ما بين جعجع ونصرالله.. أين يقف اللبناني؟
تزامن كلام الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله في الذكرى السابعة عشرة لحرب تموز مع إطلالة لرئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع على شاشة “المؤسسة اللبنانية للأرسال “.
الرجلان يقفان على نقيضي ضفتي المواقف السياسية والوطنية، سواء تلك المتعلقة بالانتخابات الرئاسية أو بمسألة الحوار، ولكل منهما رأيه المعروف، ولكل منهما منطقه وحججه وتبريراته ومواقفه المبدئية.
فاللبناني الجالس في منزله، والذي يتقّلب على جمر الوضع المعيشي الآخذ في التأزم، على رغم المشاهد التفاؤلية، التي نراها في ساحات المهرجانات، التي تعمّ معظم المدن والبلدات اللبنانية، وعلى رغم هذه “الهجمة” الاغترابية غير المسبوقة، وعلى رغم ما يدخل إلى البلد من “فريش دولار”، لم تعد تعني له هذه المواقف الكثير، سواء أكانت آتية من هذه الجهة أو تلك.
ما يريده هذا اللبناني المتروكة بلاده من دون رأس لثمانية أشهر ونيّف أن يطمئن إلى غده، وأن يعيش في بلد تكون طبابته فيه مؤّمنة ومضمونة، وأن يرتاد أولاده المدارس من دون أن يضطرّ لأن يبيع ما فوقه وما تحته (أي اللحاف الذي يتغطّى به والفراش الذي ينام عليه).
ما يريده هذا اللبناني، سواء أكان يعيش في جونيه أو في النبطية، هو أن يستردّ جنى عمره المسروق منه، وأن توضع خطّة تعافٍ اقتصادية شاملة وواعدة، وأن تُعاد هيكلة المصارف، بحيث يضمن أن ما جناه على مدى سنوات وما ادّخره لـ “أخرته” سيعود إليه قبل أن يفقد قيمته النقدية.
ما يريده هذا اللبناني هو أن ينتخب النواب، الذين انتخبهم، رئيسًا للبلاد وفق ما ينصّ عليه الدستور، أيًّا يكن هذا الرئيس، على أن تواكبه ورشة إصلاحية جدّية وفاعلة، لأنه يؤّمن بأن أي رئيس، وأيًّا تكن صفاته، لن يستطيع وحده “أن يشيل الزير من البير”.
ما يريده هذا اللبناني هو أن ينام في منزله مطمئن البال بأنه لن يسطو عليه أحد على حين غفلة.
ما يريده هذا اللبناني، سواء أكان اسمه عمر أو زيد، هو أن يعود كل نازح ولاجئ إلى دياره مكرّمًا ومعزّزًا، وألا يبقى على أرض الوطن من يشاطره لقمة العيش، التي أصبحت بلون العرق أو الدّم.
هذا باختصار ما يريده هذا اللبناني العاضض على جرحه والصابر على بلواه حتى أكثر من أيوب.
أمّا ما يريده السياسيون فأمر آخر. هذا ما سمعناه أمس في موقفين مختلفين ومتناقضين، في الأسلوب وفي المضمون. الأول للسيد نصرالله، والثاني للدكتور جعجع. ومن يقرأ ما بين السطور يفهم أن الأزمة طويلة، وأن لا رئيس للجمهورية في المدى المنظور، وأن اللبنانيين مقبلون على أزمات لم تخطر على بال بشر، ولم تسمع به أذن، ولن يدركه عقل، خصوصًا بعد أن يذوب “ثلج المغتربين” ويبان “مرج الأزمات المعيشية المتراكمة”.
ومن دون الدخول في تفاصيل ما قاله كل من السيد نصرالله والدكتور جعجع، فإن ما يمكن قوله وحتى اشعار آخر إن معاناة اللبنانيين ستكون طويلة، والدليل أن ما يُقال في العلن، وإن كان جميلًا ظاهريًا، لا يقترن بأي ترجمة عملية من شأنها أن تنهي حال الحصار المفروضة على هؤلاء اللبنانيين، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن السهل إلى ساحل.
وباختصار ما بعده اختصار أن اللبناني ملّ أي كلام غير قابل للصرف، وغير مترجم أفعالًا، لأنه يريد بكل بساطة أن ينتخب نواب الأمّة رئيسًا للجمهورية يحمل مشروع حلّ، ويدعو إلى الحوار، ويكون أهلًا لثقة هذا اللبناني قبل أن يحظى بثقة هذا السياسي أو ذاك الزعيم.