الذكرى الثالثة
“لَيْسَ خَفِيٌّ إلاّ ويظْهَرُ، وَلاَ مَكْتُومٌ إلاّ ويُعْلَمُ وَيُعْلَنُ.”
يوم الجمعة المقبل تحلّ ذكرى الرابع من آب التي أصبحت مرادفًا للألم المضاعف بسبب التفجير الإرهابي بحدّ ذاته، وبالقدر نفسه، بسبب تغييب الحقيقة والعدالة والغياب الإجرامي للجهات الرسمية المسؤولة عن الإنقاذ ولملمة الجراح. ذلك التفجير الرهيب الذي دمّر عاصمة #لبنان بأهلها ودمّر حياة الكثيرين ممن قُتلوا أو جُرحوا أو أصيبوا بعاهات وتشوهات دائمة أو فقدوا السقف الذي يأويهم أو الرزق الذي يعيلهم… أصاب العدالة نفسها وتسبب بتفجيرها وتفتتها أو على أقل تقدير تسبب بانكشاف هشاشة المؤسسة التي لم تتمكن من السير بملف التحقيق من دون الوقوع في التسييس باتجاهات متعددة أوصلت الأمور إلى حال من الاستعصاء يشبه واقع الدولة برمتها.
في الذكرى الثالثة للفاجعة ما تزال مئات العائلات تبكي أحباءها وتصرخ مطالبة بالحقيقة والعدالة، وما تزال آلاف العائلات تعاني من الدمار الذي شرّدها من منازلها ومن الأضرار التي أصابت أجساد أفرادها. أما أهل السياسة اليوم فمنشغلون بوراثة حاكمية المصرف المركزي وبربطها بالرئاسة وبإمكان المقايضة بين هذه وتلك. قد يؤدي هذا الربط إلى مخرج للأزمتين عبر تسوية لبنانية جديدة تفتح باب تجديد القوى السياسية الحاكمة لنفسها في العهد الجديد، وهذا يعني بطبيعة الحال مزيدًا من تمكين تلك القوى في التحكم بمسارات الملفات المزعجة وأولها ملف تفجير المرفأ وملف الانهيار المالي.
الحقّ والحقيقة لا يمكن إزالتهما من الوجود لأنهما مرادفان للخالق نفسه، والشرّ مهما تمدّد وطغى فطغيانه مؤقت لا ينفك يزول بعد حين كما تنقشع الغيوم التي تغطي الشمس. وما حصل في ذلك اليوم المشؤوم من آب 2020 سوف تُكشف تفاصيله لا محالة لأنها موجودة ومعروفة وإن تقاطعت مصالح بعض الداخل والخارج على إخفائها.
في ذلك اليوم كانت الحقيقة واضحة للجميع، جميع من رأى وسمع الطيران المعادي ومن سمع تصريح الرئيس الأميركي ترامب آنذاك وإعلام العدو عن وقوع عمل عسكري على #مرفأ بيروت، ومن ثم شاهد الرئيس الفرنسي قادمًا إلى بيروت لاحتواء التداعيات تحت ستار التضامن والمحاسبة وإذ به يعقد التسوية مع الحاكمين ويعطيهم الشرعية التي فقدوها مقابل إبعاد العدو من المشهد لما في ذلك من مصلحة محلية أيضًا. بعد تلك التسوية جرى إمطار الرأي العام بالمعلومات والسيناريوهات المتعلقة بشراء ونقل وتخزين المواد المتفجرة في العنبر وبالمسؤوليات الصغيرة أو الكبيرة لكل من كان يعلم بوجودها ويعلم أو لا يعلم بخطرها، وجرت توقيفات واتهامات كثيرة، بعضها مفيد وبعضها الآخر ضار بالتحقيق.
لقد فجّر العدوّ مرفأ بيروت، وبغض النظر عن الأسباب والدوافع أو المواد التي أراد تفجيرها، ألم يكن أسهل أن تُقال الحقيقة من اليوم الأول؟ هذه الحقيقة لم تكن لتحول طبعًا دون النظر في المسؤوليات الأخرى الداخلية، والتحقيق في هذه الأخيرة تقدم كثيرًا، ربما أصاب في توجهاته وربما تاه في بعضها، ولكنه حورب وتسيّس وأوقف، ولا بد أن توجد صيغة للخروج من المأزق الإجرائي الذي وُضع فيه ويُختم التحقيق ويُتلى القرار الاتهامي في جلسة علنية للمجلس العدلي أو أن يتسرّب مضمونه للعلن.
بعد مرور ثلاث سنوات على التفجير استعادت القوى السياسية مواقعها والتقطت أنفاسها ولم تعد للحقائق إذا ما كُشفت التداعيات نفسها التي كانت في السابق على الاستحقاقات الانتخابية. إذا ما أعلنت نتائج التحقيق أو تسرّبت يومًا ما، قد يتمكن كثيرون من تجنب أضرارها السياسية والاستمرار في السلطة، لكن الجروح المفتوحة قد تعرف بعض الشفاء والأرواح تجد الراحة الأبدية.