“كهرباء لبنان”: صناعيّون يرفعون الصوت وهجرة متواصلة للمشتركين
عندما اتّخذ قرار زيادة تعرفة كهرباء لبنان، التي دخلت في الفوترة بدءاً من تشرين الثاني 2022، لم تكن في المقابل نتائجها برفع ساعات التغذية إلى 10 ساعات.
ويرفع الصناعيون الصوت لإنصافهم على صعيد الفواتير، ربطاً بمعايير أسعار المنتج الوطنيّ الواجب أن تكون ملائمة للمستهلك.
وفق عضو مجلس إدارة جمعية الصناعيين ابراهيم ملاح أنّه “في السابق، كانت كهرباء لبنان تميّز القطاع الصناعي بتعرفة مخفّضة إسوة بما هو معمول به في أكثرية الدول، سيّما وأنّها من القطاعات الأكثر استهلاكاً للطاقة، وهذا يرتدّ كلفة على سعر المنتج، وبالتالي على المستهلك.
ولكن منذ فترة، تغاضت مؤسسة كهرباء لبنان عن هذا التمييز، وبدأت الفواتير ذات الأرقام الخيالية تصل إلى الصناعيين. وما زاد الطين بلّة أنّ الفوترة عن إصداري كانون الثاني وشباط من 2023 تّمت على أساس سعر المنصّة + 20 في المئة أي ما يعادل 104 الآف ليرة، وهي أعلى من سعر السوق. وهذا ليس مقبولاً. “
الاجتماع الأخير الذي ُعقد مع لجنة الاقتصاد الوطني والصناعة والتجارة والتخطيط بحضور كلّ من وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض ورئيس مجلس إدارة كهرباء لبنان كمال حايك أفضى إلى نوع من التجاوب مع مطلب الصناعيين. هذا وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي قد طلب من حايك في حزيران الفائت، وضع تصوّر يتمّ رفعه إلى كلّ من وزير الطاقة ووزير المال للمصادقة عليه، قبل تحويله إليه ليدخل حيّز التنفيذ بدءاً من إصدار فواتير شهر آذار 2023، حيث تكون الإصدارات أصبحت شهرية.
إلّا أنّه بعد اجتماع اللجنة الوزارية المختصّة بملف الكهرباء التي انعقدت في 21 آب برئاسة ميقاتي حيث استمع الجميع من حايك إلى شرح حول مراحل تنفيذ خطة الكهرباء، تقرّر في نهايته الطلب من مؤسسة الكهرباء تحديد التعرفة الجديدة على أساس آخر سعر صرف حدّده مصرف لبنان لمنصّة صيرفة، وذلك اعتباراً من إصدار 1/7/2023. كما والطلب إليها تمديد العمل بقرار مجلس الإدارة المتعلّق بتعديل التعرفة الكهربائية، بحيث يتمّ حسم نسبة 25 في المئة من بدل التأهيل؛ وحسم 25 في المئة من بدل الاشتراك؛ واحتساب 26 سنتاً أميركيّاً لكلّ كيلوواط ساعة بالنسبة إلى الاستهلاك غير المدعوم بدلاً من 27 سنتاً، وذلك لغاية اصدار حزيران 2023 ضمناً.”
برأي ملاح “هذا الطلب لم يكن مفهوماً. والتوازن المالي الذي حقّقته المؤسسة مبني على ما حقّقته من مداخيل بالليرة، والمشكلة تكمن في رفض مصرف لبنان شراء الدولارات لحساب الكهرباء التي هي بحاجة لها لتسديد مستحقّاتها.”
حتى تاريخه، ما زال الصناعيون ينتظرون ترجمة الوعود التي سمعوها من المسؤولين في الكهرباء، علماً أنّ قسماً منهم امتنع عن تسديد فواتير إصدار شهرَي 11 و12 من 2022 وشهري كانون الثاني وشباط 2023 في انتظار إدخال التعديلات التي طالبوا بالعمل عليها والتي على الأرجح لم ولن يؤخذ بها.
وسط تخبّط الحكومة بالقرارات، والعشوائية المعتمّدة في إيجاد الحلول للمشاكل من قبل المسؤولين، أصبح لكلّ صناعي حرّية القرار من أجل تأمين ديمومة مؤسسته في التزوّد من التيار من وسائل مختلفة سواء من الطاقة الشمسية، أو الاعتماد على المولّدات الخاصّة والاستغناء عن اشتراك مؤسسة كهرباء لبنان التي أصبحت أشبه بشركة.
