تحرّشات جنسية واغتصاب بلغت مخيّمات النازحين!
تبقى قضية التحرش والعنف الجنسي من القضايا الشائكة التي يخيّم عليها صمت كبير، خصوصا داخل البيئة الأسرية والعشائرية وبين العائلات البعلبكية في مجتمع ذكوري بامتياز لا يرحم، كما أنه يؤثر على مجتمع النازحين السوريين في المنطقة، في ظل ثغرات قانونية لا تحمي المرأة، حيث إن التحرش والاغتصاب غالباً ما يؤديان إلى القتل، وقلّما تتقدم الضحايا بشكاوى قضائية في هذا الخصوص بالرغم من أن القانون اللبناني يعاقب على التحرش الجنسي والاغتصاب وغيرهما.
واجهت “النهار” صعوبات كبيرة في رفض نساء وفتيات وأولاد تعرّضوا لمختلف أنواع العنف والتعذيب الجسدي والجنسي، الحديث عن هذا الأمر ومعاناتهم، والكشف عن أسمائهم، ومنهم من قُتل على يد ذويهم، لتؤكد الجمعيات المعنية في المنطقة وخارجها أن العنف الجنسي منتشر بقوة في المنطقة وبشكل أقل في مناطق اخرى، إضافة إلى ندرة الشكاوى مقارنة بحجم انتشار هذه الظاهرة في ظل غياب الدقة في تقديم الشكاوى، وذلك بسبب رفض الكثير ممن يعلمون بوجود تحرش الإدلاء بشهاداتهم وعدم توثيق الحادثة، كما أنه نادراً ما تتقدم الضحايا بشكاوى قضائية في هذا الشأن.
وتضمنت نتائج التحقيق وقائع مرعبة، إذ تحدث العديد من الرجال والفتيات والنساء لـ”النهار” عما تعرضوا له من تحرشات جنسية واغتصاب ومضايقات مختلفة، وفي ظل زخم الشهادات المماثلة، تم اختصار قصص ضحاياها من دون الكشف عن الأسماء لأسباب عدة، منها ما يتعلق بمجتمع بعلبك العشائري ونظرته للمرأة وأحكامه الجاهزة، ومنها ما يتعلق بطبيعة التحرش الجنسي وصعوبة إثباته.
فهنالك 23 حالة اغتصاب في بعلبك – الهرمل قُتلت 4 منها، وقبل عام ونصف عام قُتلت فتاة في مدينة بعلبك على يد والدها بعدما اغتصبها، وثلاثٌ أخريات في بلدات البقاع الشمالي.
376 حالة ابتزاز جنسي للذكور والإناث أغلبها ابتزاز إلكتروني، وحالات ابتزاز جنسي لـ 89 فتاة تعرضن للتحرش من قِبل اساتذتهن مقابل التمكن من اجتياز الامتحانات، وتعكس هذه الأرقام مدى الممارسات الخفية، وأصبح من الضروري الحديث عنها كظاهرة غزت العديد من المؤسسات التعليمية.
ولا يختلف وضع المرأة السورية عن وضع المرأة اللبنانية من حيث تعرّضها لكل أنواع التحرش، وغالباً ما يتم استغلال الوضع الاجتماعي والاقتصادي للمرأة لاستغلالها جنسياً، وفي ضوء هذه الحقيقة وجدنا ضمن #مخيمات النازحين السوريين في المنطقة انه: تعرضت نحو 1860 امرأة للاغتصاب، و407 أطفال ذكور تحت 10 سنوات لسفاح القربى وغيرهم، وتعرضت 523 قاصرة لسفاح القربى، بينهن ثلاث فتيات من العائلة نفسها، و143 رجلا داخل أحد المخيمات في بلدة عرسال.
كما أن النازحة السورية م.أ. البالغة من العمر 16 عاماً، اغتصبها زوج والدتها، ولديها طفلة عمرها سنتان، وتقبلت والدتها الحقيقة المُرة وربّت الفتاة على أنها ابنة وليست حفيدة.
وبحسب معلومات غير رسمية من جمعية لبنانية لحقوق الإنسان، علمت “النهار” أن أكثر من 45% من الجنسين في المخيمات الذين تراوح أعمارهم ما بين 12 و17 عاماً هم مثليون جنسياً، إلى جانب انتشار ظاهرة الدعارة بقوة.
وأفاد مصدر أمني “النهار” بأنه تم تسجيل ما يقارب 114 جريمة اغتصاب ونحو 171 جريمة تحرش بين عامي 2019 و2022.
وسجلت بين عامي 2020 و2022 نحو 1906 حالات ابتزاز جنسي، وتم توقيف 241 حالة، وهذه الأرقام التفصيلية تؤكد اتساع الظاهرة خلال فترة الحجر الصحي “كورونا” وتسببت باختلالات اجتماعية عميقة، إذ تزايدت أعداد حالات الاغتصاب كل عام، كما بلغت حالات الابتزاز ذروتها عام 2021 وبدأت في الانخفاض نتيجة جهود قوى الأمن الداخلي التي عملت على تكثيف تحذيراتها من خلال البيانات اليومية والندوات التوعوية التي أقامتها في المدارس والجامعات وغيرها.
