ظاهرة خطرة تعاود الانتشار في لبنان!
ندى عبد الرزاق – الديار:
كثرت في الآونة الأخيرة عمليات الاغتصاب، التحرش الجنسي، الانتحار، السرقة، القتل، تعذيب وتعنيف القصّار، وقبل أيام قليلة تم اقفال جمعية «قرية المحبة والسلام» بالشمع الأحمر لضلوعها في اعمال تحرش جنسي ومتاجرة بالفتيات. الا ان آخر فصول مسلسل البيع والشراء هذا كان الاتجار بالرضيعين اللذين وجدا داخل كرتونة تحت جسر نهر إبراهيم. الاقذر، ينتحل شخصان صفة الاب مجدي العلاوي خادم «جمعية سعادة السماء» يدّعيان انهما يقدمان المساعدة «باسم يسوع» للعائلات الراغبة بتبنّي أطفال. على ان يكون ذلك مقابل مبالغ مالية ضخمة.
لم تمض ساعات قليلة على الطفلين اللذين عثر عليهما تحت جسر نهر إبراهيم، حتى ابتدع شخصان صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تنتحل صفة الاب مجدي العلاوي. أحدهم زعم ان اسمه «شربل» وعد عائلة كانت تسعى الى تبني هذين الرضيعين بإعطائها الطفلين مقابل 2000 دولار اميركي وأرسل صورا مدعيّا انها تعود للصغيرين عبر تطبيق الماسنجر. والزاعم الذي يدّعي انه الاب مجدي العلاوي، يتابع تفاصيل المبلغ شخصيا واهماً العائلة انه سيسلمها الأولاد خلال فترة 5 أيام ريثما يكون حصل على الأموال المحولة عبر الـ «OMT». وقد حصلت «الديار» على نسخ طبق الأصل عن هذه الحوالات وأرقام هواتف تعود لهذين الشخصين. وكانت «الديار» حاولت الاتصال على الرقمين العائدين للعصابة الا ان أحدهم ادعى انه اشترى رقمه البارحة ولا علاقة له بموضوع التبني ثم قام بحظرنا.
نصب واحتيال باسم «المسيح»
في سياق متصل، قالت السيدة لوسيان هيفا لـ «الديار»، «اردت ان اتبنّى الطفلين اللذين وجدا في كرتونة تحت جسر نهر إبراهيم وكنت اعرف ان الاب مجدي العلاوي قد استلمهما وتواصلت معه على امل ان يسمح لي بأخذهما لكنه أخبرني ان هذا الامر صعب. أردفت، ذهبت لرؤيتهما ولم يُسمح لي فغادرت وانا حزينة جداً، وما ان وصلت الى منزلي حتى اتصل بي شخص عبر «ماسنجر الفيسبوك» وعلى حسابه التعريفي صورة تعود للاب مجدي وابنه. وبدأ يحادثني ويستدرجني بالكلام ووعدني بالمساعدة للحصول على الطفلين خلال فترة 5 أيام شرط الا أخبر أحدا بهذا الموضوع لأنني سأدفع المال وهذا قد يسيء الى سمعة الجمعية».
تابعت، «انا وَثِقت بكلامه لأني اعرف «الابونا» جيدا وحوّلت مبلغا قيمته 1000$ عن طريق الـ «OMT»، وعندما ارسلت المال المتبقي وهو 500 دولار بعثت نسخة عن الحوالة الأخيرة للاب مجدي العلاوي عبر «الواتساب» بنيّة تسريع انهاء الموضوع، هنا استدرك «الابونا» أن عصابة تصطنع صفته واسمه».
والسؤال الذي يطرح نفسه كيف استطاع الزاعم والمنتحل شخصية الاب مجدي العلاوي في وقت قياسي لا يتجاوز الساعة معرفة هوية السيدة لوسيان هيفا ورغبتها في التبنّي والاتصال بها والتواصل معها عبر الماسنجر؟ ولماذا تم ارسال الأموال دون مستند رسمي مثل بطاقة الهوية للتعرف الى الأشخاص الذين استلموا الأموال؟
ثمة حلقة مفقودة في كل ما تقدّم الا ان الكلمة الفصل في هذه القضية تُترك للأجهزة الأمنية التي بدأت تتابع الموضوع وتتحقق من شخصية المدّعين. «الديار» تقدمت بإخبار الى جهاز امن الدولة الى جانب الوثائق التي حصلت عليها وأرقام الهواتف والرسائل المتبادلة بين الطرفين!
