مصرف لبنان عاجز عن تمويل الدولة.. فهل يلجأ الى بلومبرغ أو تعديل التعميم 158؟
أعلن مصرف لبنان أنّ قيمة موجوداته الخارجية السائلة 8.49 مليارات دولار مقابل مطلوبات خارجية سائلة بنحو 1.29 مليار ليبلغ الصافي 7.2 مليارات دولار، مع الإشارة إلى أن الباقي من حقوق السحب الخاصة 76 مليون دولار فقط. والسؤال المطروح اليوم، كيف سيؤمن مصرف لبنان 100 مليون دولار لتدفع الدولة رواتب القطاع العام وبعض المستحقات الأخرى، من دون أن يقفز سعر الدولار؟ فهل يمكن لمصرف لبنان أن يجمع الدولارات (100 مليون دولار شهرياً ) عبر منصة بلومبرغ.
في البيان ظهر أن موجودات مصرف لبنان السائلة هي 8498 مليون دولار بما فيها الودائع ،بينما رقم المطلوبات السائلة بلغ 1279 مليون دولار بما فيها حسابات القطاع العام بالدولار التي تعهدت السلطة بأن تردها خلال فترة وقد يكون هذا الامر من سابع المستحيلات نظرا للوضع الراهن.
وعليه، تشير هذه الأرقام بوضوح، بحسب الأستاذ الجامعي والخبير المالي بلال علامة، إلى أن مصرف لبنان بات عاجزاً عن تمويل الدولة وغير قادر على الإستمرار بالتمويل خاصة وأن المتوجبات الشهرية المطلوبة تقدر بمئتي مليون دولار أو أقل بقليل موزعة كالآتي: 85 مليون دولار رواتب وأجور القطاع العام. 35 مليون دولار دعم لأدوية الأمراض المستعصية وغسيل الكلى. 20 مليون دولار دعم للرغيف. 10 مليون دولار مصاريف الرئاسات. 10 مليون دولار مصاريف تشغيلية، بالإضافة إلى مصاريف الأسلاك العسكرية في وقت لن تتعدى ايرادات الخزينة بأحسن أحوالها ال 25 مليون دولار شهرياً رغم كل ما تم رفعه ومضاعفته من رسوم وضرائب.
أما الباحث في الشؤون المالية والمصرفية محمد موسى فيعتقد أن المركزي سيلجأ إلى تأمين 80 مليون دولار وتاليا فإن رواتب القطاع العام عن شهر أيلول الحالي ستُدفع بالدولار وفق سعر منصة صيرفة أي حوالي 85500 وبالتالي لا خضة في سوق الدولار طالما أن الأمور لا تزال تحت السيطرة ولكن لا شيء ثابث خاصة مع الحديث عن تحرير ضمني لسعر الصرف في منصة بلومبرغ . ولا شك أن السياسة المالية هي من أساسيات عمل وزارة المال وخطة الحكومة الإقتصادية هي الأساس في أي مضمار لكن لا يمكن، بحسب موسى، إعفاء المركزي من مسؤوليته لضبط سوق النقد، علما أن الثقة تبقى الضابط الأكبر لكنها مفقودة.
أمام ذاك، كيف سيتم تمويل الخزينة شهرياً، وما هي السبل المتوفرة أمام حاكم مصرف لبنان ؟من الواضح أن الرهان يتركز، وفق علامة، على التدفقات المالية الشهرية التي ترد من الخارج للعائلات اللبنانية التي تستعمل الجزء الأكبر منها للاستهلاك، وبالتالي فإن مصرف لبنان يعتمد على جمع هذه التدفقات سواء عبر منصة بلومبرغ أو عبر تعديل التعميم 158 الذي فتح الباب أمام جميع المودعين للإشتراك بسحب 400 دولار نقداً وإعادة استعمالها بحرية بما فيها إيداعاتهم في الحسابات الفريش التي تم استحداثها بموجب التعميم 165.
اما في المقلب الآخر فما زال لدى مصرف لبنان مخزون كبير من الليرات اللبنانية التي عمل على سحبها من السوق في الأشهر السابقة وقد قدرت المبالغ التي سحبت ب30 تريليون تقريباً، ولكن ثمة محظور كبير، بحسب علامة، و يتعلق بإعادة ضخ سيولة بالليرة اللبنانية لأنها حكماً ستؤدي الى تضخم جديد ناهيك عن ارتفاع بسعر صرف الدولار نتيجة الضغط الذي سيترجم طلباً مفرطاً وعرضاً لليرة اللبنانية الفاقدة للثقة .
وعليه، قد يرتكز الرهان على عملية الدولرة التي حصلت للدورة المالية والاقتصادية اللبنانية حيث بات 75 % من التعاملات مدولرا وبات الدولار العملة الإدخارية بالنسبة للمواطن اللبناني.
