ماذا لو خرج فرنجيّة من المعركة الرئاسيّة؟
راجت في الآونة الأخيرة تكهنات باحتمال أن يبادر رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية من تلقاء نفسه إلى الانسحاب من المعركة الرئاسية، وذلك بعد اعلان سقوط المبادرة الفرنسية بالكامل ونعيها ممن أطلقها.
تزامن الأمر مع تسريب عرض قطري لفرنجية، يضمن له حصة سياسية وازنة في السلطة عبر وزيرين في كافة حكومات العهد المقبل وتمويل مؤسساته مادياً وتحرير وزيره السابق قضائياً من العقوبات.
هذه الخطوات وعلى الرغم من اعلان فرنجية رفضه العرض القطري وتأكيده الاستمرار بترشيحه، وتأكيد الثنائي الشيعي على الأمر ان لا مجال ابداً للتراجع عنه تشير الى ان حركية سياسية تبحث في هذا الاتجاه نتيجة انسداد الأفق بشكل تام.
ففي الداخل مراهنة الثنائي على تغيّير في مواقف “التيار الوطني الحر” بات مستبعداً بعد اعلان المفاوض الاساسي باسمه ان المواضيع المطروحة تحتاج الى نقاشات طويلة وهي غير كفيلة بأي حلّ على مستوى الرئاسة وبالتالي لا مجال للاتفاق حالياً ولا رهان على القوى المسيحية من القوات والكتائب والمستقلين على تغيير مواقفهم.
الانسداد في الداخل يقابله تعثر خارجي، فعلى الرغم من استمرار الموفد القطري في لقاءاته البعيدة عن الاعلام، والتي كثفت في اليومين الأخيرين وتوسعت لتطال اكثر من فريق كانوا مستثنيين في السابق وعودته الى بنشعي اليوم اثر تسريب العرض القطري الّا ان الامور لا تشي بأي تقدم فعلي وسط تشعبات الملف اللبناني الذي تتقاسمه أطراف دولية عدة، وكل طرف يعمل لمصلحته أولا، حتى ان اجتماع اللجنة الخماسية أصبح يحتاج الى وساطات وهو ما يقوم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حالياً.
لا تراهن أطراف أساسية في المعارضة اطلاقاً على تغييرات كبيرة في الموقف الدولي يمكن ان تؤدي الى انفراج، فبرأيها انه ولو تم انسحاب فرنجية، فسنكون أمام عرقلة كبيرة في الحكومة والحصص الوزارية واسم رئيسها، بالاضافة الى التعيينات التي تؤثر على مسار الدولة من قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان الى السلك القضائي بمجمله، فهم الاداة الاساسية لاي رئيس للحكم، فأي اتفاق يجب ان ينشأ بما يشبه سلّة كاملة والّا نكون لا نزال مكاننا.
وبرأيها المتطلبات إقليمية غير متوفرة حتى الآن، أو أن هناك ترقباً للاستعدادات والخطوات الأميركية التي تشهدها المنطقة، من بحر الخليج، إلى العراق، وصولاً إلى الحدود السورية والعراقية، فالاحداث المستجدة في سوريا وكل هذه الصورة لم تتضح حتى الآن حتى ان ما يحدث على مستوى العلاقات الإيرانية – الأميركية، والإيرانية – السعودية، غير متبلورة، كما ان السعودية على الرغم من بعض الاشارات الايجابية لم تعود للعب دورها في لبنان وهي حتى الساعة غير مهتمة بالملف اللبناني وتتعاطى معه على اساس انه ملف جانبي.
تدرك المعارضة جيداً انه طالما ان الظرف الدولي غير مهيأ فإن التسوية الداخلية صعبة، وخصوصاً ان اختلالاً في ميزان القوى لا يزال موجوداً، وان “حزب الله” لن يقدم على هذه الخطوة من دون أثمان كبيرة، وانه الوحيد الذي يملك ترف المراوحة وسط ضغط الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي تطال اللبنانيين فيما هو استطاع بيئته جزئياً عنها.
كما تدرك ايضاً ان رئيساً من خارج رضى “حزب الله” ايضاً خيار مستحيل، ولا بد من توازن داخلي، وهو لا يؤمنه سوى تدخل سعودي مباشر، خصوصاً بغياب المرجعية السنية، فالبعد الوطني، والتوازن الطائفي السياسي يمكن ان يؤثر ويجعل امكانية المشاركة الحقيقية أسهل وخصوصاً اذا ترافق دولي وعربي، والّا ان تنازل الممانعة عن مرشحها ستكون اثمانه غالية عليها، اقله سيكون إضعاف موقع الرئاسة المسيحية، وتسليم “رقبتها” قضائياً ومالياً وخدماتياً للفريق الآخر، بالاضافة الى الدخول بتوليفات كلامية ولفظية وتعهدات فعلية بعدم الاقتراب من السلاح وهو اساس المشكلة.
في المحصلة ان اقدام فريق الممانعة على سحب مرشحه، والقبول بحديث عن مرشح آخر ستكون نقطة الانطلاق الى مسار آخر وطويل ومعارك سياسية وربما غير سياسية اقسى وأصعب اذا لم يواكب بتغييرات جوهرية اساسية ربما تطال النظام بأكمله، وتوافق داخلي ومواكبة اقليمية وهو غير متوافر قريباً.