في المقابل، هناك امتعاض واضح من رئيس الاتحاد العمالي العام بشاره الأسمر، الذي إلى جانب تحرّكه المتواصل باتجاه المسؤولين يشارك في الاجتماعات المخصّصة لملفّ الكهرباء والفواتير الصاعقة التي تصدرها بين الحين والآخر، ليخرج منها باقتناع بأنّ الوعود الموّزعة هي “مسخرة”، أي بما معناه ألّا رغبة جدية في إعادة النظر بهذه التعرفة المعجزة التي حقّقت لشركة كهرباء لبنان وليس المؤسسة التوازن المالي من جيوب المشتركين الذين يسدّدون فواتيرهم الملغومة، فضلاً عن تسديد فواتير غيرهم ممن لا يدفعون من لاجئين فلسطينيين، ونازحين سوريين ومتمرّدين على الدولة الغائبة منذ سنوات، ومن بينهم نافذين يتمتعوّن بفائض من الجرأة والتطاول والهيمنة.
وفي هذا السياق، يقول الأسمر لـ”النهار”: “يبقى الأهمّ عندنا كاتّحاد بعدما وافقت كهرباء لبنان على إجراء بعض التخفيضات إلغاء ما تتمّ فوترته زيادة 20 في المئة على سعر صيرفة والتي تقول إنّه من اختصاص مصرف لبنان”.
ويضيف: “رفعنا مذكرة بهذا الشأن إلى كلّ من وزير الطاقة والمؤسسة، وهناك اتصالات مع حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري قد تتحوّل الى مفاوضات بهدف إزالة رسم الـ 20 في المئة الذي هو زيادة. كما أنّنا نطالب بتخفيض الرسوم الثابتة عن بدل العدّاد ورسم التأهيل. نحن كاتّحاد لن نرضى بهذه الفاتورة التي تلحق الغبن بالطبقة العاملة التي تكاد تؤمّن قوتها اليومي. في مرحلة أولى، حقّقنا التخفيض واليوم سنسعى الى انتزاع تخفيض آخر، علماً أنّنا نلمس عدم الاستعداد لدى المعنيين على أيّ إلغاء لرسم غير قانوني أو تخفيض لتعرفة ملغومة. وفي غضون ذلك، يجب ألّا ننسى مواجهتنا مع أصحاب الموّلدات الخاصة الذين يسعّرون الاشتراكات على هواهم بدون حسيب أو رقيب.”
هجرة مشتركين
من الواضح أنّ المشهدية التي عاشتها كهرباء لبنان منذ تطبيقها التعرفة الجديدة محاولة إقناع الرأي العام والأهمّ البنك الدولي وصندوق النقد الدوليّ وغيرهما من المؤسسات الدولية، بأنّ خطوة رفع التعرفة هي خطوة إصلاحية جدية ذات نتيجة، انتهت بفشل بفعل حاجتها الكبيرة الى العملة الصعبة لتسديد حاجاتها من شراء محروقات، وقطع غيار للصيانة، وتسديد مستحقات المشغلّين لديها وغير ذلك… وإن كانت خزائنها مكدّسة بالليرات اللبنانية. وما التوازن المالي الذي أعلنت عن تحقيقه لأوّل مرة منذ سنوات في موازنتها لهذا العام 2023، وبدون عجز مالي أو طلب لأيّ مساهمة مالية، سوى عرض آخر يمهّد لاستعادة الثقة بهذا المرفق وبالتالي مقدمة لمدّه بالسيولة، علماً أنّ حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري أوقف حنفية السلف، وما على المؤسسة سوى البحث عن مصادر تمويل أخرى يجب ألّا تكون بعيدة عن تحسين أدائها وتفعيل جبايتها بشتى الوسائل داخل الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة والجامعات والمدارس الرسمية والتي للمصادفة موازناتها للعام 2022 لم تأخذ في عين الاعتبار التعرفة الجديدة، وبالتالي، لم تتوفر فيها الاعتمادات اللازمة.
كما أنّ الضغوطات على كلّ من الأونروا والمفوضية السامية للأمم المتحدة لتسديد فواتير استهلاك الكهرباء من قبل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين ومخيمات النازحين السوريين في لبنان لا يمكن الاعتماد عليها في ضوء التراخي الدولي الذي لم يعد الشأن اللبناني في سلّم أولوياته.
لقد تراجع الطلب على استهلاك الطاقة من خلال “كهرباء لبنان” في لبنان بنسبة 47 في المئة خلال السنوات الأربع الأخيرة. ويقدّر المركز اللبناني لحفظ الطاقة حاجات لبنان من الكهرباء اليوم بـ 1700 ميغاواط/ ساعة، بعدما كانت تقديرات مؤسسة كهرباء لبنان، قبل عام 2019، تشير إلى 3200 ميغاواط/ساعة خلال ساعات الذروة. هذا يعني أنّ هجرة شبكة كهرباء لبنان إلى مصادر أخرى على قدم وساق، فما هي الحوافز التي ستجرؤ على تقديمها حفاظاً على المشتركين، علماً أنّ زيادة التعرفة بشكل مقبول هي حقّ لها؟