“الثنائي” يرفض المزاعم.. من يريد تغيير النظام؟
في حديثه أمام أعضاء مجلس نقابة المحرّرين، أكّد رئيس مجلس النواب نبيه بري رفضه المطلق لأيّ مسّ باتفاق الطائف، قائلاً: “عشنا ومتنا حتى أنجزنا هذا الاتفاق”، متوجّهًا لمن يسعى إلى تغييره بالقول: “يقعد عاقل أحسن له”. كما اعتبر أنّ دعوات البعض لتغيير النظام “تضع لبنان في مهب مخاطر لا تحمد عقباها”، مجدّدًا الدعوة إلى تطبيق الاتفاق بكل بنوده أولاً، ولا سيما الإصلاحية منها، كاللامركزية الإدارية ومجلس الشيوخ.
ولم يأتِ كلام بري حول النظام “يتيمًا”، فقد سبقه كلام موازٍ عن “حزب الله” تولّى تظهيره رئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين الذي أكّد خلال إلقائه كلمة الأمين العام السيد حسن نصر الله في المؤتمر العلمي الذي أقامته جمعية الإمام الصادق لإحياء تراث علماء جبل عامل، أنّ المسؤولين في الحزب لم يناقشوا مسألة تعديل اتفاق الطائف، “وفي حال طُرح، نحن آخر من نعطي رأينا في الموضوع”، مجدّدًا الدعوة إلى الحوار والتلاقي.
قد لا يكون حديث “الثنائي” عن التمسّك باتفاق الطائف “معزولاً” عن السياق السياسي العام، حيث تكثر الاتهامات في الآونة الأخيرة لـ”حزب الله” تحديدًا بالسعي لتغيير النظام، من باب المأزق الرئاسي المستجدّ، وهو ما فُهِم مثلاً من كلام رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الأسبوع الماضي، عن أنّ الحوار الذي تريده الممانعة لا يهدف إلا للانقلاب على الطائف، فمن يريد فعليًا “تغيير النظام”؟ ولماذا استحضار هذا الخطاب اليوم؟
“مخطّط قديم جديد”
بالنسبة إلى خصوم “الثنائي”، وتحديدًا “حزب الله”، فإنّ مشروع “تغيير النظام” ليس طارئًا على “أجندته”، بل هو “مخطّط قديم جديد” يعود إلى التلويح به بين الفينة والأخرى، وكلما وجد الفرصة “سانحة” أمامه، وهم يستندون في ذلك إلى سرديّة “المؤتمر التأسيسي” الذي كان الحزب أول من دعا إليه على لسان أمينه العام السيد حسن نصر الله قبل سنوات، ولو تراجع عنه بعد ذلك، على وقع ردود الفعل التي يقول إنّها “حرفت” الدعوة عن مضمونها الحقيقي.
لكنّ هؤلاء يعتقدون أنّ تراجع “حزب الله” عن المؤتمر التأسيسي الذي دعا إليه كان “تحت وقع الضغط”، وأنّه منذ ذلك الوقت، ينتظر اللحظة “المؤاتية” لإعادة الكرّة، وقد تكون اللحظة السياسية الحالية هي “الأنسَب” بالنسبة إلى الحزب وفق خصومه، الذين يتهمونه بـ”تعمّد” إطالة أمد الفراغ الرئاسي، بل بينهم من يقول إنّه يتمسّك بمرشحه المعلَن، رغم عدم قدرته على تأمين دعم الغالبية النيابية، فقط من أجل ضمان استمرار الفراغ، حتى يصبح النظام برمّته مطروحًا للنقاش.
ويرى خصوم “حزب الله” أنّ الأخير لن يتخلّى عن فكرة “تغيير النظام”، ليس فقط بسبب ما يعتبرها “ثغرات” ينطوي عليها، وتتسبّب بالأزمات المتلاحقة والمتتالية التي يواجهها البلد مع كلّ استحقاق جديد، ولكن أيضًا لكونها لا تنسجم بالمطلق مع “مشروعه”، الذي لا يتناغم “دستور الطائف” معه، على ذمّة هؤلاء، الذين يلفتون إلى أنّ الحزب يعتبر أنّ هذا الدستور يعطيه “أقلّ” ممّا يريد، وبالتالي فهو لا يعبّر خير تعبير عن الحجم الحقيقي لقوّته.
“بروباغندا انتهى مفعولها”
يستغرب المحسوبون على “الثنائي” إصرار الخصوم على تكرار هذه الاتهامات بين الفينة والأخرى، من دون أيّ سنَد أو دليل، وعلى الرغم من أنّ كل التصريحات المُعلَنة تنفي وجود أيّ توجّه من هذا النوع من قريب أو من بعيد، بل إنّ الرئيس نبيه بري يُعتبَر “الداعم الأول” لاتفاق الطائف، وهو ما عبّر عنه في كلامه الأخير حين قال “إننا متنا وعشنا” لإنجازه، علمًا أنّه دأب منذ سنوات طويلة على المطالبة بتطبيقه بالكامل، قبل أيّ شيء آخر.
صحيح أنّ “حزب الله” كان قد دعا سابقًا إلى مؤتمر تأسيسي، لكنّه فعل ذلك عن “حسن نيّة” كما يقول المؤيدون للثنائي، إذ إنّ طرحه أتى في سياق دعواته الدائمة إلى الحوار والتلاقي، وهو كان يريد الدفع نحو تفاهم بين اللبنانيين على “تطوير” الصيغة المعمول بها، لكن عندما أخذ النقاش منحى آخر، وبعدًا طائفيًا، تخلى عن الطرح، وقد فعل ذلك عن قناعة وليس تحت الضغط، كما يوحي الخصوم، بدليل أنّه يصرّ اليوم على أنه آخر من يدلي برأيه إذا ما فُتِح النقاش.
باختصار، يقول فريق “الثنائي” إنّ الحديث عن “تغيير النظام” أضحى “بروباغندا انتهى مفعولها”، وأنّ استخدامها في كلّ مناسبة لتسجيل النقاط، أو تحقيق بعض المكاسب عبر “تخويف” شريحة من الرأي العام من مخططات غير موجودة، لم يعد يجدي نفعًا، علمًا أنّ “حزب الله” يرفض أساسًا “توسيع” جدول أعمال أيّ حوار، وهو يريد “حصره” بالتوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ويعتبر أنّ خلاف ذلك قد يعقّد الأمور أكثر.
عمليًا، لا يبدو “تغيير النظام” مطروحًا فعليًا على أرض الواقع، وإن كثُر الحديث عنه في الفضاء الافتراضيّ. أساسًا، يقول العارفون، لا مصلحة لأحد برفع السقف إلى هذا الحدّ، حتى إنّ نواب “التغيير” أنفسهم ليسوا بهذا الوارد، أو بالحدّ الأدنى لا يجمعون على مثل هذا المطلب. في النتيجة، يبدو الأمر مجرّد “شعار” قد ينفع في تقاذف كرة المسؤولية بين هذا الفريق وذاك، بانتظار أن تنضج “التسوية” أو تأتي “كلمة السرّ”!