طرابلس أمن بلا أمان… ومؤشّر خطير
كتبت جوانا فرحات في “المركزية”:
مع كل طلعة شمس، أخبار عن حوادث أمنية وجرائم قتل وإقفال طرقات في مدينة طرابلس. وبعد وقوع الحادث أو الجريمة، تحضر قوة من الجيش وتقوم بواجبها ولا تغادر الموقع إلا بعد أيام وتحديدا بعدما تتأكد من أن النفوس هدأت.
“لبنان كله ليس بخير لذلك لا يجوز حصر الإشكالات التي تحصل في مدينة طرابلس”، يقول الوزير السابق مروان شربل ولا يجوز أن نقحم السياسة في مسائل جرائم القتل التي تحصل لأسباب تتعلق بالوضع الإقتصادي والمعيشي .هناك أمن لكن لا أمان والمسؤولية تقع على عاتق الدولة عموماً وأثرياء طرابلس تحديدا الذين لم يكلفوا أنفسهم عناء الوقوف إلى جانب أبناء جبل محسن وباب التبانة الذين ما زالوا ينامون في “أشباه” منازل من دون زجاج الذي تحطم خلال جولات المعارك واستبدلوه “بالنايلون” صيفًا وشتاءً ولم يعوضوا على الأهالي المتضررين بفلس الأرملة.
المشهد الإجتماعي غير صحي وكان يمكن أن يستمر على حاله، يضيف شربل “وهناك أيضا أزمة كثافة عدد النازحين السوريين في طرابلس وعكار التي ضاعفت من شحنات الأزمة المعيشية لا سيما مع احتلال النازح الوظائف التي كان يعمل بها أبناء المدينة وإقبال أصحاب المؤسسات من اللبنانيين على “تشغيله” بسبب قبوله بأجر أقل وغياب قوانين الضمان الإجتماعي المفروضة على أصحاب العمل تجاه أي موظف لبناني أو تأمين صحي، ومما يعزز رضى النازح بالأجر الزهيد الذي يقبضه قيمة المساعدات التي تتلقاها عائلات النازحين من المفوضية العليا لشؤون النازحين”.
ويختم شربل “الأمن موجود شرط ألا يُسيَّس كما حال القضاء وهنا تكمن المشكلة التي وضعت اللبنانيين أمام خيار لا ثاني له تحصيل حقهم من دون العودة إلى الأمن والقضاء لأن لا ثقة”.
في جوهر أسباب الواقع الأمني على أرض طرابلس تحديدا ولبنان عموماً، يتفق شربل مع الكاتب والمحلل السياسي أحمد الأيوبي، لكن قراءة الأخير أكثر تفصيلية. فالإشكالات اليومية وحوادث إطلاق النار التي تصل إلى حد القتل تتركز في المدة الأخيرة في منطقة المنكوبين التي باتت تجسد صورة غياب الدولة وتنصّلها من مسؤولياتها على حد قول الأيوبي” فالمواطن في هذه المنطقة يشهر سلاحه ويطلق النار إما لتصفية حسابات شخصية أو لأبعاد مالية. وعلى رغم المصالحات التي يقوم بها سعاة الخير، إلا أنهم يتجاوزونها في غياب المحاسبة الأمنية والعقاب”.
إلى عامل غياب هيبة الدولة هناك العوامل الإجتماعية والفقر المدقع في منطقة المنكوبين الذي رسم مشهدية أمنية جديدة على خارطة عاصمة الشمال طرابلس. لكن لماذا يحصل كل ذلك في بقعة المنكوبين؟
“في الماضي كانت الحوادث الأمنية المتكررة تحصل في كل طرابلس ووصلت إلى وسط المدينة وساحة التل مما استلزم تدخلاً جدياً وحاسماً من قبل القوى الأمنية. ومع بسط السيطرة والتشدد في تطبيق الإجراءات الأمنية، هدأ الوضع واستتب الأمن في هاتين النقطتين. إلا أن الحوادث انتقلت إلى مناطق المنكوبين والقبة والتبانة بشكل كبير وفاضح”.
حتى اللحظة لا بوادر عن وجود خطة أمنية في المناطق التي تشهد على حوادث أمنية يومياً وجرائم قتل في طرابلس والسبب وفق الأيوبي “أن الخطة التي تُرجمت انتشارا أمنيا وأرخت بظلالها على وسط المدينة حصلت بعد ضغوط وتدخلات كبيرة من قبل سياسيين نافذين في المنطقة، أما في مناطق المنكوبين والتبانة فالأكيد ان هناك غيابا كليا للقوى الأمنية بسبب عدم وجود ضغوط وعدم قدرة القوى الأمنية على أداء مهامها . تصوري أن عنصر الأمن يرفض تلبية أي نداء أمني يتلقاه بحجة عدم وجود بنزين في خزان وقود الآلية العسكرية. وإذا حضروا وتمكنوا من توقيف مرتكبي الأحداث هناك همٌّ جديد يضاف إليهم هو كيفية نقل الموقوفين إلى قصور العدل بسبب عدم وجود آليات تكون غالبا معطلة أو فارغة من الوقود. وقد أدى هذا الواقع إلى إلقاء عبءٍ ثقيلٍ على الجيش اللبناني الذي بات يتولى مهام القوى الأمنية، وازداد العبء نتيجة “النكبة” الحاصلة داخل مؤسسة قوى الأمن على خلفية الصراعات القائمة في قضية المناقلات”.
التحلل الحاصل في الدولة على كافة الأصعدة أصاب جهاز قوى الأمن الداخلي في الصميم.لكن هذا لا يعني أن باقي الأجهزة بألف خير، لكنه يرسم أكثر من علامة استفهام حول نوايا فريق حزبي مدجج بالسلاح من تعميم نموذج الصراعات على باقي المناطق لإضعاف قدرة الجيش على الصمود والتحرك أو لإقحامه في الصراعات الطائفية.
“هذا أكثر ما أخشاه” يقول الأيوبي ويعطي أمثلة، “في الماضي كانت الخلافات والإشتباكات تحصل بين فريق غير مؤيد لحزب الله وآخر مناوىء له. اليوم تختلف أبعاد الإشكالات التي تحصل وغالبيتها تحصل على مساحات عقارية غير ممسوحة وتشهد نزاعاً تاريخياً، تماما كما يحصل في منطقة القرنة السوداء بين أهالي بشري والضنية، وبين عكار العتيقة وفنيدق حيث الإشكالات دورية بين الأهالي من الطائفتين السنية والمسيحية على مساحات عقارية غير مرسَّمة، وفي راشيا بين الدروز والسنة”.
مؤشر خطير يتفوق في خلفياته على الأحداث الأمنية المتنقلة. وفي خلفياته “محاولات حثيثة لإنهاك الفئات المعارضة لمنظومة الممانعة وإلهاء الأفرقاء لا سيما المسيحيين عن حقيقة من يعطّل ويضرب دور الوجود المسيحي في الدولة، يختم الأيوبي”.