تخبّط وعشوائية في احتساب ضرائب الرواتب
ورد في مشروع قانون الموزانة العامة 2024 بند استثني فيه تقاضي الدولة اللبنانية بدلات بالعملة الوطنية، أبرزها الضريبة على الرواتب والأجور التي تستحق بالعملة الأجنبية. وبذلك ستُضاف تلك الحصيلة الى واردات الدولة بالعملة الأجنبية التي تجنيها من الرسوم والضرائب مثل رسوم المطارات والمرافئ، وتلك التي قد تستوفيها مؤسسة الكهرباء… لتزيد من رقعة عائداتها بالعملة الأجنبية وتفادي التحويل من قبل مصرف لبنان من العملة الوطنية الى الدولار.
في المادة 25 من مشروع قانون الموازنة تمّ تعديل المادة 63 من المرسوم الإشتراعي رقم 144 الصادر عام 1959 وتعديلاته قانون ضريبة الدخل. لتصبح كما يلي:
«على ربّ العمل أن يقتطع الضريبة على الرواتب والأجور التي يدفعها الى الأجير، وان يؤدي المبالغ المقتطعة الى الخزينة بالعملة ذاتها التي دفعت فيها تلك الرواتب والأجور كل ثلاثة أشهر في موعد لا يتعدّى الخامس عشر من الشهر الذي يلي الثلاثة اشهر المعنية. ومن أجل احتساب الضريبة المتوجبة على الرواتب والأجور المدفوعة بالعملات الأجنبية وتسديدها يتمّ تحويل الرواتب والأجور الى الليرة اللبنانية وفقاً لأحكام المادة 35 من القانون النافذ حكماً رقم 10 تاريخ 15/11/2022، ثم يتمّ تحويل الضريبة المحتسبة الى العملة الأجنبية التي دفعت فيها الرواتب والأجور بحسب سعر الصرف المحدّد في المنصّة المعتمدة من مصرف لبنان».
طريقة احتساب الراتب: علّق المحامي كريم ضاهر لـ»نداء الوطن» على بنود الموازنة حول ضريبة الدخل فقال: «من الواضح في الموازنة أنه على المستخدم الذي يتقاضى راتبه بالدولار أن يسدّد ضريبة الدخل بالعملة نفسها».
أما عن طريقة الإحتساب فتتم استناداً الى ضاهر «وفقاً للمادة 25 المذكورة آنفاً والتي عدّلت قانون ضريبة الدخل بالمادة 63 وليس 43 كما ورد خطأً في الموازنة، فتتمّ بتحويل المبلغ وفقاً لسعر الصرف المحدد بالمادة 35 في قانون موازنة 2022 والتي أشارت وفقاً للسعر الفعلي.
إلا أن وزير المال أصدر وقتها قرارات بالسعر الفعلي بعد 7 ايام من صدور الموازنة في 23/11 بينها القراران 686 و 687 حيث احتسبه فيه على اساس «صيرفة»، ثم تراجع عنهما. وأصدر قرارات في كانون الثاني 2023 للرواتب والأجور، أشار فيها الى أن كل من يدفع شيكاً يحتسب على 8000 ليرة وكل ما يدفع «فريش» دولار يحتسب على 15 ألف ليرة الذي اصبح سعر الصرف الرسمي».
وأضاف: «اليوم يعتمدون على المادة 35 من موازنة 2022 وهو 15 ألفاً، اذ سيعتمدون في ما بعد سعر «صيرفة»، ولكن سيحافظون على المبدأ نفسه المتبع لاحتسابها على أساس الشطور. فالآلية تختلف عما إذا كانت تحتسب على سعر السوق بالنسبة الى الدولار. وأعطى ضاهر مثلاً على ذلك، اذا كان راتب الموظف النقدي 2000 دولار يتمّ ضربه بـ15 ألف ليرة مثلاً، وليس سعر صرف السوق أي ما يعادل 30 مليون ليرة ويقسم على 12 شهراً وتحتسب الضريبة وفقاً للشطور».
الدولة بين شاقوفين: وشدّد على أن «الدولة واقعة بين شاقوفين، الأول من يقبض بالليرة لا يستطيع تقسيم الشطور اكثر من ذلك فتصبح الضريبة غير عادلة. ومن يتقاضى بالدولار يتكبد ضريبة أعلى بكثير اذا احتسب على صيرفة او سعر السوق من تلك التي تسدد رغم أن دخل الطبقة المتوسطة يعتبر محدوداً. فراتب شهري بقيمة 2000 دولار في ظلّ التضخم الآخذ بالزيادة بالدولار، ليس مبلغاً كبيراً لربّ أسرة بل هو بالكاد يكفي لمعيشة عائلة لديها اولاد. وتسديد هذا الحجم من الضريبة سيخلق مشكلة كبيرة للمواطنين وستتبعه ردّة فعل على صعيد التهرّب الضريبي». مشيراً الى أن «وزارة المال تحاول قدر المستطاع الإبحار في البحر الهائج وتجنب المطبات، ولكن ذلك لا يوصلنا الى عدالة ضريبية أو جدوى فعلية لأن طريقة الإحتساب ستتسبب بالضرر لفريق ما».
