وزير المال يخترع سعر صرف جديدٍ
باسمة عطوي – نداء الوطن:
يسجل أهل الاختصاص مخالفة قانونية ارتكبتها وزارة المالية مؤخراً من خلال اصدارها في 28 نيسان الماضي، بياناً حددّت فيه سعر صرف الدولار الاميركي لتسديد الضريبة على الايرادات الناتجة عن الاسهم وسندات الدين الأجنبية، وعن مختلف إيرادات رؤوس الأموال المنقولة الأجنبية الأخرى على سعر 27.400 ل.ل. للدولار الأميركي الواحد عن إيرادات العام 2021، من دون تنسيق مع مصرف لبنان ومن دون قانون صادر عن مجلس النواب كما تنص القوانين المرعية.
نص بيان وزارة المالية على التالي: «تذكر وزارة المالية المكلفين الملزمين بالتصريح وتسديد الضريبة عن الإيرادات الناتجة عن الأسهم وسندات الدين الأجنبية، وعن مختلف إيرادات رؤوس الأموال المنقولة الأجنبية الأخرى وفقاً لأحكام المادة 82 من قانون ضريبة الدخل، إلى ضرورة الاستفادة من أحكام المادة 41 من القانون رقم 324 تاريخ 12/2/2024 (قانون الموازنة العامة للعام 2024)، التي أعطت مهلة تنتهي في 15/8/2024 ضمناً للتصريح عن تلك الإيرادات وتسديد الضريبة دون أن يتوجب عليهم أي غرامة تحقق أو تحصيل، مع الإشارة إلى أنه عندما تكون تلك الإيرادات بعملة أجنبية من غير الدولار الأميركي، يتوجب تحويل تلك الإيرادات إلى الدولار الأميركي وفقاً لمتوسط سعر التحويل بين العملات الأجنبية مقابل الدولار الأميركي، ومن ثم تحول تلك الإيرادات إلى الليرة اللبنانية على سعر 1507.5 ل.ل. للدولار الأميركي الواحد عن الإيرادات لغاية 2020 ضمناً، وعلى سعر 27.400 ل.ل. للدولار الأميركي الواحد عن إيرادات العام 2021».
كما أصدر وزير المالية يوسف خليل في 22 نيسان الماضي قراراً مدّد فيه «استثنائياً ولمرة أخيرة مهلة تقديم التصريح الالكتروني عن ايرادات الاسهم وسندات الدين الاجنبية ومختلف ايرادات رؤوس الأموال المنقولة الاجنبية الاخرى العائدة لسنتي 2022 و2023، والتي يتوجب على أصحابها او المتمتعين بريعها المقيمين في لبنان، التصريح عنها الكترونياً بموجب نموذج ث4/ج، عملاً بأحكام المادة 82 من قانون ضريبة الدخل ومهلة تسديد الضريبة بموجب اشعار دفع ضريبة الدخل على رؤوس الاموال المنقولة وذلك لغاية 15/8/2024 ضمناً».
ضريبة قديمة
بحسب الأستاذ المُحاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، الدكتور كريم ضاهر، «هذه الضريبة موجودة منذ عام 1959 حين صدر قانون ضريبة الدخل، ولم تكن تحصّل سابقاً ولم يكن هناك مراقبة لتحصيلها بسبب السرية المصرفية وغياب تبادل المعلومات مع دول الخارج»، موضحاً لـ»نداء الوطن» أنه «بعد انضمام لبنان للمنتدى العالمي للشفافية وتبادل المعلومات المالية لأسباب ضريبية، صار بامكانه الحصول على هذه المعلومات وهناك قانون سمح بذلك، هو القانون 55 الصادر في 27/10/2016 «، وأشار الى أن «هذا يعني ان الدولة يمكنها تحصيل هذه الضريبة، وحاول مجلس النواب تسويقها (خلال مناقشة موازنة 2024) من خلال تسوية غرامات للسنوات الماضية شرط ان يتم التسديد ضمن مهلة 6 اشهر»، جازماً أن «هذا القرار ليس وليد ساعته ولكن تنفيذاً للمادة 41 من قانون موازنة 2024، ووزير المالية تفرد بالقرار لجهة تحديد سعر الصرف، وتوسع بالتفسير لجهة تحديد سعر الصرف من دون التنسيق مع مصرف لبنان، وبناء على تكليف من مجلس النواب وهذا يعتبر تجاوزاً لحد السلطة من قبل وزارة المالية».
في موازنة 2024
يشدد ضاهر على أن «اساس هذين التعميمين هي المادة 41 من قانون الموازنة 2024، وتمّ اقرارها في مجلس النواب بعد نقاش كبير حول النص الذي كان وارداً في موازنة 2023، والنص الذي تمّ اقراره في مجلس الوزراء الذي حاول ان يكون شاملاً الاعفاء ليس فقط اعفاء الغرامات، انما ايضاً اعفاء ضريبي لهذه الحقبة الماضية، علماً ان النص النهائي تم تعديله ايضاً في لجنة المال والموازنة النيابية قبل اقراره».
