آخر تطورات قضية “الكاهن المتحرش” !
كتبت صحيفة ” الأخبار “:
لسنوات، اطمأنّ أهالي بلدة القبيات العكارية وهم يرسلون أولادهم للعب «بأمان»، بعيداً عن السيارات، في الباحة الواسعة لكنيسة سيدة الغسالة، قريباً من راعي الكنيسة الخوري جوزيف البيسري الذي يتولى «تنشئتهم» على التعاليم المسيحية. خارج حرم الكنيسة، يُعرف البيسري بـ«الأب الحنون» الذي يحلّ مشاكل رعيته ويساعد الفقراء ويقدّم الهدايا وصناديق الإعاشة. صباحاً، يؤدي الخوري «رسالته» في مدرسة القلبين الأقدسين في عندقت وثانوية عيدمون الرسمية، حيث يعلّم مادة علوم الحياة «الحساسة» لمراهقين في المرحلة الثانوية.كانت هذه صورة الكاهن النموذجية في أذهان أبناء بلدتَي القبيات وعندقت في عكار، قبل أن تخرج إلى العلن ادّعاءات تتهمه بالتحرّش الجنسي بقُصّر أثناء تأدية أعماله الكهنوتية والتدريسية وتصويرهم وابتزازهم. أول المدّعين روى ما تعرّض له من تحرّش على مدار 12 عاماً لخوري في بيروت، فنصحه الأخير بأن يخبر خوري البلدة عما جرى معه، خصوصاً أنّ المتهم لا يزال يعمل مع القُصّر.
وبالفعل، تقدّم الشاهد الأول بادّعاء لدى أبرشية طرابلس مطلع كانون الثاني عام 2023، لكنّ أحداً لم يتحرك حتى آب الماضي، بعدما ادّعى شاهد آخر بأن «أستاذ البيولوجي» ابتزّه بـ«طلبات غير لائقة» لينجّحه في الامتحان. عندها أُوقف البيسري عن ممارسة أعماله الكهنوتية والرعوية، وفُتح التحقيق في المحكمة الروحية، وشكّل المطران يوسف سويف، رئيس أساقفة أبرشية طرابلس المارونية، لجنة للتحقيق أحيط عملها بسرية تامة. إلا أن توالي ادّعاءات أخرى تؤكد مصادر أن أكثر من عشرة أشخاص تقدّموا بها، وخروج القضية إلى الإعلام، أجبرا أمانة سرّ المطرانية على تمديد وقف أعمال البيسري الكهنوتية والرعوية لفترة زمنية غير محدّدة، في بيان رسمي نشرته في 26 الجاري. ما كان كافياً ليصدّق الأهالي الاتهامات، خصوصاً مع انتشار كثير من الصور والتسجيلات التي توثّق عمليات تحرّش داخل مكتب الكاهن في الكنيسة، بحجة أنه يحضّر لرسالة دكتوراه تتطلّب أخذ بعض القياسات في جسم إنسان عارٍ.
وحتى بعد قرار مطرانية طرابلس المارونية وقف أعمال البيسري الكهنوتية والرعوية، لم يكن التعبير عن الاستياء مسموحاً، فتعرّض كثيرون للضغط لمحو ما كتبوه على مواقع التواصل الاجتماعي حول «ممارسة الفاحشة في حرم الكنيسة».
يرفض رئيس لجنة التحقيق في الأبرشية المونسنيور شربل أنطون الحديث عن التحقيقات «السرية» مكتفياً بالقول: «لا تقلقوا، القرار الذي اتّخذته مطرانية طرابلس المارونية بحق البيسري محقّ ونحن نعيش في ظل العدالة». وعمّا إذا كانت تهم التحرّش غير كافية لسحب صفة الخوري عن أحدهم، يجيب: «ليس بالضرورة، ولا يجب استباق نتائج التحقيق النهائية». فيما يلفت رئيس الديوان الأسقفي في أبرشية طرابلس الخوري جو رزق الله إلى أن «البابا فرنسيس هو من يسحب صفة الخوري حصراً عندما تثبت التهمة، وهذه عقوبة تُسمى الحطّ من الدرجة أو الإعادة إلى الحالة العلمانية»، مشيراً إلى أنه «لا حصانة في المحكمة الروحية، فعندما لا تمتلك المحكمة الكنسية دلائل كافية حيال قضية ما، قد تنصح بالتوجه إلى المحاكم المدنية، خاصة في الأمور التي تتخذ طابعاً مدنياً».
التحقيق، بحسب رزق الله، «مستمر في المحكمة الروحية». فيما دخل القضاء المدني على الخط من خلال دعوى تحرّش ضد البيسري، وسط تأكيد مصادر في القبيات أن هناك شهوداً آخرين لا يزالون متردّدين في تقديم إفاداتهم.
«التربية»: استجابة متأخّرة؟
طوال الأشهر الستة من التحقيق في أبرشية طرابلس المارونية، ورغم تعليق الأعمال الكهنوتية والرعوية، بقي أستاذ علوم الحياة يمارس مهامه التعليمية في مدرسة القلبين الأقدسين في عندقت وثانوية عيدمون الرسمية حتى يوم الجمعة الماضي، فيما طلبت مديرة مدرسة القلبين الأقدسين من الأساتذة «التضامن مع زميلنا».
مصادر وزارة التربية أكّدت أن «الوزارة لم تكن على علم بالقضية قبل إثارتها في الإعلام، وفور معرفتها أرسلت فريقاً للدعم النفسي الاجتماعي لدعم الضحايا في مدرسة القلبين على أن ترسل آخر إلى ثانوية عيدمون، بالتوازي مع فتح تحقيق إداري في الوزارة». بما يعيدنا إلى المعضلة نفسها، وهي عدم توفير الحماية للأطفال والقُصّر، ولا سيما في المدارس، والتدخل المتأخر بعد وقوع الجريمة.
وبحسب مصادر وزارة التربية، «يصل الملف اليوم إلى مصلحة الأحداث في وزارة العدل، لأن الوزارة لا تنتظر ورود شكوى حتى تتحرّك قضائياً في قضايا تحرّش بحق التلامذة، وتتعاطى مع المدّعى عليه كأستاذ وليس كراهب».