ضريبة رواتب الدولار غير مجحفة: وفي السياق علّق الباحث القانوني صادق علوية خلال حديثه الى «نداء الوطن» عن العدالة الضريبية في احتساب ضريبة الدخل على الرواتب بالليرة وبالدولار وفق مشروع موازنة 2024، فاعتبر أنها «تبدو غير مجحفة لمن يتقاضى راتبه بالدولار».
وقال «إذا كان راتب العامل بالدولار، فإن قيمة ضريبة الدخل عليه أقل من ضريبة ذلك الذي يحصل على راتبه بالليرة اللبنانية، فحاكم مصرف لبنان ووزير المال أصدرا قراراً بتخمين الراتب الدولاري على أساس 15 ألف ليرة، ما خلق تفاوتاً كبيراً بين هؤلاء وبين من يتقاضى راتبه بالليرة».
وفي مشروع موازنة 2024 أشار علوية الى أن «وزارة المالية ترغب في إخضاع الرواتب بالدولار حسب عملة الراتب أي بالدولار عبر أسس احتساب غريبة لم يسبق ان اعتمدتها دولة». من هنا يرى أنه «على الحكومة أن توحّد أسس الاحتساب بين الرواتب بالدولار وبالليرة».
فمشروع الموازنة إستناداً الى علوية أورد ضرورة استيفاء الضريبة من الرواتب المدفوعة بالعملة الاجنبية حيث يتم تحويل الراتب الى الليرة على أساس 40% من سعر الصرف على منصة «صيرفة»، ثم يتمّ تحويل الضريبة المحتسبة الى العملة الاجنبية التي دفعت فيها على اساس سعر صرف منصة «صيرفة». ثم عاد مجلس الوزراء وعدلها وطلب دفع الضريبة على الرواتب والاجور التي تستحق بالعملة الاجنبية بنفس عملة الراتب اي بالدولار وفق سعر الصرف الخاص الذي يحدده مصرف لبنان ووزير المال وهو حالياً 15 ألف ليرة، إنها الملغصة الحكومية التي تتجلى بأسوأ القرارات».
وفقاً لاحتساب أسعار الصرف: وفقاً لخبير المحاسبة المجاز جمال ابراهيم الزغبي «إن ضريبة الدخل للرواتب والاجور خضعت لتعديلات عدّة منذ بدء الازمة وخاصة في موازنة 2022، ولاحقاً في موازنة 2023 وكذلك في موازنة العام 2024 والتي لم تقرّ بعد».
وقال لـ»نداء الوطن»، «كان للرواتب المدفوعة بالعملات الاجنبية حيّز في ذلك حيث أقرت موازنة 2022 تسعير الدولار الاميركي للرواتب بسعر 15000 ليرة لبنانية. وبالتالي يتم تحويل المبالغ المدفوعة بالدولار الاميركي الى الليرة اللبنانية بسعر 15000 ليرة للدولار الواحد. ومن ثم يتم احتساب الراتب السنوي بالليرة اللبنانية ويتم إجراء التنزيلات الشخصية والعائلية للموظف، ثم تفرض الضريبة على المبلغ الصافي بعد التنزيلات العائلية للموظف وذلك وفقاً للشطور الضريبة لضريبة الرواتب والاجور».
تخسر الدولة؟ وبما أن الرواتب المدفوعة بالعملات الاجنبية التي تدفعها الشركات والتي حدّدت لها آلية خاصة، وهي غير تلك التي تدفع بالعملة المحلية وذلك من خلال المادة 26 من قانون موازنة العام 2024 كما حصل في موازنة العام 2022 ايضاً، وحدّد في موازنة 2022 أن يكون الدولار بسعر15000، اعتمد في موازنة 2024 النصّ التالي: «يتم تحويل الضريبة المحتسبة الى العملة الاجنبية التي دفعت فيها الرواتب والاجور بحسب سعر الصرف المحدد في المنصة المعتمدة من مصرف لبنان».
