باريس تنتظر.. وواشنطن لرئيس غير فاسد
الفرنسيون، وعلى ما تقول مصادر ديبلوماسية في باريس لـ«الجمهورية»، يعلّقون أملاً كبيراً على المسعى الذي يقوده الموفد الفرنسي جان ايف لودريان، حيث يريدون له أن يؤسّس الى نهاية وشيكة للأزمة في لبنان، تقوم على حلّ متكامل رئاسي وحكومي في آن معاً. وهي بالتالي تنتظر ما سيحققه لودريان في بيروت للانتقال الى الخطوة التالية.
ولفتت المصادر، الى انّ هذا المسعى المتجدّد منسّق مع دول اللقاء الخماسي في باريس (الولايات المتحدة الاميركية، وفرنسا، والسعودية، ومصر، وقطر)، والغاية الأساس منه إحياء فرصة جديدة للقادة في لبنان لأن يتفاعلوا ايجاباً مع جهود أصدقائهم لإنضاج حل سريع لأزمة بلدهم، قبل فوات الأوان، ذلك أنّ لبنان بوضعه الراهن سياسياً واقتصادياً، لم يعد يحتمل ترف تضييع الوقت، وإهدار فرص إنقاذه. في وقت تتعاظم فيه المخاوف اكثر فأكثر من ان يتعمّق الإنهيار في لبنان اكثر، بما قد يلقي به في مهبّ تطوّرات دراماتيكية تهدّد أمنه واستقراره.
ورداً على سؤال عمّا يحمله لودريان معه، وهل ثمة أسماء معيّنة لرئاسة الجمهورية، قالت المصادر: «كما يعلم الجميع، فإنّ الاسماء محدودة جداً، ولكل من تلك الاسماء مواصفات وميّزات. والموفد الرئاسي ذاهب الى لبنان لبلورة حلّ، والنقاشات التي سيجريها لودريان مع القادة اللبنانيين مفتوحة على التداول والبحث في كل الأمور».
لودريان بمواجهة تناقضات
اما في الجانب اللبناني، فمهمّة لودريان، واياً كان ما يحمله في جعبته، تبدو مصطدمة بواقع أفرز حتى الآن 12 فشلاً في انتخاب رئيس للجمهورية، واستبق وصول الموفد الفرنسي بإعادة ترسيم حدوده ضمن نقاط الإنقسام والإفتراق ذاتها، وخلف خيارات رئاسية مختلفة.
الثنائي
فثنائي حركة «امل» و«حزب الله»، وحلفاؤهما، وعلى ما تؤكّد اوساط «الثنائي» لـ«الجمهورية»، «ثابتون على دعم رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية. وهذا يقطع الطريق على اي خيار آخر، سواء أكان مرشح تقاطعات مؤقتة كما حاولوا مع جهاد ازعور، او اي شخصية اخرى يُشترط لدخولها إلى نادي المرشحين لرئاسة الجمهورية إجراء تعديل دستوري، وهو أمر ليس متاحاً، وخصوصاً أنّ تعديل الدستور يفترض وجود حكومة كاملة الصلاحيات والمواصفات، وليس حكومة تصريف اعمال التي تمارس مهامها في أضيق حدودها».
وفي هذا الإطار، كان قال نائب الامين العام لـ«حزب الله» الشيخ نعيم قاسم: «رغم تمسُّكنا بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية نحن ندعو إلى الحوار، لماذا؟ لنسأل بعضنا بعضًا وليُجب بعضنا بعضًا، ونحصر نقاط الخلاف ونبحث عن حلٍّ لها، أمَّا أن يقول البعض نحن لا نريد النقاش ما دام الوزير فرنجية مرشحًا، هذا أمر مرفوض. لا تستطيعون فرض إرادتكم على شريحة واسعة من اللبنانيين. الطريقة التي اعتمدها الطرف الآخر بالتحدِّي لم تنفع ولن تنفع، فلا نحن قادرون على أن ننجز الاستحقاق لوحدنا، ولا أنتم قادرون على إنجاز الاستحقاق لوحدكم، فما هو الحل؟ العناد ليس حلَّاً، الحل بالحوار والتلاقي والتفاهم».
“القوات” والحلفاء
واما «القوات اللبنانية» فما زالت تتقاطع، مع بعض الكتل الحزبية والنيابية الصغيرة ونواب تغييريين، على رفض وصول فرنجية الى رئاسة الجمهورية، وتتمسك بترشيح أزعور. إلّا انّ هذه المجموعة على استعداد لأن تقبل خيارات اخرى، إذا ما نحت تطورات الملف الرئاسي في هذا الاتجاه، ولا مانع لديها في هذه الحالة، حتّى ولو تطلب ذلك تعديل الدستور لمصلحة احد المرشحين المفترضين.
وعلى ما بات جلياً، فإنّ «التيار الوطني الحر»، يتقاطع مع «القوات» وحلفائها في قطع الطريق على فرنجية، الّا انّه في الوقت نفسه، اصبح بعد جلسة الفشل الثاني عشر، خارج خط التقاطعات على جهاد ازعور، حاسماً خياره النهائي بالتوجّه نحو خيار جديد، او ما يسمّيه رئيسه جبران باسيل، رئيساً ببرنامج، وهذا لا ينطبق على ما سبق لباسيل ان رفض وصولهما إلى رئاسة الجمهورية اي سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزف عون.
