حوار “الحزب” – باسيل: لا ذِكر لفرنجية بعد فيه؟
بعد يومين، 31 آب، تكون انقضت سنة على بدء المهلة الدستورية دونما انتخاب الرئيس. المعتاد في استحقاقات قديمة حصوله في الشهر الاول. لم يعد من اهمية لروزنامة منتظمة منذ اول شغور (1988) وتوالي ثانٍ وثالث عامي 2007 و2014 الى رابع شغور الآن.
لا احد يجد مغزى انعقاد جلسة لمجلس النواب لانتخاب الرئيس في الوقت الحاضر. ينسحب هذا الانطباع على الاشهر المتبقية في السنة الحالية بلا توقعات ايجابية. لا جدوى من جلسات منذ اولاها في 29 ايلول 2022 وصولاً الى آخرها في 14 حزيران المنصرم. لا احد قادراً على كسر التوازن القائم بين فريقيْن يصعب معهما ان لم يستحلْ انتخاب الرئيس. اضحى ما يدور على هامش الاستحقاق اهم منه، دونما ان يكون حاسماً في الوصول الى نتائج مثمرة تتيح الانتخاب. ذلك ما يصح على حدثيْن حاليين قليليْ الاهمية وان يُفرَط في الحديث عليهما: الحوار المتوقع ان يقوده الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان في بيروت توصلاً الى الاتفاق على اسم الرئيس، والحوار الموازي الدائر بين حزب الله ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وهو يعنيهما دون سواهما ومن غير ان يُظنَّ للحظة ان توافقهما سيفضي في نهاية المطاف الى انتخاب الرئيس.
لكل من الحواريْن جدول اعمال مختلف عن الآخر. لا يتوازيان ولا يتقاطعان ولا يتناقضان بالضرورة وان هما يوحيان بأنهما في مسار واحد. ربما – او قد – يسهل على لودريان في ضوء الاجوبة التي يكون حصل عليها من النواب المستَفتين تحديد المواصفات المنطقية والمعقولة للرئيس الافضل ملاءمة للمرحلة المقبلة، بيد ان الاكيد انه لن يتمكن من اسقاط المواصفات هذه على اسم واحد يجتمع هؤلاء جميعاً عليه ويقبلون به. لا ينفصل انقسامهم على الشخص عن انقسامهم على الاصل في المعضلة، وهو خيارات العهد المقبل.
على ان ما يجري، في الموازاة، في حوار حزب الله – باسيل ليس اقل شكوكاً. بضعة اسباب تفصح عن المسار الذي يرافقه منذ غداة جلسة 14 حزيران عندما اعيدت قنوات التواصل بين الطرفيْن، المنقطعة بين كانون الاول 2022 وحتى ذلك الموعد. الا ان المعطيات المنسوبة الى كليْهما تضاعف في الريبة:
اولها، تيقُّن الطرفيْن من ان الآوان لم يحن لانتخاب الرئيس وحسم الخيارات في وقت ضيق. يرفض باسيل انتخاب الوزير السابق سليمان فرنجية او قائد الجيش العماد جوزف عون على قدم المساواة، فيما حزب الله جازم بدوره بأنه عاجز عن اقناعه بأي منهما. ما يقوله حزب الله الى الآن ان فرنجية مرشحه الوحيد دونما ان يضيف اليه اسماً ثانياً بعده او بديلاً منه. لم يقل في اي لحظة انه متأهب للموافقة على قائد الجيش ولم يدرجه بعد في خياراته. الا ان بعض مسؤولي الحزب سمعوا في الآونة الاخيرة اطراء غير مسبوق على عون على اثر حادثة الكحالة واداء الجيش فيها وحسن تدبيره. اطراء على تصرفه العسكري الميداني قبل ان يُفسَّر لدى بعض مَن سمعه ان في الامكان تقريشه سياسياً ورئاسياً حتى.
ثانيها، اجرى باسيل الى الآن اربعة اجتماعات مع مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا. في الجلسات الاربع قدّم مسودتيْ مشروعيْن وتحدث عن ثالثة شفوياً. اولى المسودتين اللامركزية الادارية في الصيغة التي اعدها قبل سنوات الوزير السابق زياد بارود ونوقشت في 73 جلسة في لجنة الادارة والعدل برئاسة النائب الراحل روبير غانم، على ان تكون مادة مراجعة بينه والحزب. للغاية هذه ألّف باسيل لجنة مصغرة ترأسها وضمت اليه بارود والنائب آلان عون والمحامي كريم الضاهر لادخال تعديلات فيها بما يضمّنها بُعداً اضافياً هو اللامركزية المالية لمّح اليها على نحو غير مباشر مشروع بارود بتطرقه الى توزيع عائدات البلديات. اجاب الحزب انه منفتح على مناقشة المشروع.
وحده حزب الله سبق باسيل الى ما يريده اليوم بالممارسة الفعلية والتطبيق. صاحب تجربة مخضرمة في لامركزية مطلقة غير مسبوقة او مشابهة لسواها يتولاها فريق سياسي او حزب، لم تحتج الى قوانين تأذن بها. تفرّد بها واختبرها في مناطق نفوذه وقاعدته الحزبية والشعبية: لامركزية ادارية – امنية – مالية – اجتماعية – اقتصادية – تربوية – عسكرية معززة بسياسة خارجية مستقلة.
اما المسودة الثانية فوثيقة «ادارة الحكم والحكومة» اعدها التيار الوطني الحر على اثر نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، اشترط تأييد انتخابه الرئيس الذي يُنشىء عهده عليها. يُصوّت الى مَن يلتزمها. الصندوق الائتماني، ثالث بنود الحوار بين الحزب والتيار لم يدرْ من حوله سوى كلام شفوي غير موثق بعد. ما لا يكتمه القريبون من الحزب ثبات اعتقادهم ان ما لم يُدلِ به باسيل بعد هو جوهر المطالب الفعلية التي يتوخاها من الحوار الحالي: حصته في مناصب العهد الجديد.
ثالثها، لم يقلْ باسيل في اي من الاجتماعات الاربعة انه يؤيد انتخاب فرنجية في ضوء ما يطالب به، ولا ربط هذه بذاك. رمى حوارهما الى اعادة التحالف بينهما والحد من تبادلهما الخسائر مذ انقطع تواصلهما واوشكا ان ينفصلا وتباعدت مواقف احدهما عن الآخر الى حد التناقض. لم يتردد بعض مَن في الحزب في القول ان باسيل «جرحه» بمغالاته في الذهاب بعيداً الى الموقع الضد عندما رشح الوزير السابق جهاد ازعور. في مراحل لاحقة على ذلك الحوار اتيح سماع باسيل يقول ان حصوله على المطالب الحيوية لاسيما منها اللامركزية الادارية الموسعة مضافاً اليها شق مالي، يجعل من انتخاب الرئيس «ثانوياً» بالنسبة اليه، اقل كلفة مما رافق رفضه الخوض في قبول تأييد ترشيحه. فُهِمَ من ذلك سعيه الى ثمن سياسي يوازن خيار حزب الله في الرئاسة دونما ان يكون باسيل في صف مرشحه.
رابعها، يعرف حزب الله والتيار الوطني الحر ان عودتهما الى الحظيرة الواحدة غير كاف لانتخاب رئيس للجمهورية. سواء جارى باسيل فرنجية او فضّل الاقتراع ضده في جلسة تحضرها كتلته النيابية، فإن الوصول الى هذا اليوم غير قاطع بانتخاب رئيس الدولة ما لم يتوافر 86 نائباً على الاقل في القاعة. وجود فرنجية مرشحاً وحيداً للثنائي الشيعي كفيل بتعذّر التئام النصاب القانوني في غياب نواب اللقاء الديموقراطي والنواب السنّة في احسن الاحوال. وحدهم الاميركيون والسعوديون يأتون بهذين الفريقيْن الى الجلسة وضمان نصابها الدستوري، وتالياً فوز الرئيس بغالبية الثلثين على الاقل، اكان فرنجية او اي اسم آخر يهبط في اللحظة الاخيرة.
نقولا ناصيف – الاخبار