بينما سجلت جمعية “حماية” 2412 حالة عنف ضد الأطفال عام 2022، 21% منها اعتداءات جسدية و12% منها تحرش جنسي، حيث إن 51% من هذه الحالات كان المتحرش من الأسرة والمقربين منهم، و 75% من الحالات أطفال سوريون و23 % لبنانيون و2% من جنسيات أخرى.
فهل القوانين الحالية كافية لمكافحة هذه الظاهرة المنتشرة؟
تقول مديرة “جمعية عدالة بلا حدود” المحامية بريجيت شلبيان لـ”النهار”: “الجهود مستمرة، لكن للأسف تفاقمت الأمور في لبنان بسبب ضعف حماية الدولة وغياب قانون يحمي المرأة. ولا بد من تسليط الضوء على كيفية تعامل القضاء مع هذه الجرائم. وبما أن القوانين وحدها لا تكفي، فلا بد من مراقبة تنفيذ القرارات وتعديلها لتكون أكثر وقائية وعقابية، وتكون العقوبات أكثر صرامة وأكثر حماية، بالإضافة إلى ضرورة توعية الأفراد بحقوقهم وكسر هذا الجدار، لتمكين النساء والأطفال والفئات المهمشة من الوصول إلى العدالة، خصوصا مع ارتفاع هذه الحالات بين الأطفال في جميع المناطق اللبنانية، بما في ذلك بعضها غير المعلن”.
ولفتت شلبيان إلى أن قانون تجريم التحرش الجنسي 205/2020 وإعادة تأهيل ضحاياه لم يطبق بشكل كامل، لأنه يتحدث عن حماية الضحايا والشهود، لكنه لم يضع الآليات اللازمة والواضحة لذلك، ولا يعلم الجميع بهذا القانون، وعدم توافر هذه الآليات يدفع الضحية إلى الخوف وعدم الإبلاغ، ومن هنا السؤال حول مدى فعالية ومدى قدرة هذه القوانين في مكان معين على حماية الضحية.
وتطرقت إلى إيجابية إلغاء المادة 522 من قانون العقوبات التي تنص على: “إذا تزوج المغتصب ضحيته أعفي من العقوبة”، بحيث لا يبقى أمام المجرم سبيل للإفلات من العقاب على جريمته.
تساؤلات عديدة تطرحها قضايا العنف والتحرش الجنسي في بعلبك – الهرمل، رغم الحضور الكبير للحركة النسائية. وعن سر عدم فضح هذه الممارسات، تؤكد الانسة رلى زعيتر، عضو التجمع النسائي الديموقراطي اللبناني، أن الضحية تعيش حالة استضعاف على مستويات عدة مجتمعية وإنسانية وقانونية بسبب عدم وجود الوعي الكافي لدى الضحايا، والخوف من ردة فعل أفراد أسرهن في ظل وجود صور نمطية تحمّل المرأة مسؤولية التحرش بها، وذلك لارتباط قضايا التحرش بأبعاد مجتمعية، وبقيت هذه الجرائم صامتة لسنوات طويلة، خوفا من الفضيحة، وثقافة العنف المتجذرة في المنطقة منذ عقود، وليس اليوم فقط، وعدم قدرتها على إثبات الذنب إذا أرادت تقديم شكوى.
ولفتت إلى أن قضية العنف الجنسي بكافة أشكاله منتشرة بشكل كبير في المنطقة، خصوصا سفاح القربى، حيث لا تزال الإجراءات خجولة، والتجمع يعمل على مساعدة الضحايا قدر الإمكان منذ عام 1976، ولكن في بعض الأحيان تصل الأمور إلى حد القتل، خصوصا في القرى الحدودية النائية، بما فيها البقاع الشمالي.
وقالت زعيتر: “نحن متفائلون بجعل هذا البلد مكاناً أكثر أماناً للنساء، ويجب تجاوز السرية حول هذه القضايا وتجاوز المحرمات، ومن استطاعت منهن أن تكون أكثر شجاعة فعلت ما فعلته باللجوء إلى التجمع أو غيره من الجمعيات المعنية والهروب إلى مناطق أخرى حيث عملنا على تغيير أشكالهن وأسمائهن”.
كما اعتبرت الناشطة في التجمع السيدة ليلى مروة صلح، أن التشجيع على الجهر بالتحرش الجنسي سيمكن من تطويق المتحرشين بمختلف الأساليب الإدارية والقانونية والاجتماعية.
ولفتت إلى حالات الاغتصاب العديدة التي شهدتها على مدى أكثر من 45 عاما في المنطقة، فكثيرات اغتصبن وكثيرات قُتلن لمجرد كلمة قيلت ضدهن، من دون التحقق من حقيقة الواقعة وإثباتها من خلال الشهود، وكثير من النساء أغلقن أفواههن خوفا من الانتقام ونظرة المجتمع التي تحمّلهن المسؤولية الأكبر، وتصبح الضحية هي المذنبة أو المشاركة في ما حدث لها حتى لو أذعنت الضحية، وخافت من المتحرش نتيجة وضعها الاجتماعي وسيادة النظرة النمطية للمرأة، ولأن المرأة غالبا ما تتحمل مسؤولية ما حدث. وتطرقت أيضا إلى الاغتصاب الزوجي وانتشار ظاهرة الطلاق نتيجة هذا الأمر.
“النهار”- لينا اسماعيل