محلياتمن الصحافة

عشية بدء “توتال” الحفر الاستكشافي: هل لبنان جاهز من ناحية الأمن والسلامة البحرية؟!

“النهار”- داود رمال

في التعامل مع الشركات النفطية والغازية العالمية، لا يمكن الركون الى اخلاقيات وقواعد سلوك، انما نظام مصالح قائم بذاته، حيث القانون لا يحمي المغفلين افرادا كانوا ام حكومات، وهذا هو واقع حال لبنان المقبل على بدء الحفر الاستكشافي في حقل قانا الجنوبي، بحيث يسود الصمت وعدم المبادرة لإتمام كل ما يتوجّب على لبنان من تشريعات واتفاقات حمائية وبناء قدرات، حتى لا يأتي اليوم الذي نعود فيه الى تقاذف المسؤوليات.

كثيرة هي الدعوات والنصائح والتنبيهات للدولة اللبنانية وتحديدا السلطة التنفيذية، وآخرها المؤتمر المهم جدا حول “أمن الحدود والمنشآت الحيوية” الذي نظّمه “مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية” في الجيش، والذي قارب ملف أمن وسلامة وبيئة الانشطة البترولية في المياه اللبنانية من كل جوانبها، وأشرك كل الوزارات والقطاعات المعنية مع استقدام خبرات خارجية قدمت مساهمات نوعية خلال المؤتمر.

وعلى ابواب بدء الحفر الاستكشافي الذي ستباشره شركة “توتال” الفرنسية، لا بد من الاضاءة على متطلبات الامن والسلامة والبيئة للأنشطة البترولية، انطلاقا من وقائع اساسية ابرزها:
اولا: على مستوى الامن؛ مَن يستطيع توفير الاحاطة الامنية لمنشآت النفط في حقل قانا المحاذي للحدود البحرية الجنوبية، وفي الحقول التي سيطاولها الاستكشاف لاحقا، خصوصا ان التهديدات الأمنية لا تقتصر على التقدير المحلي فقط، إنما يمكن ان يأتي التهديد لهذه الشركات من الخارج ولأسباب لا علاقة لها بالمنطقة، فقد يكون للشركات خصوم كثر على مساحة العالم؟

هذه الشركات تعتبر ان مسؤولية حماية المنشآت من اعتداء خارجي تقع على عاتق الدولة، بينما الأصح يجب أن تكون هذه المسؤولية مشتركة بين المشغل والدولة وفقاً للقدرات المتوافرة، لذا، المطلوب وضع خطة امنية تتضمن اجراءات وفق خريطة متكاملة طرفاها الدولة اللبنانية والشركات المنضوية في الكونسورتيوم النفطي والغازي لتخفيف المخاطر. إجراءات الامن والحماية للأنشطة البترولية يجب أن تبدأ من القاعدة اللوجستية في مرفأ بيروت، وعلى متن سفن الدعم وصولاً إلى سفن الحفر والإنتاج. لذلك؛ يجب تحصين القاعدة اللوجستية امنيا في مرفأ بيروت، عبر تدابير امنية من قِبل شركة “توتال” ومن قِبل إدارة المرفأ التي يجب عليها تعيين ضابط أمن مسؤول في محيط القاعدة اللوجستية وفي مكان رسو سفن الدعم التي تنتقل من القاعدة اللوجستية الى سفينة الحفر وبالعكس، خصوصا أنه لغاية تاريخة لم يتم تعيين ضابط أمن لهذا المرفأ بديلاً من الضابط الذي كان معيّنا سابقا قبل انفجار 4 آب، والذي غادر لبنان إلى الخارج مباشرة عقب الإفراج عنه من السجن بعد توقيفه مع آخرين بسبب الإهمال الذي حصل في المرفأ وأدى الى الانفجار المشؤوم.

