبر الأنابيب:
الخط العربي للغاز (AGP):
يربط مصر بالأردن وسوريا ولبنان، ويوفّر خياراً عملياً وسريعاً لتصدير الغاز إلى تركيا ومنها إلى أوروبا عبر خط “بلو ستريم” الروسي.
التحدي: البنية التحتية بحاجة إلى إصلاحات وتأهيل، خصوصاً في سوريا.
خطوط جديدة تربط بتركيا وقبرص:
أ) تركيا: يمكن للبنان مدّ أنابيب إلى تركيا للاستفادة من شبكتها المرتبطة بأوروبا، مما يجعل لبنان جزءاً من مشروع السيل التركي.
ب) قبرص: خيار استراتيجي لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر مشروع “East Med”، الذي يربط الغاز من شرق المتوسط إلى اليونان وإيطاليا.
إعادة تشغيل خطوط قديمة:
1) التابلاين: كان ينقل النفط السعودي إلى صيدا قبل أن يتوقف في 1967، ويمكن استخدامه بعد تطويره.
2) خط كركوك – طرابلس: كان ينقل النفط العراقي، ولكنه يحتاج إلى إعادة تأهيل شاملة. - تصدير الغاز المسال (LNG):
التسييل المحلي:
بناء محطات تسييل على الساحل اللبناني يُعتبر خياراً مستقبلياً، إلا أنه يتطلب استثمارات ضخمة وبنية تحتية متطوّرة.
الاعتماد على مصر:
نظراً لامتلاك مصر أكبر محطات تسييل في المنطقة (إدكو ودمياط)، يمكن للبنان تصدير الغاز الخام إليها للتسييل وإعادة التصدير.
الميزة: سرعة التنفيذ بتكاليف أقل مقارنة ببناء منشآت محلية.
ناقلات الغاز المسال (LNG):
خيار مرن يسمح بنقل الغاز إلى أسواق بعيدة مثل آسيا وأوروبا، ولكنه يتطلّب بنية تحتية لتخزين الغاز وشحنه.
ثالثاً: الأسواق المستهدفة لتصدير الغاز
السوق الأوروبية:
تعتمد أوروبا بشكل كبير على الغاز الطبيعي، وتسعى لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، مما يجعلها وجهة مثالية للغاز اللبناني.
مشاريع مثل “East Med” وممرات الطاقة مع تركيا توفّر منافذ مباشرة للأسواق الأوروبية.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا:
الدول الخليجية وبعض الدول العربية قد تكون أسواقاً للغاز اللبناني، خاصة مع توسّع مشروعات الطاقة المتجددة فيها.
آسيا (الشرق الأقصى):
الاقتصادات الكبرى مثل الصين والهند واليابان تحتاج إلى كميات ضخمة من الغاز الطبيعي، مما يجعل السوق الآسيوي خياراً استراتيجياً، وإن كان مكلفاً لوجستياً.
رابعاً: الجدوى الاقتصادية والعائد المالي
تقديرات الإيرادات المحتملة:
في حال ثبوت وجود كميات تجارية، يمكن للبنان تحقيق إيرادات سنوية تُقدّر بمليارات الدولارات، ما يسهم في معالجة أزماته المالية.
هذه الإيرادات تعتمد على الأسعار العالمية للغاز والقدرة التنافسية مقارنة بالمصدرين الآخرين في المنطقة.
التكاليف المطلوبة للاستثمار:
مشاريع الحفر والاستكشاف تتطلب ميزانيات ضخمة تصل إلى مئات الملايين من الدولارات.
بناء محطات التسييل قد يكلّف أكثر من 5 مليارات دولار، بينما تطوير خطوط الأنابيب يُعدّ خياراً أقل تكلفة.
الدعم الحكومي والإصلاحات:
على الحكومة اللبنانية إصدار تشريعات واضحة لجذب الاستثمارات الأجنبية وضمان شفافية العقود مع الشركات الدولية.
خامساً: التحديات السياسية والأمنية
النزاعات الحدودية مع إسرائيل:
استمرار التوتر مع إسرائيل قد يؤثّر سلباً على الاستثمارات الأجنبية وعمليات الاستكشاف.
الوضع الأمني في سوريا:
يُؤثّر على نقل الغاز عبر الأنابيب البرية ويطرح تحديات لوجستية تتعلق بالأمان والاستقرار.
الفساد والإدارة السيئة:
الحاجة إلى شفافية كاملة لضمان استخدام الإيرادات بشكل فعّال ومنع الهدر أو الفساد.
التحالفات الإقليمية والدولية:
ضرورة بناء علاقات استراتيجية مع دول الجوار والدول الكبرى لضمان الحماية السياسية والتجارية.
سادساً: التوصيات الاستراتيجية
استكمال المسوحات والاستكشافات:
ضمان دقّة التقديرات بشأن الاحتياطات لتحديد الجدوى الاقتصادية.
تطوير البنية التحتية:
استثمارات في منشآت التخزين، التسييل، وخطوط الأنابيب لفتح مسارات تصدير متعددة.
سياسات طاقة واضحة:
صياغة خطط استراتيجية تضمن الاستفادة من الثروة الغازية مع مراعاة التحولات الجيوسياسية.
إطلاق شراكات وتحالفات إقليمية:
التعاون مع تركيا، قبرص، ومصر لضمان المرونة في التصدير والوصول إلى الأسواق العالمية.
تعزيز الاستقرار السياسي والأمني:
توفير بيئة جاذبة للاستثمار من خلال تحسين الإدارة والحكم الرشيد.
الغاز اللبناني يُعدّ فرصة ذهبية للنهوض بالاقتصاد وتحقيق الاستقلال الطاقوي، لكن نجاح هذا المشروع يعتمد على رؤية استراتيجية متكاملة تشمل استكمال الاستكشافات، تطوير البنية التحتية، تأمين الأسواق، وإدارة الملف بطرق شفافة ومُستدامة.