السرطان.. وحش متنقل يفتك بأهالي هذه البلدة!
أمل سيف الدين – الديار
السرطان لا يرحم صغيرًا ولا كبيرًا في بلدة “حوش الرافقة” إحدى القرى اللبنانية في محافظة بعلبك الهرمل، فكل الأعمار عرضةً للإصابة… وعند التفكير في الأسباب التي تقف وراء ارتفاع عدد الإصابات بالمرض، لا يمكننا حينها إلا وضع المشكلة تلوث نهر الليطاني موضع فحص ودراسة. تلوّث نهر الليطاني يعتبر كارثة بيئية يتعرض لها لبنان عمومًا وسكان حوض نهر الليطاني خصوصًا، وقد تحوّل النهر إلى قناة للصرف الصحي والزراعي، فأصبح ناقلًا للأوبئة والأمراض.
وفق الإحصائيات الطبية، توفى شاب من بلدة حوش الرافقة خلال هذا الأسبوع بسبب السرطان، وقد أدخلت سيدة إلى المستشفى بحالة حرجة ومتطورة بمراحل المرض، هذا إلى جانب إصابات كثيرة تعاني لا تعد ولا تحصى.
حوش الرافقة بلدة زراعية، يتم ري كل محاصيلها بالماء من نهر الليطاني أو من آبار ارتوازية على الأرجح أنها تمتلئ من النهر، وتعد البلدة فقيرة، لا يوجد فيها رأسماليين، فهي بالدرجة الأولى تعتمد على المزروعات التي تروى من نهر مسرطن.
وأشارت المهندسة زينب شحادة وهي من ضمن الفريق المكلف من مؤسسة مياه لبنان بتشغيل وإدارة محطات الصرف الصحي إلى أن “أغلب المصابين في المنطقة لا تقوى أجسادهم على المرض لأكثر من شهرين”.
وتضيف شحادة أنه “في السابق كان المريض يحارب أكثر من 5 سنوات ولكن الآن الموت محتم على كل مصاب .. فلا ندري ما هو السبب وراء هذا الارتفاع في الإصابات، وتشير إلى إمكانية أن يكون بسبب الأدوية الفاسدة أو أن السرطان قد تحور، أو أن الفقر منع سكان المنطقة من إجراء الفحوصات الدورية لاكتشاف المرض مبكراً ومحاربته”.
مصدر المياه في بلدة حوش الرافقة هو بئر بيت شاما المجهز حالياً بطاقة شمسية، ولكن مؤسسة مياه لبنان حتى اللحظة لم تستلمه ولا أحد يعلم إن كانت هذه المياه ملوثة أم لا، مع العلم أنه هناك مكب لحرق النفايات (بيت بيت شاما وبدنايل) يبعد أقل من 1 كيلومتر من بئر بيت شاما الذي يعتبر مصدر المياه الأساسي لثلاث قرى (بيت شاما-حوش الرافقة-العقيدية).
وبهذا الخصوص، قالت زينب شحادة: “بعثت كتاب إلى المحافظ بشير خضر ولكنني لا أعلم إذا اطلع عليه أم لا، وحاولت التواصل مع البلدية فأتى الرد أن مصدر المياه بعيد ولا يضر بصحة المواطنين”.
ولفتت شحادة إلى أن “نسبة الإصابات لا يمكن تحديدها، في ظل عدم وجود أعداد رسمية لعدد السكان، ولكن حسب معلوماتي فإن عدد السكان هو حوالي 7 آلاف نسمة، ونسبة المصابين غير دقيقة خاصةً أن السكان ما زالوا يعتبرون المرض “عيب” ولا يجب أن يعرف به أحد”.
مصادر تلوّث نهر الليطاني وبحيرته متعددة، أبرزها تحويل مياه الصرف الصحي من 43 بلدة إلى نهر الليطاني مباشرة، إلى جانب نفايات المصانع، إذ إن 650 مصنعًا يرمي نفاياته بالحوض، والتي تحتوي على مواد كيميائية مسرطنة. بالإضافة إلى نفايات المستشفيات، والمطاعم، ومزارع تربية الدواجن والأبقار التي تتخلص من مخلفاتها في النهر، إضافة إلى الاستعمال المفرط والعشوائي للمبيدات الزراعية، والأسمدة، التي تؤدي إلى التسرب الزراعي المحمّل بالنيترات، والتي تُساهم مباشرة في رفع معدل الآزوت والمعادن الثقيلة في مياه الخزان الجوفية، وهو ما أدى إلى زيادة معدل النيترات، الناتج أساسًا عن النشاط الزراعي ومخلفات المنازل.
