انتقاد ماكرون لإيران.. هل أصاب مبادرة لودريان بعطب؟
حظيَ كلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون باهتمام لافت، لا سيما في ما خصّ انتقاده لسياسة إيران في المنطقة وتدخلها في الشؤون الإقليمية مما يزعزع الاستقرار ويصعّب الحلول السياسية. ومعلوم ان ثمة علاقة قديمة العهد تتسم بإيجابية بين فرنسا والجمهورية الإسلامية الإيرانية، اذ لطالما كان هناك تناغم بين الشيعية السياسية والفرنسيين خصوصاً في العهد الماكروني ما انسحب على العلاقة مع “حزب الله” من خلال زيارات السفراء الفرنسيين المتعاقبين الى الضاحية الجنوبية وتواصلهم مع قادة الحزب، ما ترك ندوباً في العلاقة بين باريس وحلفائها الأميركيين والأوروبيين الى شريحة واسعة من ال#لبنانيين.
والسؤال: هل ما أشار اليه ماكرون يعني تباعداً كبيراً مع طهران، وهو الذي أبرم صفقة الـــ 21 مليار دولار (Air Bus – Total ) مع المسؤولين الإيرانيين؟ وبالتالي هل سينعكس ذلك سلباً على المسار اللبناني حيث باريس لاعب أساسي ضمن اللقاء الخماسي، ناهيك عن أنها من كان الوسيط مع الإيرانيين عبر مستشار الرئيس الفرنسي ايمانويل بون الذي كان سفيراً سابقاً في لبنان؟
في هذا الإطار، سلّط النائب مروان حمادة لـــ”النهار”، الأضواء على ما جرى في الساعات الماضية من خطاب الرئيس الفرنسي في المؤتمر السنوي للسفراء الفرنسيين حيث كان أول من حذّر وأشار الى أين ستصل الأمور من مهمة #لودريان الى الخاصرة الفرنسية الرخوة مع إيران وحلفائها في لبنان، اذ قال: “قبل التطرق والغوص في ما يحمله الموفد الفرنسي الرئاسي من معطيات عبر زيارته المرتقبة الى بيروت، لا بدّ من التوقف ملياً من خلال قراءة معمقة ومتأنية لخطاب ماكرون حيث اللافت كان غياب الملف اللبناني عن كلمته”. وأضاف: “من الطبيعي أن انتقاده للسياسة الإيرانية في المنطقة وتدخلها في شؤون حكوماتها، وهذا نادراً ما يحصل، سيترك تداعياته وارتداداته على الوضع اللبناني واستحقاقاته وفي طليعتها الاستحقاق الرئاسي حيث الضبابية تغلّفه، لذا مهمة لودريان في خضم هذه الأجواء وباختصار “المكتوب يُقرأ من عنوانه”.
وعلى خط مواز، تشير مصادر سياسية على بيّنة من الموقف الفرنسي وكل ما يحيط به، الى أن كلام ماكرون لم يفاجئ بعض المتابعين والمواكبين ربطاً بما جرى في الآونة الأخيرة من تباينات بين الدول المشاركة في اللقاء الخماسي والاستياء الأميركي من السياسة الفرنسية المعتمدة تجاه إيران و”حزب الله” ودعمها لمرشح الثنائي الشيعي، الأمر الذي أدى الى تهديد الإدارة الأميركية بسحب تفويضها لباريس بالملف اللبناني. ونُقل في الأيام الماضية أن واشنطن دخلت على الخط اللبناني من زاوية الاستحقاق الرئاسي والامساك بكل ما يحيط بالوضع الداخلي، ناهيك عن أن التباين بين باريس والرياض كان واضحاً على خلفية التناغم بين الفرنسيين و”حزب الله”، والسؤال عن الموقف الفرنسي من اتفاق الطائف ما دفع السفير السعودي في لبنان وليد بخاري الى سؤال مستشار الرئيس الفرنسي السفير باتريك دوريل بما معناه: هل فرنسا مع الطائف؟ وهل من كلام آخر؟ فردّ دوريل: “بالتأكيد يا سعادة السفير لن نتخلى عن الطائف”.
وتتابع المصادر، وفق المعلومات الموثوق بها، أنه خلال اللقاء الخماسي في الدوحة جرى تصويب مسار الوضع بين مكونات هذا اللقاء وتحديداً من خلال مداخلة السفير بخاري حول الطائف وعدم الدخول في طروحات جديدة تعتبر قفزة في المجهول، وبمعنى أوضح انه منذ أسابيع بدا جلياً أن الموقف الفرنسي في لبنان يسلك منحى آخر، الأمر الذي ظهر عبر خطاب ماكرون وما تناوله تجاه إيران يأتي على طريقة “عم بحكي يا كنّة لتسمعي يا جارة”، باعتبار ان انتقاد الرئيس الفرنسي لسياسة إيران أصاب بشظاياه “حزب الله” ومعهما مهمة لودريان الذي التقى الرئيس الفرنسي منفرداً خلال الاجتماع مع السفراء الفرنسيين في الشرق الأوسط وفي ظل تساؤلات: هل انتهت مبادرة الموفد الفرنسي؟ وماذا عن السؤالين الموجهين للكتل النيابية ومن ردّ عليهما وفي طليعتهم وفق الأجواء المتوافرة كل من نواب “حزب الله” وحركة “أمل”؟
وبمعنى أوضح يمكن القول إنّ ما تفوّه به سيّد الاليزيه أصاب مهمة لودريان بعطب. والسؤال الآخر: هل هذا التجاوب من الثنائي الشيعي والمنقطع النظير مع السياسة الفرنسية وتحديداً مهمة لودريان كان تمثيلية وفي إطار المناورات السياسية، خصوصاً أن انتقاد ماكرون لإيران يأتي لما لديه من كل المعلومات والمعطيات بأنها عبر حلفائها في لبنان من يعطلون الاستحقاق الرئاسي وإنْ توصّل الى هذا الاستنتاج متأخراً.
وأخيراً، ثمّة مقاربة لافتة مفادها أن ما تضمّنه خطاب الرئيس الفرنسي جاء على إيقاع التقارب السعودي ولقاء التسعين دقيقة بين وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الى زيارة متوقعة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الى المملكة، وهنا ترد المصادر بأن الرياض تتعاطى مع الملفات كل على حدة من خلال استراتيجية واضحة لأمنها واستقرارها وهي التي وقّعت الاتفاق مع إيران برعاية صينية والبند الأبرز عدم تدخل طهران في شؤون الدول العربية والمنطقة بشكل عام، ما ذكره ماكرون في خطابه الأخير.