يضيف: «هذا التعميم يختص بالضرائب النوعية التي ينص عليها قانون الضرائب في لبنان، وهو خاضع لمبادئ واحكام خاصة، انطلاقاً من مبدأ اقليمية الضريبة المهنية اي دفع الضرائب على الارباح في لبنان، أي الفوائد على الحسابات المصرفية والسندات والمساهمات في شركات يتقاضون أرباحاً عليها»، لافتاً الى أن «هناك الكثير من المكلفين (على حسن نية) لم يكونوا على علم بهذه الضريبة (المواد 77 حتى 82 من ضريبة الدخل)، وبعد ان حصل تبادل المعلومات الضريبية بين لبنان والدول بعد دخوله على المنتدى العالمي لشفافية وتبادل المعلومات الضريبية، صار بإمكانه تلقي المعلومات اللازمة من الدول الشريكة، وهذا ما مكّن الدولة المالية ووزارة المال التي تقع تحت عجز مالي من معرفة أن لها حقوقاً في هذه الضريبة (وتم تعديل قانون السرية المصرفية بموجب موازنة 2022)، مما اتاح لوزارة المالية معرفة المكلفين الذين يملكون حسابات خارج لبنان».
عملة التحصيل
يشدد ضاهر على أنه «حصل مسعَيان من خلال المادة رقم 10 من قانون موازنة 2022، لتحصيل ايرادات هذه الضريبة بالعملة الاجنبية في حال كانت الارباح تتأتى بعملة أجنبية، وهذا يعني أن هذه الضربية يمكن تحصيلها في سنوات 2023 و2024 باليورو أو الدولار الفريش»، مشيراً الى أنه «حصلت مبادرة من وزارة المالية (عن حسن نية) لتشجيع المكلفين الذين لم يكونوا على علم بضرورة دفع الضريبة من خلال اعفائهم من غرامة التحقق والتحصيل في حال دفعوا ضرائبهم ضمن مهلة زمنية معينة، وتم تقديم نص لهذه المبادرة في قانون موازنة 2023 إلا ان اقرارها أتى في 2024، عبر فقرتين الاولى تتعلق باعفاءات من غرامات التحصيل والتحقق، والاخرى تشدد العقوبات وتنص على تحويل الملف الى النيابة العامة المالية ويتم حجز على الاملاك كما ينص قانون الاجراءات الضريبية»، ويوضح أن «مجلس النواب رفض اضافة هذه الفقرة الاخيرة وتم اقرار الفقرة الاولى، على ان تضع وزارة المالية آلية للتنفيذ فأصدرت التعميم الذي ينص على تنفيذ هذا القانون».
حسب السنوات
ويعتبر أن «المشكلة والغلطة الكبيرة هي ان في موازنتي 2022 و 2023 النص واضح، لجهة تحصيلهم بالدولار (المادة 87) ويمكن للدولة اللبنانية مقاضاتهم بذلك لأن المادة 19 من قانون موازنة 2022 يسمح لها بذلك. اما بالنسبة للسنوات التي لم تسقط بمرور الزمن (2015 حتى 2000)، هنا قررت وزارة المالية ان السنوات التي لم تسقط بمرور الزمن، لتحصّل الضريبة وفقاً لسعر صرف دولار على 1507 ليرات لبنانية، ولكن الغلطة ان وزارة المالية وضعت في العام 2021 سعر صرف دولار على سعر 27400 ليرة، وهذا مخالف للقوانين والاصول لان سعر الصرف يجب أن يحدد بالتعاون مع مصرف لبنان، بناء لتفويض من مجلس النواب كما حصل في تحديد ضريبة الرواتب والاجور (15000 في الاعوام 2022 و2023 و89500 ابتداء من 1/4 /2024 )».
يجزم ضاهر أنه «بالنسبة لهذه الضريبة بالذات لا تفويض مماثلاً من قبل مجلس النواب لتحديدها من قبل مصرف لبنان ووزارة المال، بل عمدت هذه الاخيرة بمفردها لتحديد سعر صرف 27400 ليرة للدولار، علماً أن هناك قراراً رقمه 893 ص/1 صدر في العام 2021، ونصّ على ان الحسابات يجب ان تمسك بالقيمة الفعلية بالسوق ولكن هذا القرار لا يمكن الاعتماد عليه لانه لم يصدر عن مجلس النواب».
ويختم: «تحديد قيمة الصرف، الذي اختارته وزارة المالية في 2021 من تلقاء نفسها، مخالف للقوانين ويخالف مبدأ تدرج القوانين وهرميتها وموازاة الاشكال والاختصاصات».