ثانيا: على مستوى السلامة ، تبين من خلال المؤتمر، وكان أمرا مفاجئا للكثيرين، أن المسؤول عن البحث والانقاذ في بقعة الحفر في المنطقة الاقتصادية الخالصة في حقل قانا، اذا حصل اي حادث، هي قبرص وليس لبنان، وهناك اتفاق موقع بين لبنان وقبرص عام 2008، لم يقرّ بعد في مجلس النواب، يضع أسس التعاون مع قبرص في مجال البحث والإنقاذ في حال وقوع اي حادث في منطقة الحفر، ولذا يعتبر من الناحية القانونية غير نافذ وغير موجود. والسؤال المطروح: لماذا لا يعاد درس الاتفاق والإسراع في إبرامه؟ واذا كانت الحكومة لا تريد السير بالاتفاق فلتسرع الى دعم انشاء مركز للبحث والانقاذ قادر على القيام بهذه المهمة في المنطقة الاقتصادية الخالصة البعيدة عن الشاطئ عشرات الكيلومترات، لتكون على المستوى المطلوب عالميا لناحية تأمين سلامة الأرواح في البحر واحتراماً للإتفاقات الدولية التي انضم إليها لبنان والتي تتعلق بهذا الشأن.

ثالثا: على مستوى البيئة؛ إذا حصل تسرب نفطي عند القيام بأعمال الحفر الاستكشافي أو في مرحلة الانتاج في حال تحقق الاكتشاف النفطي والغازي، هل لدى الدولة اللبنانية خطة أقرها مجلس الوزراء لمكافحة التلوث؟ وهل تمت مناقشة هذا الموضوع مع المشغّل المتمثل بـ”توتال”؟ وهل من خطة مشتركة عملية لمواجهة اي تلوث بيئي نفطي؟ هذا الامر غير محقَّق بعد. فقد بيّن هذا المؤتمر أن هناك خطة قامت بتحضيرها هيئة إدارة قطاع البترول إلا أنها لم تُقر لغاية تاريخه.

رابعا: على مستوى الانشطة البترولية؛ وفق نص الاتفاق مع شركة “توتال” فهي ملزمة بأن تكون نسبة التوظيف لديها ثمانين في المئة من اللبنانيين، فهل لبنان قادر على تلبية حاجات الشركة وظيفيا وفق الاختصاصات المطلوبة؟ هذا يدفع الى المطالبة بوضع خطة استراتيجية تتشارك فيها الوزارات المعنية وهيئة ادارة قطاع البترول والشركة المشغلة بالتعاون مع الجامعات والمعاهد الرسمية والخاصة، لتحديد المتطلبات على تنوعها، بحيث يتم التعليم والتدريب في الاختصاصات التي تحتاج اليها الشركة، ويتم بناء القدرات والكفاءات تدريجا مع الوقت، لان عدم توافر الاختصاصات والكفاءات اللبنانية سيخلّ بشرط الثمانين في المئة لتوظيف اللبنانيين.

أمر اساسي آخر على لبنان ان يعالجه، وهو ان هناك اتفاقية “قمع الاعمال غير المشروعة”، وهي اتفاقية دولية أقرت في العام 2005، والى يومنا الحاضر لم ينضم لبنان اليها، وأهمية هذه الاتفاقية انها تفيد امنيا في حماية المنشآت في المنطقة الاقتصادية الخاصة، ويجب ان ينضم اليها لبنان في أسرع وقت وبلا ابطاء.

هذه المتطلبات المرتبطة بالامن والسلامة والبيئة والانشطة البترولية، تحتاج الى معالجة مسؤولة من قِبل الوزارات المعنية ومجلس الوزراء ومجلس النواب، فهناك الكثير من العمل والتحضير لمواكبة أعمال الأنشطة البترولية، ويجب عدم ترك الامور للشركات التي تعمل وفقا لمصالحها، لانه اذا وقعت المصيبة ستوضع في وجه لبنان، لذا يجب إقامة ورشات عمل في كل وزارة وإدارة معنية للقيام بما يلزم لحماية ثروة لبنان في مياهه البحرية بما في ذلك مصلحة الشعب اللبناني الذي عانى ويعاني الكثير، والمثل الروسي يقول: “من لا يسهر على هرته تلد له شبارق عميان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى