هل يكون القرار 1701 الضحية الأولى للتطورات الحدودية؟
هل تتحقق تنبؤات بعض المحللين ويكون القرار الاممي الرقم 1701 أولى ضحايا حرب غزة وتداعياتها الدراماتيكية على الساحة الجنوبية حيث تسود مندرجات هذا القرار منذ عام 2006 وصولا الى اليوم؟
لاريب في أن مذكرة نواب المعارضة الى قمة الرياض والتي طالبت جهاراً بإعادة تطبيق هذا القرار والالتزام بمفاعيله ومندرجاته، لم تكن وحدها الباعث على إثارة هذا السؤال، اذ ان هذا الحراك من جانب تكتل وازن من 31 نائبا يمثلون اطيافا معارضة تطرح نفسها مع القوى التي تمثلها حارسا لهذا القرار ومدافعا شرسا عنه، أتى ايضا في سياق موجة مخاوف سرت اخيرا سريان النار في الهشيم من إمكان بطلان هذا القرار، وأتى ايضا وايضا في سياق حملة دعوات للحفاظ على بقائه معمولا به ومرعيّ الاجراء شارك في اطلاقها كل من رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب، اضافة الى قوى المعارضة التي تجمعت تحت شعار ان القرار هو خشبة إنقاذ للبنان من تداعيات الحرب الدائرة وإثبات أممي على ان لبنان ما زال تحت بصر المجتمع الدولي، فضلاً عن كونه مادة الدعوة الى الحيلولة دون انزلاق لبنان الى أتون المواجهات الضارية المفتوحة.
وقد ارتفع منسوب التنبه لأهمية عدم نعي هذا القرار أكثر ما يكون عندما حل الموفد الاميركي الخاص الى لبنان آموس هوكشتاين في بيروت قبل ايام حاملاً عرضين هما عبارة عن دعوتين: الاولى تحذّر جميع من في لبنان من مغبة الانزلاق في مخاطر الحرب وتدعوه الى النأي بنفسه عن هذا الصراع الذي لا يرحم، والثانية تجديد الدعوة الى التمسك بالقرار 1701.
وعموما، صارت هذه الدعوة في الايام التي تلت انطلاق “حماس” في عمليتها “طوفان الاقصى” ملاذاً يلجأ اليه كل الخائفين من تطورات الوضع الملتهب على الحدود، وتحوّله من مواجهات مضبوطة الى حرب مفتوحة تحيي في الذاكرة صورة حرب عام 2006.
كما ان قيادة القوة الدولية العاملة في الجنوب (“اليونيفيل”) اداة التطبيق العملاني لهذا القرار،عكفت اخيرا على بذل جهود استثنائية لإثبات ان هذا القرار مازال قائما وان جنودها يؤدون المهمات الموكولة اليهم بموجبه إنْ من حيث الانتشار على الارض أو لجهة القيام بالاتصالات اللازمة مع المعنيين لخفض منسوب التوتر والحيلولة دون توسع دائرة العنف، مع اظهار قلقها حيال التصعيد الميداني اليومي الذي برأيها ينطوي على مخاطر واحتمالات.
إلا ان ذلك على بداهته لم يكن ليبدد الهواجس ولم يكن مبشّرا ونذيرا بأن الامور ستبقى مضبوطة وتحت السيطرة من جهة، ولم يكن مانعاً للمعلومات التي اشارت الى ان هذه القوة قد انكفأت مرغمة. وعموما كانت هذه القوة مضطرة الى التذكير عبر الناطق بلسانها بأنها عاكفة على تسيير دورياتها على طول “الخط الازرق” وفي كل بقعة عملها.
لكن كل هذه التوضيحات المقرونة بتلك الجهود لم تحل دون واقعين يمكن رؤيتهما بالعين المجردة:
الاول، ان اندلاع شرارة الحرب في غزة قد عززت الفرص أمام “حزب الله” للاطاحة بهذا القرار أو على الاقل تجميد مفاعيله العملانية، اذ في لحظة واحدة صارت المنطقة الحدودية مسرحا لأنشطة عسكرية متنوعة مما حدا بكثيرين الى استعادة صورة الوضع الذي كانت عليه المنطقة الحدودية غداة إنفاذ ذلك القرار في صيف 2006. وقد اضيف الى المشهد ظهور اسلحة جديدة لم تكن موجودة سابقا (صواريخ “بركان” ومسيّرات…).