علاوي ينفي ويحذّر!
في إطار متصل، تواصلت «الديار» مع الاب مجدي العلاوي الذي قال: «ان انتحال شخصيته للاتجار بالأطفال هو امر مرفوض ومستنكر وقذر وعلى الأجهزة الأمنية التحرك للقبض على هؤلاء «النصابين»، لافتا الى ان ظاهرة بيع الأطفال كثرت في الآونة الأخيرة والأطفال الذين وجدوا هم من جنسيات اجنبية بمعظمهم».
على خطٍ موازٍ، كان أصدر الاب مجدي العلاوي بيانا تسلمت «الديار» نسخة منه جاء فيه، « لقد استلمت الأطفال الذين كانوا في كرتونة تحت جسر نهر إبراهيم بإشراف مخفر جبيل ورئيسه النقيب نقولا نصر وتم فتح محضر لأخذ الاذن من المدعي العام نادر منصور وتم ادخال الطفلين الى مستشفى سيدة مارتين للمعاينة والاطمئنان على صحتهما ومن ثم نقلا الى بيت الرحمة الإلهية كفرمسحون».
انحراف واختلال
تعتبر جريمة الاتجار بالأطفال من أكثر الجرائم استهجانا في الثقافة الشعبية العالمية نظرا لخطورة هذا النشاط اللاأخلاقي والاجرامي، والذي يعد انتهاكا لحقوق الانسان. وهذا العمل الى جانب انه قد يؤدي الى الاختلال والانحراف الذاتي للفاعلين، أيضا هناك اثار عميقة سيئة قد تلحق بالمجتمعات والدول خاصة الفقيرة. ويعتبر الأطفال ضحايا هذا الفعل اللاإنساني والحلقة الأضعف عبر التاريخ البشري حيث أضحت هذه المتاجرة تؤرق المجتمع وتهدد الامن الاجتماعي فهي شكل من اشكال الرق المعاصر وتعد انتهاكا صارخا لحقوق الانسان وحرياته الأساسية.
أكبر نشاط غير قانوني في العالم
بالمقابل، نعتت الأمم المتحدة جرائم الاتجار بالأشخاص بأنها وصمة عار، وخزي للمجتمع وقد اعتبرتها المنظمات الدولية أكبر نشاط غير قانوني، بعد ان أصبحت أولى الأنشطة التجارية غير الشرعية في العالم بدلا من الاتجار بالمخدرات. خاصة ان تهريب البشر والاتجار بهم ينشط ويكبر سنويّاً حيث يفرّ الضحايا عادة من الحروب والكوارث الطبيعية والأزمات الاقتصادية والإنسانية والفقر ويلهثون وراء الوعود الكاذبة بالعمل والثراء. ولهذه الأسباب جميعها يسلمون أنفسهم للنخاسين الذين يسوقونهم الى معاناة لا تنتهي. ويباعون عشرات المرات وفي كل مرة يعملون ليسددوا اثمان شرائهم ويجبرون على العمل في الدعارة او المشاركة في حروب قذرة، او القيام بأعمال منافية للقانون، الى جانب قيامهم بالأعمال الشاقة. كما يحظر على هؤلاء النوم الا لساعات قليلة ولا يحصلون من الطعام الا ما يسد الرمق ومن يصاب بمرض فإن مصيره يكون الهلاك حتى الموت.
وقد صنفت الأمم المتحدة هذه الظاهرة على انها ثالث أكبر تجارة غير مشروعة في العالم بعد تهريب السلاح والاتجار بالمخدرات حيث العائد المادي. ففي كل عام يتم الاتجار بنحو 600,000 الى 800,000 ما بين رجل وامرأة وطفل والتقارير تشير الى ان الأرقام أكبر بكثير وتصل الى الملايين ولا يوجد احصاء دقيق لهذا النشاط كونه سريا.