رئاسياً… هل اقترب “الحزب” من “الخطّة ب”؟
لم يُفاجئ تَجَدُّدُ انفجارِ «برميل بارود» عين الحلوة أحداً إلا السلطات اللبنانية التي اكتفتْ للمرة الثانية في نحو 40 يوماً بسياسة «أخذ العِلْم» وإعلانِ أن ما يجري «يشكل إساءةً بالغةً الى الدولة» التي عمّق «الحريقُ» الخطيرُ في أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في البلاد (صيدا – الجنوب) جِراحَها وزاد على فشلها وتحلُّل مؤسساتها وامتهان سيادتها وتَحوُّلها «ملعبَ نارٍ»، في الوقت الذي مازالت تتعثّر محاولاتُ الداخل والخارج لقفْل «أفواه البراكين» السياسية والمالية عبر «إطفاء» الأزمة الرئاسية المتمادية قبل أن تحلّ السنة الطالعة ولبنان «بلا رأس للدولة».
«فالجميع كانوا يعلمون» أن عين الحلوة، الذي دَخَلَ هدنةً صمدتْ لشهر ونيف، يقف «على سلاحه» على ضفتيْ حركة «فتح» ومجموعات إسلامية متشدّدة رفضتْ تسليمَ المسؤولين عن اغتيال القيادي الفتحاوي البارز أبوأشرف العرموشي (في 30 تموز الماضي) إلى القضاء اللبناني وإخلاء المدارس التابعة لـ «الأونروا» داخل المخيم، وأن «المعركة» قاب قوسين، حتى أن تقارير حدّدت ما يشبه «ساعة الصفر» لها على وقع بيانات «التعبئة» والاستعدادات الميدانية والسيناريوات عن «أفخاخ» تشكل شرارةَ ما يُخشى أنه «صراعٌ أخطبوطي» موْصولٌ بمحاولاتٍ إقليمية لتعزيز وَضْع الورقة الفلسطينية «في الجيْب» وإضعاف شرعية القيادة الفلسطينية داخل فلسطين (المتمثلة بـ «فتح» و«منظمة التحرير».
ومن خلف دخانِ المواجهاتِ الضارية التي اشتعلتْ ليل الخميس مع هجوم نفّذته المجموعات المتشددة على مواقع لـ «فتح» وطاولت تشطياتها مدينة صيدا ومحيطها، وسط حصيلة دموية كانت رست حتى بعد ظهر أمس على 3 قتلى (واحد من فتح وآخْر من المجموعات الاسلامية تردّد أنه شادي عيسى شقيق المطلوب البارز نمر عيسى ومواطن سقط برصاصٍ طائش بلغ محلّة الغازية يُدعى حسين مقشر) وعشرات الجرحى (داخل المخيم الذي شهد حركة نزوح كثيفة)، تعزَّزت المخاوفُ من أن ما يجري في عين الحلوة له «مسرح عمليات» أوسع مدى.
وفي حين لم تتوانَ أوساط مطلعة عن القول إن ثمة خوفاً من أن يكون ثمة «مَن عاود الضغط على زر التفجير» في توقيتٍ لبناني وإقليمي أزيلتْ معه «خطوط ترسيمٍ» كانت محترَمة لفترة طويلة لمناطق تَمَرْكُزِ الجماعات المتشدّدة التي سَبَقَ للسفير الفلسطيني في بيروت أشرف دبور أن أعلن (بعيد اغتيال العرموشي) أن «لديها تواصلاً مع جهات خارجية، وأنها تعمل ضمن أجندتها بهدف العبث باستقرار المخيم»، فإن لبنان الرسمي اكتفى وسط الخشية من تمدُّد المواجهات بـ «الشكوى» وفق ما عبّر عنه مضمون اتصال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، علماً أن أحداث عين الحلوة في جولتها الأولى شكّلت سبباً رئيسياً في دعوة دول مجلس التعاون الخليجي لرعاياها إما لمغادرة لبنان فوراً أو تجنُّب السفر إليه.
وقد شدّد ميقاتي على «أولوية وقف الأعمال العسكرية والتعاون مع الجهزة الامنية اللبنانية لمعالجة التوترات القائمة». وقال إن «ما يحصل لا يخدم على الاطلاق القضية الفلسطينية ويشكل إساءة بالغة الى الدولة اللبنانية بشكل عام خصوصاً الى مدينة صيدا التي تحتضن الأخوة الفلسطينيين»، مضيفاً: «المطلوب في المقابل أن يتعاطوا مع الدولة اللبنانية وفق قوانينها وانظمتها والحفاظ على سلامة مواطنيها».
