حزن عميق يُخيّم على حانين: البلدة التي دُمّرت مرّتين
كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
لم تكن سارة حسين قشاقش ابنة الـ11 ربيعاً، تعلم أنّ جلوسها مع جدّها الثمانيني على شرفة منزلهما في بلدة حانين ستكون الأخيرة، تبادلت الطفلة الضحكات والأحاديث مع جدّها قبل وقت قليل من الغارة الإسرائيلية التي استهدفت المنزل الواقع في وسط البلدة، وأدّت إلى مقتل العمة مريم قشاقش وجرح خمسة آخرين، هم: الجَدّ وزوجته الثمانينية وثلاثة أحفاد وصفت جراحهم بالمتوسطة.
رفضت عائلة قشاقش المغادرة منذ بداية الحرب، فضّلت الصمود في البلدة الأحبّ إلى قلبها، مرّت أيام الحرب الطويلة ثقيلة عليها ككلّ الذين قرّروا الصمود في قريتهم الواقعة عند خطوط المواجهة الأولى. لا تبعد البلدة كثيراً عن عيتا الشعب التي شهدت أعنف هجوم جوي منذ بدء الحرب، على غرار الاعتداءات المتكرّرة التي طالت حانين ودمّرت الكثير من منازلها وألحقت أضراراً كبيرة في العديد من البيوت وفق مختار البلدة منيف عبّاس. من وجهة نظر أبناء حانين أنّ «المجزرة التي ارتكبها العدوان الإسرائيلي ليل الثلثاء، تندرج في سياق سياسة الرعب الذي يحاول العدوّ إدخاله إلى القرى الجنوبية».
تكاد تكون الحياة شبه طبيعة في هذه البلدة، وحده الحزن يلفّ سكانها، يشدّدون على فشل «الاستراتيجية الإسرائيلية في تهجيرهم»، فهم كما يقول عباس «صامدون حتى النفس الأخير، ولن تدفعهم حماقات الإسرائيليين إلى ترك البلدة». عصر ذاك اليوم المشؤوم، كانت الجلسة الأخيرة لعائلة قشاقش، عادة ما يجلس الجدّ والجدّة مع أحفادهم الثمانية وابنتهم مريم التي قضت مع سارة في الغارة.
لا يتعدّى تعداد المقيمين في حانين أكثر من 120 عائلة، الغالبية غادرت بسبب الحرب. لا يختلف مشهد الدمار هنا عن باقي قرى الجنوب الحدودية المئة، الدمار واحد، ليس الأمر بغريب على حانين التي كانت مدمّرة بالكامل قبل «تحرير الـ2000» وأعاد أهلها، كما يقول المختار إعمارها، لتُدمّر مرة ثانية في حرب تموز 2006، وأعادت دولة الكويت بناء منازل البلدة. وأشار عبّاس إلى أنّ «المشهد يتكرّر اليوم، ولكن بعنف أكبر، لأنّ الجيش الإسرائيلي «يستخدم أسلحة أكثر تدميرية من تلك التي استخدمها في عدوان 2006».
توصف حانين بأنّها «مصيف جنوبي»، تتغنّى بأحراجها وجمالها الطبيعي، وأيضاً بمحميتها التي رفعت فوق تلّتها «برج الكويت»، كعربون وفاء للكويت. تتعرّض هذه الأحراج لقصف وغارات يومية وحرائق فوسفورية، فإسرائيل بحسب عبّاس «تتقصّد تحويل المنطقة أرضاً محروقة، حتى القطاع الزراعي الذي يعتمد عليه سكان البلدة في معيشتهم دُمّر بالكامل».
أثّرت الحرب كثيراً على حياة سكان القرى الحدودية، حالت دون وصول الكثير من الإمدادات الحياتية إليهم بسبب خطورة الطريق، ما دفع من بقي هناك للاعتماد على المونة البلدية، التي شكّلت ركن الحياة اليوم». لا يتردّد عبّاس في تأكيده «أن الحياة طبيعية في البلدة، باستثناء وقت الغارات، حينها يتخذّ الكل الحيطة والحذر، لأننا نتعامل مع عدوّ حاقد». حتى رفع النفايات من الطرقات لم يتوقف، وما زالت البلدية، رغم شحّ مواردها تقوم بمهامها تجاه الصامدين في البلدة وتوفّر ما أمكن من خدمات تساعدهم على الصمود.
وأشار إلى أنّ «إنجاز معاملات المواطنين لم يتوقف أيضاً»، وأنه يواصل عمله في إنجاز كل الطلبات التي ترده، وتحديداً معاملات الطلاب للامتحانات الرسمية، فدائرة نفوس بنت جبيل لم تقفل وما زالت تواصل عملها برغم كل مخاطر الحرب، وهو أمر يؤكد عليه عبّاس، بل يشدّد على أنه سيبقى ينجز المعاملات بقدر ما تسنح الظروف بذلك».
إلى ذلك، تتحضّر حانين لتشييع العمة وابنة شقيقها اليوم بموكب مدني سيشارك فيه أبناء البلدة الذين سيعودون لهذه الغاية، سيتفقّدون ممتلكاتهم المدمّرة والمهملة، إذ يُشكّل تشييع ضحايا الحرب فرصة لأبناء تلك القرى للعودة، ونسيان معاناة النزوح القاسية وظروفها المأسوية ولو لساعات.
المصدر : نداء الوطن