بعد إسقاط خطة لازار في 2020 نشهد الآن خطة محكمة لإسقاط الإتفاق مع صندوق النقد الدولي: هيكلة البنوك ستتأخر سنوات طويلة بفعل منظومة سياسية – مصرفية لا تريد دفع الثمن من مصالحها
بعد مرور نحو أربع سنوات على الأزمة المالية والنقدية غير المسبوقة في لبنان من دون ان تحرك السلطة السياسية ساكناً لمعالجتها، ثمة حقائق باتت راسخة ليس فقط في أذهان معظم اللبنانيين بل أيضا المجتمع الدولي(وخصوصا صندوق النقد الدولي )، بأن في المنظومة السياسية – المصرفية اشخاصاً يعتبرون وجهين لعملة واحدة، يتشاركون في منع حصول أي اصلاح في القطاع المصرفي لاعادة هيكلته وفقا للمعايير الدولية تمهيداً لحل لمعضلة الودائع. الكلام الذي سبق ليس من باب التجني ورمي التهم جزافاً، بل تؤكده الوقائع اليومية سواء تلك الحاصلة حكومياً او برلمانياً، وتجلى ذلك في لقاءات بعثة صندوق النقد الدولي مع المسؤولين اللبنانيين خلال الاسبوع الماضي. اذ ينقل مطّلعون على هذه اللقاءات أن «النواب لم يستطيعوا الرد على أسئلة البعثة حول كيفية رد الودائع، ولدى سؤالهم عن الطريقة كانوا يتلعثمون ويتأتئون ويقولون كلاماً لا علم فيه ولا منطق»، ما يعني أن هذه المنظومة لا تملك خطة واقعية لرد الودائع، في الوقت الذي تريد الاجهاز على الاتفاق بين لبنان وصندوق النقد من دون أن تتكبد عناء دفنه حتى، او ايجاد بديل مقنع قابل للتنفيذ بلا مغامرات غير محسوبة.
في المربع الأول منذ 2020
في مقابل هذا الواقع المرير ثمة قاعدة لا يمكن للسياسيين والمصرفيين القفز فوقها مهما طالت فترة مماطلتهم، وهي أن لا تعافي من دون اصلاحات وأولها اصلاح القطاع المصرفي عبر هيكلته. وللتذكير فان المصارف (يبلغ عددها اكثر من 40 مصرفاً تجارياً) رفضت في 2020، التوزيع العادل للخسائر بين المساهمين في المصارف وكبار المودعين. وكان هذا الحل من شأنه أن يحمي 2.7 مليون مودع. وبدلاً من ذلك عرضت المصارف بيع الواجهة البحريّة والعقارات المملوكة للدولة واحتياطيات الذهب من مصرف لبنان، لأنها تعتبر الدولة المسؤول الاول عن تبدبد الودائع.
المعضلة الحقيقية التي لا يريد سياسيون ومصرفيون مقاربتها هي الاتفاق على استراتيجية التصحيح المالي والاعلان عنها، أي كيفية معالجة فجوة او خسائر قدرها 70 مليار دولار هي خسائر المصارف ومصرف لبنان بالدرجة الاولى. وهناك في مجلس النواب حالياً مشروع قانون لاعادة الانتظام المالي لا يريد النواب مناقشته بحجة انه يهدر حقوق مودعين، لكنهم لا يقدمون بديلا بل يماطلون ويراوغون ويبيعون المودعين اوهاماً. ويذكر ان مشروع إعادة هيكلة القطاع المصرفي صار في صياغته الاخيرة حكومياً، وسيلقى المصير عينه في مجلس النواب لانه يقوم على مبادئ متصلة جداً بمشروع قانون اعادة الانتظام المالي (معالجة الخسائر ورد ودائع) الذي يرفضه النواب.
وتؤكد مصادر واسعة الاطلاع ان معضلة توزيع الخسائر مستمرة منذ 3 سنوات ونصف السنة… ولا اتفاق حولها بعد. فالمصارف تقاوم اعادة الهيكلة وفق المعايير الدولية وتريد تحميل الدولة الخسائر. وفي المنظومة من هو مع المصارف ولا يقدم للمودعين الا وعوداً وهمية. فيما الصراع سيكون على أشده حول استخدام اصول الدولة لاطفاء الخسائر. اما صندوق النقد فيقف متفرجاً ومتأكداً من أن لا نية حقيقية للإصلاح في لبنان. فالمنطومة التي تعد برد الودائع لم تفعل شيئا امام تذويب 50 في المائة منها (بالدولار والليرة). كما تبدو حكومة ميقاتي غير مبالية فيما نواب يبالغون في النأي بأنفسهم عن الحلول المنطقية مفضلين الشعبويات. وحتى مع رئيس جديد وحكومة جديدة ستبقى المشكلة نفسها اذا استمر الانكار الكبير.
بناء على كل ما تقدم استطلعت «نداءالوطن» سياسيين ومصرفيين وباحثين حول كيفية اعادة هيكلة المصارف التي لا مفر منها، وكم عدد البنوك الذي يجب أن يبقى بعد أن تغيّر النموذج الاقتصادي اللبناني بفعل الازمة، وكيف يمكن اعادة الثقة بالقطاع، والاهم هو هل سيقاوم اللوبي السياسي- المصرفي شروط اعادة الهيكلة وكيف؟