اما موسى ، فيشير إلى أن صرف حقوق السحب الخاصة بدون رؤية اقتصادية تحت وطأة المطلوبات من الحكومة بات موضع تساؤل علما” ان كل مصروفاتها واضحة التوجه. وعليه ربما يكون لبنان امام ظروف مالية حرجة لتمويل الكثير من الأمور التي مولت سابقا” من حقوق السحب الخاصة على غرار ما أبرزه كشف الحساب الذي وزّعته وزارة الماليّة في 15/12/ 2022وتضمن الدفعات التي جرى تخصيصها لكل باب من أبواب الإنفاق، والتي يمكن تلخيصها على النحو التالي:
– دفعات لمؤسسة كهرباء لبنان: استحوذت على الحصّة الأكبر من الأموال التي جرى إنفاقها. إذ بلغت مخصصات المؤسسة من هذه الأموال نحو 221.59 مليون دولار، من دون أن يتبيّن إذا ما كانت هذه الأموال قد ذهبت لشراء الفيول أو تسديد مخصصات متعاقدين أو متعهّدين (كشركات تقديم الخدمات أو الصيانة والإشراف). مع الإشارة إلى أنّ المؤسسة ووزارة الطاقة لم تعلنا عن معايير شفافة وواضحة لأولويّات السداد بالنسبة لهذه الأطراف. فتسديد هذه الدفعات بدأ في شهر حزيران واستمرّ حتّى تشرين الثاني (تسع دفعات)، منها دفعة تم الإشارة إليها كسداد قرض متوجّب على مؤسسة كهرباء لبنان.
– دفعات لاستيراد الدواء: تشمل هذه الدفعات الأموال التي تم استعمالها للاستمرار بدعم استيراد أدوية الأمراض المستعصية. بلغ حجم الدفعات مجتمعة نحو 190 مليون دولار، وتراوحت تواريخها بين نسيان الماضي وكانون الثاني الحالي.
– دفعات لاستيراد القمح: تشمل الأموال التي تم استعمالها للاستمرار بدعم استيراد القمح، حيث بلغت قيمتها 112 مليون دولار وغيرها
وعليه، في حال لم يمول مصرف لبنان هذه المستحقات فالدولة امام مشهدية كارثية وصعبة، خاصة إذا ما ترافق ذلك مع استمرار انسداد الأفق السياسي من جهة وانهيار الامن الاجتماعي من جهة أخرى، فالتقارير الصادرة عن البنك الدولي واليونيسف والاسكوا ليست مشجعة على مستوى الفقر والبطالة وغيرها…..
لكن هل ما ذكر كافِ للإطمئنان إلى أن تمويل الدولة سيسير وفق المرسوم وستساعد الأدوات التقنية التي ذكرت على ردم الفجوة وتأمين الواردات الشهرية المطلوبة؟
وفق البيان الصادر عن صندوق النقد الدولي بعد زيارة وفده الى لبنان فإن تحذيرات كبيرة جداً وردت، بحسب ما يؤكد علامة، وفيها اتهامات مباشرة لأطراف في السلطة السياسية تعرقل إقرار الإصلاحات المطلوبة وما قصة شطب الودائع ما فوق المئة ألف دولار إلا ردا على حجج بعض الأفرقاء بأن أي اصلاحات قد تؤثر على الودائع ولذلك فهي غير قابلة للإقرار في وقت يعلم وفد صندوق النقد الدولي أن ودائع القطاع المصرفي ما فوق المئة ألف دولار هي جميعها أو أغلبها من فئة PEP في حين أن بعضها الآخر ودائع لأنظمة عربية قد انتهت إلى غير رجعة ولذلك كان رأي صندوق النقد بضرورة تحييد هذه الودائع من التداول إفساحاً في المجال أمام السلطة اللبنانية لتسديد جزء كبير من الفجوة المالية بحيث تعود الإمكانية للسلطة المالية بإصدار سندات خزينة بالليرة اللبنانية وبيعها في الأسواق لتأمين التمويل أو تغطية العجز الشهري.
وسط ما تقدم ، من الواضح ان موازنة 2024 ستكون بحسب موسى، أمام معارك عديدة في الكثير من موادها التي لن تمر في مجلس النواب وإن مرت فهي ستشرع الهيركات رسميا لاسيما المادة 22 والتي تنص على (إيجاز للمكلفين بالضرائب والرسوم التي تحققها وتحصلها مديرية المالية العامة وضمن مهلة ستة أشهر من تاريخ نشر هذا القانون تسديد الضرائب والرسوم والغرامات المتوجبة عليهم عن الفترات السابقة لتاريخ 15 تشرين الثاني 2022 من حساباتهم المفتوحة بالعملة الأجنبية لدى المصارف العاملة في لبنان بتاريخ سابق لـ18 تشرين الاول 2019، وذلك على أساس 40 في المئة من سعر الدولار الأميركي على منصة صيرفة. وتتحدد هذه المادة عند الاقتضاء بموجب قرار يصدر عن وزير المالية بعد استطلاع رأي حاكم مصرف لبنان.أما الأسباب الموجبة لتلك المادة، فمن أجل مساعدة المكلفين على تسديد الضرائب والرسوم المتوجبة عليهم من حساباتهم المصرفية).