حلب: نقطة تحوّل جديدة في معادلات المنطقة وتداعياتها على لبنان

الأحداث في حلب بين الأمس واليوم:
2016: استرداد حلب من قبل النظام السوري وحلفائه (إيران وروسيا) كان نقطة تحوّل استندت إلى تفاهمات إقليمية ودولية أبرزها الاتفاق النووي الأميركي-الإيراني. أدى ذلك إلى ترسيخ النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، مما ساهم في صعود حلفاء طهران إلى مواقع القرار في لبنان، بدءاً من رئاسة الجمهورية.
2024: المشهد معكوس تماماً؛ الفصائل المعارضة، بقيادة “هيئة تحرير الشام” والمدعومة من تركيا، شنت هجوماً منظماً على مواقع النظام وحلفائه. ضعف التنسيق بين القوات الموالية للنظام (الجيش السوري، القوات الإيرانية) والضغط الاقتصادي والخلافات بين روسيا وإيران كشف هشاشة التحالفات القديمة.
التداعيات الإقليمية والدولية:
إيران بين المطرقة والسندان:
الهجمات في سوريا تركز على تقليص النفوذ الإيراني، في ظل قرار دولي غير معلن بإنهاء التمدد العسكري الإيراني في المنطقة.
إسرائيل، التي ركزت عملياتها على ضرب الإمدادات العسكرية لحزب الله في لبنان، تضيف سوريا إلى خارطة المواجهة، فيما تكمل تركيا هذا الدور في الشمال السوري.
التحركات الدولية تسعى لتقليص الوجود الإيراني تدريجياً، مستهدفة إعادة رسم التوازن الإقليمي.
روسيا:
موقف غامض تجاه تقدم الفصائل المعارضة. التدخل الجوي الروسي في حماه يهدف إلى حماية قواعدها العسكرية (طرطوس، اللاذقية، حميميم)، مع رغبة متزايدة في تقليص اعتماد النظام السوري على طهران.
تعميق الخلاف الروسي-الإيراني نتيجة اختلاف الأولويات والمصالح.
تركيا:
استغلال حالة الانقسام والضعف في صفوف النظام وحلفائه لتحقيق مكاسب استراتيجية في الشمال السوري.
النفوذ التركي في الشمال السوري يعزز أوراق أنقرة في أي تسوية سياسية مستقبلية.
الولايات المتحدة:
تعمل على إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان ضمن خطة طويلة الأمد تتماشى مع “اتفاقيات إبراهيم” لتعزيز التطبيع بين إسرائيل ودول عربية.
التركيز على عزل إيران دبلوماسياً واقتصادياً، ما يضاعف الضغط على طهران.
التداعيات على لبنان:
الانعكاسات السياسية:
كما كانت استعادة حلب عام 2016 نقطة تحول أدت إلى تعزيز النفوذ الإيراني في لبنان، فإن التطورات الحالية قد تسهم في إضعاف هذا النفوذ.
الحديث عن تأخير جلسة انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية يعكس ارتباط الملف اللبناني بالمعادلات الإقليمية. أي رئيس جديد سيكون نتاج معادلة جديدة يتم التفاوض عليها في ظل الواقع الإقليمي المتغير.
الوضع الأمني:
تعزيز اللجنة الخماسية الدولية في جنوب لبنان يعكس إرادة دولية لضبط الحدود ومنع تدفق الأسلحة إلى حزب الله.
معادلة وقف إطلاق النار تترافق مع ضغوط لتقليص نفوذ الحزب، ما يشكل تحولاً كبيراً في ميزان القوى داخل لبنان.
الوضع الاقتصادي:
اعتماد لبنان على المساعدات الخليجية والدولية يتزايد، ما يقلص قدرة إيران على استخدام الاقتصاد كوسيلة لتعزيز نفوذها.
الرئة الاقتصادية الجديدة للبنان مرتبطة بشكل كبير بالتفاهمات الإقليمية، ما يجعل البلاد أكثر تأثراً بأي تغييرات في هذه التفاهمات.
نقطة التحول الكبرى:
2016: نقطة التحول جاءت لصالح إيران وحلفائها نتيجة تقارب دولي (الاتفاق النووي).
2024: نقطة التحول تأتي لصالح خصوم إيران نتيجة قرار دولي بإضعاف نفوذها في المنطقة.
ما يحدث في حلب اليوم يعيد تشكيل المعادلات الإقليمية، ما ينعكس مباشرة على لبنان. انهيار النفوذ الإيراني في سوريا يعني فقدان طهران لأحد أهم مراكز قوتها الإقليمية، ما قد يؤدي إلى إضعاف حلفائها في لبنان. في ظل هذه التغيرات، يبدو أن مصير الانتخابات الرئاسية اللبنانية وسائر الملفات الداخلية سيكون مرهوناً بالمعادلات الإقليمية الجديدة التي يتم تثبيتها على الأرض.