آخر تهديدٍ إسرائيليّ للبنان.. هل ستفعلها تل أبيب وتشنَّ حرباً
تعيشُ القيادة الأمنيَّة الإسرائيلية حالياً تخبطاً كبيراً بسبب قضية الخيمتين اللتين تمّ نصبهما قبل نحو شهرٍ عند حدود منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المُحتلة. فبشكلٍ علني ولدى أوساط الأمم المُتحدة، تتهمُ “إسرائيل” حزب الله بأنه يقفُ وراء هاتين الخيمتين، وقد أمهلتهُ قبل يومين مدّة زمنية غير مُحددة لإزالتهما، مع تهديدٍ بأنه سيتم اللجوء لإستخدام القوّة وتنفيذ تلك الإزالة بأدوات إسرائيليّة إن لم يقم الحزب هو بذلك.
ما يبدو هو أن التصعيد يتخذُ منحى تدريجياً من الناحية الخطابيّة، وقد كان واضحاً لجوءُ عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد خلال الساعات الماضية إلى إسداء رسالة إنذارٍ مباشرة إلى تل أبيب بقولهِ: “إن الإسرائيلي ومنذ شهر قايم قيامتو على الخيمتين الموجودتين على الحدود، ويعتبر أنهما وضعتا في نقطة متقدمة على الخط الأزرق وفق تفسيره، ويطلب أن تزال هاتان الخيمتان ، وأنه يفضل أن تقوم المقاومة بإزالتهما، لأن العدو الإسرائيلي إذا أراد ذلك فستقع الحرب وهو لا يريدها”. وأضاف رعد متوجهاً إلى العدو بالقول: “إذا ما بدك حرب سكوت وتضبضب، أمَّا أن تفرض على المقاومة أن تنزع ما هو حق للبنان، وما تعتبر أنه ضمن أرضه فلا أنت ولا غيرك بعد قادر يُفرض”.
تهويلٌ “فارغ” و “تطويق جوي”
بالنظر إلى حيثيات التهديد الإسرائيلي الأخير ضدّ لبنان بسبب الخيمتين، فإن ما يتبين هو أنّ مضمونهُ “فارغ” تماماً من نشاطٍ عملي لن يتحقق أصلاً. حالياً، فإن كل ما تسعى إليه تل أبيب، هو تسجيل نقطة في سجل الرّدع الخاص بها والقول إنها ما زالت متأهبة ضد أنشطة “حزب الله” وأن بإمكانها الاعتراض عليها عبر التلويح بشنّ حربٍ ضدّ لبنان. حتماً، هذا ما بإمكان “إسرائيل” فعله فقط، أي التهديد الكلامي، باعتبار أن الخطوات الميدانية لن تُجدي نفعاً لأنها ستكونُ نافذة لمواجهةٍ لا تُحمد عقباها.. فما الدليل على ذلك؟ ولماذا لا يمكن الحديث عن حرب آتية؟
بكلِّ بساطة، فإنّ “إسرائيل” ستكون أبعد من شنّ عملية عسكرية بسبب خيمتين، فالذريعة هنا واهية تماماً وساقطة، وأمام المجتمع الإسرائيلي ستكون مغامرة الحرب ضد لبنان لسببٍ “فارغ”، بمثابة إنتحارٍ كبير للحكومة الإسرائيلية التي تواجه ضغوطاً كبيرة في الداخل ومع الخارج أيضاً.
كذلك، ومن خلال نظرة واضحة، فإنه لو كانت لدى إسرائيل قدرة على خوض مواجهة ضدّ لبنان لـ”رد اعتبارها”، لكانت فتحت معركة بسبب الصواريخ التي استهدفتها قبل أشهر من جنوب لبنان والجولان وغزّة، ولكانت تعاطت بجدية مع حادثة إسقاط “حزب الله” طائرة من دون طيار تابعة للجيش الإسرائيليّ خلال هذا الأسبوع. إلا أن ما يظهر هو أن إسرائيل باتت تتلقى الضربات تلو الأخرى من دون وجود قدرة على التحرّك، وهنا تمكن نقطة التحوّل التي لا يمكن تجاوزها أو إغفالها بتاتاً.
المُفارقة أيضاً هي أنه تزامناً مع الحديث عن تهديدات إسرائيلية بسبب الخيمة، ظهر تقريرٌ إسرائيلي جديد يتحدّث عن تعزيز “حزب الله” لمنظومات سلاح الدفاع الجوي الموجودة بحوزته في محاولة لتقييد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في لبنان.
بحسب التقرير، فإنّ الجيش الإسرائيليّ يعتبر قرار “حزب الله” بتطويق عمل سلاح الجو الإسرائيلي بواسطة منظومات دفاع جويّ روسية متوفرة لديه من طراز “SA8” و SA22″”، هو بمثابة تغيير جوهريّ في مفهوم “حزب الله” الإستراتيجيّ.
ضُمنياً، فإنّ ما حمله هذا التقرير من دلائل يمكن أن يُعطي إشارات إلى أن “إسرائيل” باتت تخشى أكثر خوض أي معركة ضد “حزب الله” كي لا تنكسر هيبتها الجويّة في لبنان. وبشكلٍ أو بآخر، فإن اعتراف تل أبيب بالقلق الشديد بشأن تنامي قدرات الحزب الجوية، يعني في مكان آخر إقراراً بخطورة تضرر سلاح الجو الإسرائيلي الذي يعدُّ الأداة الأخيرة لدى إسرائيل لقصف لبنان عند حدوث أي معركة. فبشكلٍ فعلي، فإن قدرة التوغل البرّي بات منعدمة، فيما تجربة حرب تموز 2006 مع البارجات الإسرائيلية قبالة سواحل لبنان أثبتت أن تلك الأخيرة ستكون تحت مرمى الإستهداف. هنا، فإنّ ما بقي هو سلاح الجو الذي يواجه خطراً كبيراً اليوم.. فما هي الوسائل الأخرى التي ستستخدمها إسرائيل للمواجهة؟
في خلاصة القول، ما يتبين هو أن تل أبيب فقدت أوراق قوّتها الواحدة تلو الأخرى، وبالتالي فإن قدرتها على التحرّك باتت معطوبة نظراً لعوامل ميدانية وعسكرية كثيرة.. ولكن، يبقى السؤال هنا: هل ستُغامر إسرائيل حقاً في حرب ضد لبنان وسط “نفور” أميركي منها؟ وهل ستفتحُ جبهة على نفسها في ظلّ تقارب أميركي – إيراني مُستجد؟.. كل السيناريوهات مطروحة، وما يبقى هو الإنتظار لمعرفة سياق الأمور..