وبرز في هذا الإطار ما صدر عن الهيئة السياسية للتيار، امس، حيث أعلنت بعد اجتماعها الدوري برئاسة النائب جبران باسيل «أنّ الجلسة الأخيرة لانتخاب رئيس الجمهورية إنجلت عن معادلة واضحة تقضي بأن تتواصل الدعوات لجلسات إنتخاب لإنتاج رئيس عبر التصويت، أو يقتنع الفريق الداعم للمرشح سليمان فرنجية أنّ طريق الوصول مسدود، وبالتالي تنتقل القوى النيابية الى مرحلة جديدة لإنتاج رئيس بالتوافق على الاسم وعلى الخطوط العريضة لبرنامج العهد وسبل تأمين النجاح له».
“التقدمي” خارج الاصطفافات
وبين هذه التوجّهات يتموضع «الحزب التقدمي الاشتراكي»، الذي سبق ان ادّى قسطه مع ميشال معوض أوّلاً، ومع جهاد ازعور ثانياً، وبالتالي اتخذ مكانه خارج تلك الاصطفافات، رافضاً الشراكة في إيصال من يُنظر اليه على انّه «رئيس تحدٍ»، إلى رئاسة الجمهورية. ووليد جنبلاط كان سبّاقاً في هذا المجال، في طرح اسماء «حمائمية» مثل شبلي الملاط ومي الريحاني.
الطريق وعرة
أمام هذا الفرز السياسي والنيابي، وعلى ما تقول مصادر سياسيّة مسؤولة لـ«الجمهورية»، فإنّ مهمّة لودريان في لبنان في طريق وعرة، يقف فيها على مفترق بين تقاطعات حاسمة في افتراقها عن بعضها البعض، ورفضها حتى تبادل لغة الكلام والحوار في ما بينها. وتبعاً لذلك، يُخشى من ان تكون هذه المهمّة محكومة بالفشل المسبق.
الّا انّ المصادر عينها تستدرك قائلة: «لن يكون في مقدور لودريان ان يعبر هذا الطريق الوحيد الاّ في حالة وحيدة، وهي ان تكون مهمّته مجهّزة بكاسحة ألغام ومطبات وتعقيدات، تشق الطريق نحو حلّ ملزم، الّا انّ هذا الحل ليكون ملزماً، يجب ان يكون مرتكزاً على قواعد اميركية وفرنسية وسعودية وايرانية، تتشارك مجتمعة بإلزام أصدقائها، او بمعنى ادق، إلزام «متفرعاتها الداخلية» بهذا الحل، ومن دون ذلك محال خروج لبنان من دوامة الأزمة.
وبكلام اكثر وضوحاً، تلفت المصادر إلى أنّ الحل اللبناني معلّق على «كلمة سرّ» خارجية لم تتبلور بعد، وحتى ذلك الحين فإنّ هذا الانسداد في واقع داخلي متفجّر سياسياً ورئاسياً واقتصادياً، سيبقى رهناً بالظروف والتطورات التي قد تستجد في الداخل اللبناني، فتعجّل، اما ببلورة «كلمة السرّ» تلك، او بفرض امر واقع جديد يصبح فيه الحديث عن رئاسة الجمهورية تفصيلاً ثانوياً امام تفاصيل اخرى مرتبطة بالتركيبة الداخلية والطائف وأصل النظام، وهذا ما قد يرتب أثماناً هائلة على اللبنانيين».
واشنطن لرئيس غير فاسد
وفيما تتداول اوساط سياسية حول حراك قطري موازٍ للحراك الفرنسي، لفتح الباب امام خيارات رئاسية جديدة، فرض الذهاب اليها فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس للجمهورية، تبعاً للموازين التي اكّدت عدم تمكّن اي طرف لبناني من ان يحسم المعركة الرئاسية بمعزل عن سائر الأطراف، برز موقف اميركي، عبّرت عنه السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا، في كلمة مسجّلة لها بُثت في احتفال أقامته السفارة الاميركية في «البيال» لمناسبة العيد الوطني، حيث اكّدت على مواصفات رئيس الجمهورية الواردة في البيان الثلاثي الأميركي- السعودي- الفرنسي، الصّادر في نيويورك في ايلول 2022 وفيه: «رئيس غير فاسد، يمكنه توحيد الشعب ويعمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمة، وتشكيل حكومة قادرة على تطبيق الاصلاحات الهيكلية والاقتصادية لمعالجة الأزمة السياسية والاقتصادية ومواكبة مرحلة الاستحقاقات»؟
إيران: التوافق
وفي الموازاة، برز موقف ايراني مرتبط بالملف الرئسي، جاء على لسان السفير الايراني في لبنان مجتبى اماني، حيث قال في احتفال في الغبيري في «ذكرى استشهاد مصطفى شمران»: «لو كان شمران اليوم حياً لكان يدافع عن التوافق على الساحة اللبنانية للوصول في أسرع وقت ممكن لانتخاب رئيس. ومن هذا المنطلق، نجدّد دعوتنا إلى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية وفق الأسس المعروفة على الساحة اللبنانية، بمعزل عن التسميات المختلفة، فهذا شأن لبناني، ولبنان لا يتحمّل أن تطول هذه الأزمة».
اضاف: «نسأل الله أن يكون انتخاب الرئيس بداية حل الأزمة اللبنانية المختلفة، ونحن واثقون بأنّ الشعب اللبناني بقدراته الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وعلى رأسها المقاومة، سيفتحون هذا الباب لدخول لبنان مرحلة جديدة».