خاص: خطاب نصرالله ليس الأخير والحساب مفتوح.. رسائل غامضة ومعادلات خفيّة
من الصعب إيجاز كل خفايا ورسائل وأبعاد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بمقالة واحدة، بل يحتاج للتبحُّر أكثر بفحوى المعادلات لاستخراجها من الأعماق، لكن يُمكن تسجيل النقاط التالية شكلاً ومضموناً:
*في الشكل: تدّل تعابير وجه نصرالله (وضعية جلوسه وعقد الحاجبين والنظرات الثاقبة الغاضبة والنبرة المرتفعة التي رافقت كل وقت الخطاب) على أنه يعيش في حالة منذ 7 تشرين الأول، ويقود العمليات العسكرية في جبهة الجنوب بشكلٍ مباشر، وهو شريك إسنادي – حربي لجبهة قطاع غزة، إضافة الى مهمته كرئيس غرفة العمليات المشتركة لمحور المقاومة. ثانياً حالة الحزن والغضب والغصة تعتري مُحياه على مشهد جرائم الإبادة والهمجية والوحشية الإسرائيلية بحق أهالي غزة وأطفالها ونسائها، كما تكشف تعابير يديه بأن المعركة طويلة وأن المقاومة في لبنان كما محور المقاومة أعد العدة واستعد لكافة الإحتمالات والفرضيات من ضمنها توسيع جبهة الجنوب والحرب الإقليمية.
في قراءة للغة الجسد فإن نصرالله يتحدث بفائض من الثقة والقوة واليقين بالنصر القريب، ويدل أيضاً بأن أمين عام حزب الله هو الرابط ما بين قيادات الجبهات في محور المقاومة والعليم بما تملكه كل جبهة من خفايا وأوراق ومفاجأت ميدانية ومقومات وحدود للإنخراط في الحرب، وتتجمع كل المعطيات ومجريات الحرب العسكرية والسياسية والإعلامية في مختلف الجبهات وتصبّ في غرفة العمليات في بيروت التي يقودها “السيد”.
وكما أدى غياب نصرالله إعلامياً أول ثلاثة أسابيع من الحرب في غزة أهدافه كجزء من الحرب النفسية، وكذلك الإعلان عن الإطلالة قبل ستة أيام وما تخلله من نشر فيديوات ومشاهد خفية للسيد للتحضير للإطلالة، كانت إطلالته اليوم جبهة نفسية إعلامية مفتوحة على الإسرائيليين وأصابتهم بمقتل.
في المضمون: شبه نصراللله الحرب على غزة بالحرب على لبنان في تموز 2006 رغم بعض الفوارق الزمنية والعسكرية والسياسية والجغرافية، لكنه كان يعطي حماس والفلسطينيين عبرة بأن الصمود والصبر في الميدان رغم الآلام والجراح التي أثخنتهم، ستكون نتيجته طبيعية للنصر المؤزّر والمحتم في نهاية المطاف. وهذا سيرفع معنويات المقاومة والشعب في غزة وفلسطين ويمنحهم جُرعات إضافية من الصبر والصمود والثبات والقتال في الميدان.
واضح أن “السيّد” يلعب على عامل الوقت، الذي هو عامل قاتل لـ”إسرائيل”، بينما هو أحد عوامل الانتصار للمقاومة.. فيكفي أن تستمر حماس في القتال الشرس بالوتيرة نفسها لوقتٍ اضافي وتكبيد الجيش الاسرائيلي المزيد من الخسائر وأن يبقى التلاحم بين أهل غزة ومقاومتها موجوداً، يكفي لإسقاط الأهداف الأميركية الاسرائيلية، ما سيدفع واشنطن وتلأبيب للبحث عن مخارج لإنهاء الحرب للحد من الخسارة الاستراتيجية للكيان والنفوذ الأميركي في المنطقة في آنٍ معاً، وهذا كفيل بتحقيق الإنتصار للمقاومة.
حمّل نصرالله الأميركيين مسؤولية استمرار الحرب على غزة، ما يعني منح الضوء الأخضر للمقاومة الاسلامية في العراق لتصعيد العمليات ضد الأهداف والقواعد والمصالح الأميركية في المنطقة، وكشف أن المقاومة العراقية ستبدأ مرحلة جديدة من العمل العكسري ضد الأميركيين، ما يعني أنها لن تبقى في إطار الاستهداف الجوي الصاروخي، بل الى هجمات عسكرية برية وربما إنتحارية واقتحام لقواعد أميركية وأسر جنود أميركيين، ما سيدفع الإدارة الأميركية الى سحب القوات الأميركية من العراق وسوريا، كما انسحبوا مكرهين تحت ضغط المقاومة من العراق وأفغانستان.
ردّ نصرالله على كل الذين يُقللون من أهمية العمليات العسكرية للمقاومة في الجبهة الجنوبية ويطلبون المزيد، بأن ما يجري لم يحصل على الجبهة الجنوبية منذ نشأة الكيان 1948 وحتى في حرب تموز 2006، وقدم شرحاً بالأرقام عن أهمية نتائج الجبهة الجنوبية على العدو وجيشه، وذيّل حديثه بتعهد بأننا “لن تكتفي بهذا المستوى من العمليات”، رغم أهميته الكبيرة لكنه استخدم سلاح “الغموض البناء” وأبقى هامش المستوى مفتوحاً وغامضاً، ولم يعطِ اي اطمئنان وأمان للأميركيين والإسرائيليين، لكن المدخل الوحيد لهما لتجنب توسع جبهة الجنوب هو وقف الحرب على غزة.
بمعزلٍ عن الأوراق التي يملكها حزب الله، لكن “السيد” لم يرفع سقف الأهداف، بل وضع سقف الحد المعقول والمقبول، ولم يُحدد بنك الأهداف لكي يترك هامشاً للتحرك كون الحرب المركزية هي في غزة وليس في جنوب لبنان، وربط توسيع الجبهة الجنوبية بأمرين: حرب اسرائيلية استباقية على لبنان، وتطورات الميدان في غزة، ما يعني أنه لم يُلزم نفسه بمستوى معين من العمليات في الجنوب في الأيام المقبلة، كما لم يكشف أوراقه للعدو، رغم الجهود الديبلوماسية الأميركية والغربية والعربية لمعرفة إلى أي مستوى قد يصل حزب الله بالجبهة الجنوبية، ما يدفع الإسرائيلي للعد للألف قبل شن عدوان على لبنان مستفيداً من الدعم والحشد الاميركي والدولي.
المعادلة الأهم كانت ردع الأميركيين وأساطيلهم في البحر المتوسط بقوله: “أساطيلكم التي تهددون بها لقد أعددنا لها عدتها أيضًاً”، ما يعني أن الأسطول الأميركي في المتوسط في مرمى أهداف المقاومة عند أول صاروخ أميركي على لبنان.
لن يكون خطاب نصرالله هو الأخير ولم ولن يقفل حساب الرسائل والمعادلات، فعلى حكومة الحرب وإدارة البيت الأبيض أن يعتادوا على ثقل الانتظار ومضضِه للإطلالات المتكررة والطويلة لنصرالله كجبهة منفردة مختصة بالحرب النفسية والمعنوية، وسيستعيدون ذكرى إطلالاته في الـ2006.