إلى أيلول “سر”… ماذا سيشهد لبنان خلال شهرين؟
أصبحَ واضحاً تماماً أنه لا رئيس للجمهوريّة خلال شهر آب المُقبل رغم التخبُّط الذي تعيشه إدارات الدولة ومؤسساتها لاسيما مصرف لبنان. حتماً، المؤشرات الدالة على إبتعاد إنجاز الإستحقاق الرئاسي كان آخرها من الموفد الفرنسي الخاص بلبنان جان إيف لودريان الذي اقترحَ خلال جولته الأخيرة عقد مشاورات حول “مواصفات الرئيس” خلال شهر أيلول المقبل. عملياً، فإن هذا الأمر يعني بشكل قاطع أن الملف سيدخلُ مرحلة “التجميد”، ما يعني أنَّ المُراوحة ستبقى على حالها… ولكن، السؤال الأساس: لماذا الإنتظار حتى أيلول؟ لماذا يعتبرُ هذا الشهر حاسماً وما هي خلفيات اختياره؟
بشكلٍ شبه حاسم، يمكن اعتبارُ التأجيل المدروس لملف الرئاسة مرتبطاً بإمكانية تفعيل الإتصالات الدولية الخاصة بلبنان بشكل أكبر خلال الشهر المقبل. هنا، يبدو واضحاً أنَّ التوجهات الدولية غير محسومة بعد وتنتظرُ إكتمال عناصر عديدة . الدليل على ذلك هو أنّ المجموعة الدولية الخماسية المعنية بلبنان لم تناقش الأسبوع الماضي أي خطواتٍ فعلية لحل الملف الرئاسي، وقد يكون ذلك مؤشراً لإستمرار أمد الشغور لأن الصورة غير مكتملة لا على الصعيد الإقليمي ولا على المنحى الدولي. إلا أنه وتفادياً للإقرار بهذه الحقيقة، كانت خطوة اللجوء إلى اعتماد “مشاورات أيلول” هي الحل الأنجع للقول إنّ الملف لم ينتهِ، وإن هناك أمراً ينتظره ويستأهل “تأجيل الملف” من أجله ريثما تكتمل تفاصيل بعض المشهديات السياسية الدولية، خصوصاً لناحية المسألة المتعلقة بالتواصل بين إيران والولايات المتحدة من جهة، وآفاق التقاطع الإيراني – السعودي وانعكاساته المباشرة على لبنان من جهة أخرى.
كذلك، قد يكون تأجيل “الحسم” إلى أيلول مُنطلقاً من تريُّث وإنتظار فرنسيّ لما ستقوله السعودية بشأن لبنان. فحتى الآن، المملكة ما زالت تتحدَّثُ بمعطيات عامّة ولم تدخل في تفاصيل الأسماء ولا السلّة المطلوبة للحل. إزاء هذا الأمر، جاءت خطوة أيلول بمثابة تمهيدٍ يضمنُ إمكانية بروز أفقٍ للموقف السعودي الذي سيساهمُ حكماً في تحريك المياه الرّاكدة رئاسياً وسياسياً. ومن دون أدنى شك، فإنَّ تمسك مختلف الأطراف بمواقفها حالياً يأتي انطلاقاً من النقطة المرتبطة بـ”إنتظار موقف السعودي”، فالحسمُ سيكون آتياً من هنا، وطالما أن الرياض ملتزمة عدم التدخل، فإنّ مُهل الإنتظار قد تتكرر كثيراً ريثما يتبلور الموقف السعودي المطلوب من الرئاسة في لبنان، وبالتالي تقول المملكة كلمتها الحاسمة.
إضافة إلى كل هذا، فإنَّ لبنان يقف أمام استحقاقين دبلوماسيين ويتجليان في دخول سفيرين جديدين هما القطري والفرنسي، ما يعني إنخراط شخصيات جديدة في لبنان على الخط الرئاسي. ومن الآن ولغاية أيلول، قد يتمكن السفيران من الإمساك بالملف اللبناني بكافة تفاصيله وذلك بهدف معرفة آلية التحرك وسبيلها، وهذا الأمر لا نقاش ولا جدل فيها.
أما الأمر الأهم فيرتبط بملف الترسيم البري والتطورات عند الحدود الجنوبية. وإلى الآن، ما من تقدّم جديد على صعيد الملف، وبالتالي فإنَّ الإتصالات المكوكية التي قادتها أميركا مع لبنان وإسرائيل للتجم التوتر الأخير المرتبط ببلدة الغجر ومزارع شبعا، لا يعني أنَّ واشنطن انزوت جانباً وأوقفت بحثها في ملف الترسيم. ومن هذه اللحظة وحتى أيلول، قد تكون الأمور تبلورت بعض الشيء وجعلت الأمور أكثر وضوحاً بالنسبة للأميركيين واللبنانيين أيضاً، علماً أنّ الأمر يحتاج إلى مناقشات ومداولات كثيرة قد تحصل لاحقاً والأساس يكمنُ عند الوسيط الأميركي في ملف الترسيم البحري آموس هوكشتاين.
إذاً، ما لا يُمكن إستبعاده أيضاً هو أن مختلف الدول تسعى إلى تكثيف مبادراتها واتصالاتها في الداخل اللبناني، وما يتبين هو أنّ القطريين ما زالوا يمارسون ضغطاً متصاعداً في الإتصالات، وقد يكون ذلك مقدمة لأمورٍ جديدة قد تحصل لاحقاً. وبالتالي، فإنه ومنعاً لـ”حرق المحاولات”، جرى تحديد أيلول كموعدٍ مبدئيّ وأوّلي للتلاقي.. والأساس هنا: هل سيقبل الجميع به؟ الإجابة نعم لأن الهروب من حوار دولي يعني الخروج من أي تسوية مرتقبة.. فمن سيتحمل هذا الأمر؟ وهل سيفعلها البعض حقاً؟ الأيام المقبلة كفيلة بكشف كل شيء…