وزارة الطاقة تتحرّك لوقف ممارسات “توتال”… خيار “المسار القضائي” على الطاولة!
إنقضت المهل الثلاث التي جرى الإتفاق عليها بين شركة “توتال” والدولة اللبنانية ممثلة بوزارة الطاقة، لتسليم الأولى التقرير التقييمي النهائي لنتائج الحفر في موقع “قانا” ضمن البلوك رقم 9 من دون تقديم التقرير. وبحلول شهر أيار الجاري، تكون مدة الإلتزام بتقديم التقرير والمحددة وفق رخصة الحفر بـ”6 أشهر”، قد انقضت من دون أي تحرك جدي من جانب الشركة. تصرّف الشركة الفرنسية باحتجاز ما هو حقّ سيادي لبناني، أعطى انطباعاً أن التأخير يعود إلى الربط القائم حالياً بين قرار عدم التسليم وتوقف “العمليات العسكرية” التي تقوم بها المقاومة في الجنوب. إذ تريد باريس وإلى جانبها واشنطن، إستخدام الملف في إطار الضغط على الدولة اللبنانية والمقاومة، وضمّ الملف لاحقاً إلى ما يمكن تسميته بالحل النهائي الذي يميلون إليه، ويعمل الفرنسيون ممثلين بوزير الخارجية ستيفان سيجورنيه، والبيت الأبيض ممثلاً بالمبعوث عاموس هوكشتين.
بالعودة إلى الأساس، حددت المهلة الأولى للتسليم في مطلع شهر آذار الماضي. المهلة الثانية اتفق أن تكون في منتصفه، أمّا الثالثة فجعلت في آخره بعد تأجيلين غير مبرّرين. المشترك بين التواريخ الثلاثة، أنه جرى تحديدها بناءً على تواصل رسمي بين الشركة الفرنسية والدولة اللبنانية. أمّا التخلف فقد استفردت به الشركة وحدها.
بعيد تحديد الموعد الثالث، تمّ إبلاغ الدولة قرار “توتال” تأجيله بذريعة واهية ومن خلال بريد إلكتروني أرسل إلى العنوان اللبناني المخصص، إختفت الشركة عن السمع كلياً ما دفع بوزارة الطاقة عبر هيئة إدارة قطاع البترول إلى القيام بمحاولات تواصل متكرّرة مع الشركة للإستفهام منها حول الأسباب التي تقف خلف الإلغاء المتكرر ثم التهرب من الإجابة عن تساؤلات واستفسارات الجانب اللبناني.
عملياً، لم تتمكن الوزارة من الوصول إلى نتائج تذكر. إزاء ذلك، قرر وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض، التدخل شخصياً. فقام بعيد إلغاء الموعد الثالث وانقطاع الشركة عن التواصل مع الفريق اللبناني، بإرسال رسالة إلى “توتال” يطلب فيها “إيضاحات” حول الأسباب التي تقف خلف تأخير التسليم. وتماماً كما تصرّفت في شأن المواعيد، تعاملت مع رسالة الوزير حيث لم يصدر عنها أي رد أو تعليق.
وربطاً بما يجري، إندفعت الوزارة صوب بلورة ما يمكن تسميته بـ”خطة عمل بديلة”، قامت على فكرة التحضير للشروع بمسار قانوني، يبدأ بإرسال رسائل تحذيرية إلى الشركة تنذرها بالتزام تطبيق الآليات المتفق عليها والتفاهمات المشتركة بين الجانبين لناحية المواعيد المرتبطة بتسليم التقرير. وتأتي الرسائل مدعومة بقرار صادر عن وزير الطاقة وليد فياض، وبمادة واردة في المرسوم الأساسي بمنح رخصة الحفر، والذي ينصّ على ملاحقة الشركة في حال تخلّفها عن تنفيذ أي من شروط العقد.
أرسلت الرسالة الأولى خلال الشهر الماضي، حيث طلبت عبرها هيئة إدارة قطاع البترول من توتال “الإلتزام باتفاق تسليم نتائج الحفر ضمن مهلة الـ6 أشهر”. وعبّرت الرسالة عن “حق لبنان السيادي في التقرير”. لم تلقَ أي رد من جانب “توتال”، ما عولج برسالة ثانية بعث بها قبل فترة وجيزة، أكدت على مضمون الرسالة الأولى. أمّا التطور البارز، فكان تضمين الرسالة مفردات كتوجيه إنذار واضح إلى الشركة من مغبة الإستمرار في اتباع هذا النهج، مع التذكير باحتفاظ الدولة اللبنانية بالحق الكامل في ملاحقتها، وهو التهديد الأول من نوعه الذي يصدر عن الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة الطاقة، ما تمّ اعتباره تطوراً يُنذر بالبدء في مسار تعامل من جانب لبنان.
وفي السياق نفسه، بدأت الوزارة إنتهاج تغييرات شاملة على استراتيجية “إستدراج الشركات” المهتمة بالعمل في المياه اللبنانية. وعُلم أن وزارة الطاقة أجرت تعديلاً على المرسوم الصادر حول فتح دورة التراخيص الثالثة. فتمّ تقليص شرط انضمام الشركات إلى دورة التراخيص من رأس مال يبلغ 10 مليارات دولار أميركي إلى مليار واحد، وقد أرسل الإقتراح إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لإدراجه على جدول أعمال أول جلسة تعقد للحكومة، وهو ما ذكره في مقال نُشر الثلاثاء الماضي.
مصدر مطلع على الملف، أكد أن الرسالة، تكاد تكون أشبه برسم خطة واضحة لبناء “ملف قانوني” يهدف لإجبار الشركة الفرنسية على تسليم التقرير ووقف أسلوب “المماطلة التسويف” الذي تنتهجه منذ مدة، وهو ما لمسته “توتال” بالفعل. حيث أنه وبعد الرسالة الثانية، حصل تواصل من جانب وسيط في الشركة مع أحد المسؤولين في وزارة الطاقة، وهو التواصل المباشر الذي يحصل للمرة الأولى منذ حوالي شهرين ونصف. وقد أوضح فيه الوسيط أن الشركة في صدد تسليم التقرير، لكنها تقوم بدرس الخطوات ووضع البصمات النهائية عليه. وبشكلٍ بدا لافتاً من حيث التوقيت، إقترح الوسيط على الجانب اللبناني أن يُبادر وزير الطاقة بإرسال رسالة إلى للمدير التنفيذي لـ”توتال”، يطلب منه بشكل رسمي “تسليم التقرير”، ما أوحى أنه موجود بالفعل في مكتب المدير التنفيذي، ويقوم هذا الأخير باحتجازه.
“ليبانون ديبايت”