ومن هنا «إذا تمّ اعتماد سعر 15000 ليرة في العام 2024، فسيكون ذلك بمثابة خسارة كبيرة تتكبدها الدولة اللبنانية وذلك في ظل تعديل التنزيلات العائلية وتعديل الشطور الضريبية. ولن يكون هنالك عدالة ضريبية بين من يتقاضى أجره بالليرة اللبنانية ومن يتقاضى اجره بالعملة الاجنبية حيث سيتحمل من يتقاضى اجره بالليرة اللبنانية اضعاف ما يتحمله من يتقاضى اجره بالعملة الاجنبية، الا اذا تم احتساب الضريبة على نفس سعر الصرف المعتمد لتحويلها الى العملة اللبنانية على ان تسدد بالعملة الاجنبية».
العدالة الضريبية: أما في حال اعتماد سعر «صيرفة» في تحويل الرواتب والاجور وبالتالي احتساب الضريبة بنفس الطريقة، عندها يقول الزغبي تتحقق العدالة الضريبية بنسبة كبيرة بين من يتقاضى أجره بالليرة اللبنانية أو من يتقاضاها بالعملة الاجنبية ويكون الفارق ضئيلاً نسبياً، وبالتالي ستحقق الدولة اللبنانية إيرادات بالعملات الاجنبية من جراء استيفاء ضريبة الرواتب بالعملة ذاتها التي دفعت بها. وستحقّق العدالة الضريبية بنسبة كبيرة ولكن سيتحمل من يتقاضى راتباً مرتفعاً، ضريبة مرتفعة ايضاً، ومن يتقاضى بالدولار سيحوّل الراتب على سعر «صيرفة»، عندها سيخضع للشطور المرتفعة وبالتالي ضريبة مرتفعة».
مثال راتب 2000 دولار: واذا استخدمنا المثل نفسه الوارد سابقاً كأن يتقاضى موظف راتباً بقيمة 2000 دولار نقداً، فاذا احتسب وفق سعر صرف 15000 ليرة للدولار، تكون قيمته 30 مليون ليرة. بينما وفق سعر منصة «صيرفة» يقول الزغبي «سيكون راتبه الشهري 171 مليون ليرة، أما على سعر السوق السوداء فسيكون 189 مليون ليرة. وبالتالي كلما وصلنا الى مستوى أعلى بالصرف كلما زاد الراتب الشهري وبالتالي السنوي، مما سيؤدي حتما إلى زيادة الضريبة إستناداً الى الشطور الضريبية. وبالتالي تتحقق العدالة بين الأفراد و تزداد إيرادات الدولة من هذه الضريبة. في الجهة المقابلة سيتحمّل الموظف الذي يحتسب راتبه على منصة «صيرفة» عبئاً ضريبياً مرتفعاً جداً عن العام السابق حين تم احتساب الراتب وفق سعر صرف 15000 ليرة». اذا لغاية الساعة، العدالة الضريبية لن تتحقّق في ضريبة الدخل على رواتب «الدولار» و»اللبناني»، إلا اذا تمّ احتساب راتب الدولار على سعر «صيرفة» أو سعر الصرف، عندها ستحتسب الضريبة تصاعدية وستكون مرتفعة.
معدّل الضريبة على الدخل وفقاً للشطور: حدّد معدّل الضريبة بالنسبة الى الرواتب والأجور كما يلي:
– 2 % من الواردات الصافية الخاضعة للضريبة التي لا تتجاوز 70 مليون ليرة.
– 4 % عن الواردات الصافية الخاضعة للضريبة التي تزيد عن 70 مليون ليرة ولا تتجاوز 170 مليون ليرة.
– 7 % عن الواردات الصافية الخاضعة للضريبة التي تزيد عن 170 مليون ليرة ولا تتجاوز 330 مليون ليرة.
– 11 % عن الواردات الصافية الخاضعة للضريبة التي تزيد عن 330 مليون ليرة ولا تتجاوز 650 مليون ليرة.
– 15 % عن الواردات الصافية الخاضعة للضريبة التي تزيد عن 650 مليون ليرة ولا تتجاوز 1.300 مليار ليرة.
– 20 % عن الواردات الصافية الخاضعة للضريبة التي تزيد عن 1.300 مليار ليرة ولا تتجاوز 2.440 مليار ليرة.
-25 % عن الواردات الصافية الخاضعة للضريبة التي تزيد عن 2440 مليار ليرة.
على أن يطبق هذا النص اعتباراً من 1 تشرين الأول 2023».
وهذه النسب خاضعة للتعديل، إذ اوردت المادة نفسها أنه «يمكن لمجلس الوزراء تعديل الشطور والتنزيلات بموجب مراسيم تصدر عنه إستناداً الى نسبة التضخم الصادرة عن إدارة الإحصاء المركزي بناء على اقتراح وزير المالية».
باتريسيا جلاد – نداء الوطن