وفي هذا السياق أشارت شحادة الى أن “الكثير من المعامل حولت صرفها الصحي إلى النهر، ومعمل الـ Liban Lait هو أحد أكبر المعامل في المنطقة وتم اتهامه سابقاً بتحويل قنوات الصرف الصحي إلى النهر ولكنه الآن يملك محطة تكرير أولية خاصة به”، وأكدت أن “موضوع تكرير الصرف الصحي هو جديد وليس كل الإدارات والمؤسسات لديهم الخبرة به كثيراً، وتابعت: “لكننا بمؤسسة مياه البقاع كنا الأوائل الذين مارسوا هذه المهمة بقدرتنا المتواضعة”.
عام بعد عام تزداد نسبة التلوث، ويموت شباب بعمر الورد لم يبصروا ملامح الحياة إلا بمرّها، فقد أنهى تلوث الليطاني حياتهم عند سن الـ ١٩ والـ ٢٤ عاما، وهذا محمد الكيال الذي توفي منذ فترة، وحبيبة القرصيفي بعده، وإلهام يزبك اليوم الشهود، ذنبهم الوحيد أنهم يجاورون النهر، فأهالي المنطقة قلقون بشدة من انتشار المرض في المنطقة، والذي تجاوزت نسبة المصابين به من بين أبناء بلدات حوض الليطاني، المعدل الوطني العام الذي يبلغ 242 بالمئة ألف من المواطنين “أربعة أضعاف”، وفق ما جاء في دراسة عن “علاقة التلوّث بارتفاع نسبة مرض السرطان في قرى حوض الليطاني”، والتي قامت بها الهيئة الوطنية الصحية الاجتماعية بالتعاون مع الجامعتين اللبنانية والأميركية، عام 2016.
نهر الليطاني ملوث ولا أحد يعرف من هو المجرم الذي شرعَ لخطوط الصرف الصحي بأن تصب في النهر ليتحول لمجرور طويل يفتك بحياة البشر، والغريب هو سكوت الدولة عن من اتخذ هذا القرار! فيما مبادرات وزارة الصحة والمجتمع المدني جداً خجولة، وأهالي المنطقة كانوا يتظاهرون كل فترة خاصةً عندما يموت أحد المصابين، وكانت وسائل الاعلام تسلط الضوء على القضية ولكن لا حياة لمن تنادي!
أما بالنسبة للخطوات التي قامت بها الدولة، قالت شحادة:”نحن بمؤسسة مياه البقاع بالاتفاق مع مجلس الإنماء والإعمار المعنى أيضاً بوضع مخططات لشبكات الصرف الصحي على كامل الأراضي اللبنانية، قررنا تحويل شبكات الصرف الصحي من منطقة حوش الرافقة إلى محطة تمنين النموذجية القريبة من حوش الرافقة وهي تستوعب الصرف الصحي لمنطقة غربي بعلبك وتكرر المياه، ولكننا منذ العام 2013 منذ أن توظفت في المؤسسة علمت أن حجر الأساس لهذه المحطة سيكون في شهر شباط 2015 وكنا متفائلين”، مضيفة بحزن: ” نحن الآن في العام 2023 والمحطة ما زالت قيد التنفيذ بسبب العديد من المشاكل ولا نعرف شيئا، وذهب الموضوع طي النسيان لدى أهل المنطقة”.
وزارة الصناعة أجبرت جميع المعامل تركيب محطات تكرير ولكن من يراقب هذه المحطات؟ ومن يتابع؟ لا أحد! والفحوصات المخبرية مكلفة جداً وهناك الكثير من الهبات التي تصل ولكنها تصرف بشكلٍ مشبوه.
لا يمكنك المرور من حوش الرافقة إلا وأنت تضع كمامة على أنفك من رائحة النهر، والوزارات لا تحرك ساكناً، والمنطقة تعد منكوبة، والمواطنون ينتظرون دورهم للموت واحداً تلو الآخر، ويعيشون واقعًا مرعبًا، ففي أسبوعين خسرت حوش الرافقة 3 أشخاص بسبب السرطان!.
ما يحصل في البقاع، وبالتحديد في بعض القرى البقاعية المجاورة لحوض الليطاني لا يمكن وصفه بأقل من إبادة جماعية بمرض السرطان في ظل صمت غريب من قبل الجهات الرسمية.