وزاد المشهد تعقيدا ظهور فصائل فلسطينية (“حماس” و”الجهاد”) وقوى لبنانية (“الجماعة الاسلامية” وحركة “امل”…) تتحرك وتنفّذ عمليات عسكرية، ما أسقط حتى مفاعيل الاجتياح الاسرائيلي الواسع للبنان في صيف العام 1982.
الثاني، أمام كل هذا المشهد لم يتوانَ الإسرائيليون عن الاعراب عن غضبهم مما وصفوه بـ “الاداء المتعثر والضعيف والمربَك” لـ”اليونيفيل” أمام هجمة “حزب الله” وحلفائه.
وفي المعلومات ان الجهة الاسرائيلية المكلّفة الاتصال مع “اليونيفيل” اقفلت فجأة قبل ايام الخطوط بوجه قيادة هذه القوة احتجاجا لأيام عدة، ما أجبر هذه القيادة على التواصل مع مرجعيتها في نيويورك طالبة التدخل. وبعد ضغوط منها قبلت تل أبيب بإعادة فتح خطوط الاتصال والتنسيق.
واللافت ان هذا الاجراء أتى بعدما سقطت قذائف من الجانب الاسرائيلي كما تبين لاحقا على مقر “اليونيفيل” المركزي في الناقورة، وهو ما عُدّ رسالة.
ولاحقاً اعتبر البعض ان القوة الدولية خاضت تجربة صعبة وخطرة تنزّه نفسها عن تهمة الانكفاء والاختباء والتقاعس عن اداء مهماتها، اذ في اواخر الاسبوع الماضي سُجل دخول دورية لـ”اليونيفيل” الى بلدة الرمادية – قضاء صور من دون مواكبة من الجيش، فما كان من “الأهالي” إلا ان حاصروها الى ان أتت قوة من الجيش وعملت على فك الحصار وسحب الدورية. وبحسب معلومات مصادر معنية فإن ثمة اتهاماً وُجه الى قيادة الكتيبة الفرنسية المشاركة بانها هي التي تقف وراء هذا الفعل، خصوصا انه يحق لها بموجب انظمة “اليونيفيل” التحرك ساعة تشاء كونها “قوة احتياط” في كل بقعة انتشار القوة.
وكان المُراد الضمني من هذه الحركة الآتي:
- جسّ نبض قوى الامر الواقع بعد المستجدات الاخيرة.
- تهدئة وتيرة الغضب الاسرائيلي.
- اثبات ان القوة الدولية ما انفكت حاضرة تؤدي مهماتها وتدحض كل ما يشاع عن انكفائها.
وعلى ما يبدو، فان قوى الامر الواقع قد استوعبت الموقف وحالت دون ان تتطور الامور الى مشكل، لكنها حذرت من يعنيهم الامر من مغبة تكرار هذا الفعل.
وبصرف النظر عن مآلات الوضع الحدودي، فالواضح ان “حزب الله” ينفي نفيا قاطعا وفق مصادر على صلة به ان يكون في وارد فتح “مواجهة” عنوانها المطالبة بالغاء القرار 1701 بناء على الاعتبارت الآتية:
- انه يعتقد ان التطورات الدراماتيكية المتسارعة قد ابطلت مفاعيل هذا القرار واسقطت تلقائيا مخاوف الحزب منه، خصوصا بعد التعديل الاخير في طبيعة هذا القرار والذي قوبل باعتراض منه.
- ان وجود القوة الدولية له عوائد ايجابية على لبنان، فهو من جهة الدرع التي تتحصن بها الدولة لإظهار تجاوبها مع الشرعية الدولية والتزامها بمقرراتها، ومن جهة اخرى فان لوجود القوة فوائد اقتصادية ومالية على الجنوبيين.
واذا كان المعنيون في بيروت يبدون حرصاً على القرار الاممي، فان ثمة من يخشى ان يأتي مطلب انهاء عمل القوة الدولية من مصادر اخرى، خصوصا بعدما انوجد اخيرا من يسأل ما هي الفائدة التي جناها المجتمع الدولي وهو دفع الى الآن مبلغ 8 مليارات دولار كلفة انتشار القوة في الجنوب منذ عام 16 عاما (موازنتها الشهرية 50 مليون دولار خُفضت اخيرا على نحو بسيط) لكنها لم تؤدّ مهمتها الاولى وهي منع الحزب من اعادة تسليح نفسه ونشر مقاتليه جهارا، ولم تحل دون اشتعال المواجهات اخيرا على طول الحدود بين لبنان والكيان الصهيوني.
وعليه يصبح مشروعا السؤال الاستهلالي، وفحواه: هل تطيح التطورات الامنية الاخيرة القرار 1701 ليصير أولى ضحاياها؟
النهار