ولم يحجب هديرُ معارك عين الحلوة دوران محركات المساعي المحلية والخارجية لاجتراح مخرج للأزمة الرئاسية، وسط تعليق رئيس البرلمان نبيه بري مبادرته لجمْع الأطراف اللبنانيين على طاولة حوارٍ لسبعة أيام على التوالي تليها جلسات انتخاب متتالية بعد تعرُّضها لـ «قَصْفٍ سياسي» من غالبية المعارضة و«قنْصٍ» مباغت من «التيار الوطني الحر» أحيا «اشتباكاً» بينه وبين فريق بري لم يُعرف إذا كان «متّصلاً» بمآل الحوار المباشر الذي يجري على خط التيار و«حزب الله» حول الملف الرئاسي.
وفيما كانت أنظار بيروت أمس على محادثات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في الهند على هامش قمة العشرين والتي حضر فيها الملف اللبناني عشية اجتماعٍ مرتقب في باريس بين المستشار في الديوان الملكي نزار العلولا والموفد الفرنسي جان – إيف لودريان قبيل انتقاله الى بيروت حيث يعقد الثلاثاء لقاءاتٍ ثنائيةً مع الأفرقاء اللبنانيين، بقي الاهتمام منصبّاً على اللقاء الذي عُقد بين قائد الجيش العماد جوزف عون ورئيس الكتلة البرلمانية لـ«حزب الله» محمد رعد أخيراً.
وقد علمتْ «الراي» من مصادر موثوقة أن هذا اللقاء عَكَسَ التقديرَ الذي توليه قيادةُ الحزب لتجربة قائد الجيش على رأس المؤسسة العسكرية رغم إدراكها للعلاقة الجيدة بين العماد عون والأميركيين.
وقالت المصادر الموثوقة لـ «الراي» إنه خلال اللقاء أَثْنى «حزب الله» على الترشيح «المكتوم» لقائد الجيش إلى الرئاسة وأبلغ إليه أنه يتعاطى معه على أنه «مرشح جدي لا ثانوي»، لكنه – أي الحزب – يرغب بمعرفة خيارات الآخَرين قبل أيّ انتقالٍ علني إلى «الخطة ب».
ولفتت هذه المصادر إلى أن أيّ خروجٍ للخطة ب إلى العلن سيكون حتماً قبل نهاية السنة الحالية (أي قبل إحالة قائد الجيش على التقاعد في كانون الثاني 2024) «خصوصاً أن الحِراكَ الفرنسي الذي يضطلع به لودريان يصطدم بمعوقاتٍ لبنانية لا يُستهان بها».
ولم تستبعد المصادر ان يتزامن نعيُ مَهمة لودريان، الذي يصل غداً إلى بيروت للمرة الثالثة، مع وضْع قطر (إحدى دول «مجموعة الخمس» حول لبنان) ترشيح قائد الجيش للرئاسة على الطاولة على نحو جدي، ما يُتيح إطلاقَ دينامية داخلية مؤيّدة لهذا الخيار الذي من شأنه كسْر التوازن السلبي الذي يَحكم البرلمان اللبناني.
ورأت هذه المصادر أن رئيس البرلمان نبيه بري (شريك «حزب الله» في الثنائية الشيعية) لن يكون بعيداً عن خيار دعْم ترشيح قائد الجيش للرئاسة بعدما أدركَ استحالة تأمين نصاب سياسي – نيابي لانتخاب سليمان فرنجيةـ خصوصاً في ضوء معارضة الكتلتين المسيحيتين الأكبر لمجيئه إلى سدة الرئاسة.
وفي تقدير المصادر عيْنها أن الحوارَ الجاري بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» برئاسة جبران باسيل لن يؤدي إلى «تفاهم رئاسي» ولا إلى انكسار الجَرة بين الطرفين على الأرجح، الأمر الذي سيترك للعبة البرلمانية اختيار الرئيس الذي يحظى بالغالبية المطلوبة.
وفُهم من هذه المصادر أن باسيل لا يمكنه تحميل «حزب الله» وزر «الافتراق الرئاسي»، أولاً لأن الحزبَ أوْفى ما عليه بالمجيء بالعماد ميشال عون إلى الرئاسة، وثانياً لأنه يعي تبعات الاستجابة لشروط باسيل، وثالثاً لأنه لا يمون لا على بري ولا على أيٍّ من حلفائه في اتجاهاتِ التصويت للرئاسة.
وكشفت المصادر الموثوقة لـ «الراي» عن أن «حزب الله»، الذي يتجه إلى دعْم ترشيح قائد الجيش للرئاسة، قد لا يصوّت له لحفْظ العلاقة مع باسيل، وهو يرى في الدعم الأميركي العلني حتى الآن ودعْم بعض الأطراف الاقليمية للعماد عون مسألة لا تضرّ وقد تصبّ في فك العزلة عن لبنان.