في إلزامية حضور الجلسات…
هل صحيح أنّ الدستور اللبناني يعطي الحق في عدم حضور جلسات انتخاب الرئيس، بصفته رأس الدولة ورمز وحدة البلاد؟ بمعنى آخر هل دستورنا يحمل بذور تعطيله ذاتياً؟ الأمر الذي يطرح تساؤلاً كبيراً حيال نمط الديمقراطية اللبنانية، كما هو منصوص عنها في الدستور، لا كما يفسرها البعض غب الطلب، ولصالح قراءات تشوّه روح القوانين، التي لا يمكن التصور أن تسمح أي دولة في العالم بتعطيل انجاز استحقاق بمستوى رئاسة الجمهورية، خصوصاً اذا كان الدستور نفسه قد أناط مهمة انتخاب الرئيس بالبرلمان، وليس بطريقة أخرى، أي عبر الانتخاب المباشر من الشعب، أو عبر هيئة خاصة غير مجلس النواب.
في لبنان هناك عقود عادية واستثنائية يجتمع فيها البرلمان بالتوقيت المحدد، ووفقاً للآليات الدستورية، وهناك دورات حكمية لا يمكن للمجلس أن يمارس أي مهمة لحين انجاز المطلوب منه، ومن أهمها انتخاب رئيس المجلس ونائبه، حالة استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة، أو انتخاب رئيس الجمهورية وفقاً للمادتين 73 و74 من الدستور اللبناني.
وهنا المادة 74 هي التي تحكم راهناً واقع الشغور في موقع رئاسة الجمهورية، والتي نصّت على أنّه في حال خلو سدة الرئاسة لأي سبب كان، يجتمع المجلس فوراً وبحكم القانون. ولن ندخل هنا في مسألة ممارسة رئيس المجلس صلاحياته في دعوة المجلس لجلسة الانتخاب، بل سيتم الحديث عن إلزامية حضور الجلسات من عدمها، استناداً إلى روح هذه المادة التي تؤكد على ضرورة اجتماع المجلس فوراً سواء بناء على دعوة رئيسه أو الاجتماع الحكمي بحكم الدستور، ما ينفي الحديث عن حقٍ للنواب بالخروج من الجلسة وعدم ممارسة مسؤولياتهم الدستورية والوطنية في ملء الشغور الرئاسي.
إنّ أهم فقرة من هذه المادة هي التي تقول «واذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال مجلس النواب منحلاً، تُدعى الهيئات الانتخابية دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الاعمال الانتخابية».
اذا تمعّنا في هذه الفقرة من المادة المذكورة نجد أنّ الدستور يلحُّ على انتخاب الرئيس، فهل يمكن للمشرع أن يقع بتناقض خطير في ما كان يصبو إليه لجهة عدم تكريس الشغور في الرئاسة، ليجعل هذه المهمة رهينة أقلية نيابية ما، قد تمنع اكتمال النصاب المطلوب لاكمال العملية الانتخابية؟
فالدستور الذي يحثّ على اجراء انتخابات فورية في حال كان المجلس منحلاً، لا يمكن أن يعطي الحق بحرية تقدير حضور جلسات انتخاب الرئيس من عدمه.
وفي سياق عدم الزامية حضور الجلسات، أكد المجلس الدستوري في اجتهاد له في أحد قراراته، على رفض ذلك، لا بل حَظَرَ على نائب أو أكثر أن يكون له حرية الملاءمة في شل عمل المجلس، وتعطيل وقدرته على ممارسة صلاحياته، فكم بالحري اذا كان شل عمل المجلس يأتي من خلفيات سياسية، كخطوة إدارية لصالح مرشح دون آخر؟!
إنّ منطق الأشياء يرفض تقبل فكرة الحق في تعطيل جلسات الانتخاب، انطلاقاً من الدستور نفسه، فالقانون الدستوري المترابط حكماً بالنظام السياسي باعتباره مكوّناً من مجموع المؤسسات الفاعلة في المجتمع بحسب أبسط تعريفاته، لا يسمح بتعطيل وظيفة النظام واستقرار عمله. فهل يمكن تقبل فكرة أنّ ثمة دستوراً قد يشرّع للفراغ أو تكريسه كممارسة ديمقراطية؟!
لقد أثبتت الوقائع أنّ الدستور اللبناني بريء من التعطيل، وهو إذ يؤكد وجوب نصاب معين، انما يرافق ذلك الزامية حضور الجلسات، اذ لا يمكن أن يطلب الشيء ونقيضه، وهنا في ظل الاقتناع بالزامية حضور جلسات الانتخاب تصبح مسألة تامين النصاب أكثر جدية وفعالية للرئيس المنتخب في حال حصل على عدد كبير من الأصوات. أمّا أن يقال بنصاب يفوق الثلثين في ظل الحديث عن حق دستوري في عدم الإصرار على الانتخاب، فهذا ما يتناقض مع غاية الدستور نفسها.
خلاصة الموضوع، ثمة علاقة مباشرة بين النِصاب والزامية حضور جلسات الانتخاب على نحو متتالٍ لحين انجاز المهمة. إن وجود رئيس في سدة الرئاسة من البديهيات، ولا توافق في معرض البديهيات. والتوافقية اللبنانية مقرة ومصانة في دستور الطائف لناحية حفظ حقوق جميع المكونات في النظام ومؤسساته، ودليل ذلك أنّ النائب يمثل الأمة جمعاء، ولا شيء غير ذلك.