الأزمة الرئاسيّة تشتدّ… ومخاوف من “حلول قيصريّة”
مع اقتراب تبيان «الخيط الأبيض من الأسود» في المرحلة الانتقالية إقليمياً، لم تَظهر في لبنان أيُّ مؤشراتٍ إلى أن القوى الوازنة داخلياً انتقلت من ذهنية انتظار «الوحي» الخارجي إلى الإمساك بزمام الأزمات التي تعصف بالوطن الصغير الذي تحوّل منذ 1 تشرين الثاني إلى جمهورية «مقطوعة الرأس»، وما زال يتلمّس منذ أكثر من 3 سنوات ليس طريق الخروج من الحفرة المالية بل قعرها الذي لم يبلغه بعد، في ضوء القصور الفاضح عن إنجاز الإصلاحات المالية والهيكلية بما يتيح وقف الانحدار المروّع نحو الارتطام المميت وتالياً تسييل أي صدمة سياسية إيجابية انطلاقاً من الانتخابات الرئاسية بحيث تكون عنصر إنعاشٍ للواقع المالي المريع.
وفيما تتقاطع المعطياتُ التي توافرتْ عن زيارة وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبداللهيان إلى بيروت عند أن طهران لم تبدّل مقاربتَها للملف اللبناني على قاعدة إن إدارته موكلة لقيادة «حزب الله» الذي لم يُفهم إعلانُه عن أنه دَعَم وصول المرشح سليمان فرنجية «ولكن لم نغلق الأبواب» إلا على أنه في سياق تقاذُف المسؤولية عن استمرار الأزمة، والمناوراتِ الرامية لاستدراج خصومه إلى حوارٍ، فإنّ الموانع الخارجية كما الداخلية أمام وصول زعيم «تيار المردة» إلى قصر بعبدا لم تتبدّل.
وفي حين بدأ الكلام يتزايد خارج الصالونات السياسية عن أن إصرار «حزب الله» على عدم إهمال تأييد فرنجية وفي الوقت نفسه إمهال الخارج الوقت اللازم لـ«الاقتناع» بهذا الخيار يأتي في إطار الرغبة بتوفير «رعاية مالية» للعهد الجديد ولمجمل الواقع اللبناني بتوازناته الحالية وإن مع «إعادة تدوير» شكلية في بعض عناوينها، يسود رصْدٌ لِما إذا كانت فرنسا التي «تغرّد» وحيدةً في التبنّي النافر لفرنجية ستمْضي في هذا المسار الذي لا يلقى غطاءً من سائر أطراف «مجموعة الخمسة» حول لبنان (تضم أيضاً الولايات المتحدة والسعودية ومصر وقطر) التي تقارب الاستحقاق الرئاسي من زاوية أوسع من اسم الرئيس وبعضها يحاذر إعطاء «شيك دعم على بياض».
وإذ أوردت «وكالة الأنباء المركزية» أمس أن الموفد القطري إلى لبنان محمد عبدالعزيز الخليفي أرجأ زيارته الثانية التي كانت مقررة في 5 الجاري لبيروت إلى وقت لاحق، لم تشهد الساحة الداخلية أي إشاراتٍ لإمكان إحداث خرق في الجدار الرئاسي المسدود، وسط توقف أوساط سياسية عند تشدُّد رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في رفْضه خيار فرنجية معلناً «لن نغطي أي كسر لإرادة اللبنانيين ولا أي تهميش لإرادة المسيحيين، ومَن يهددنا أن يمر قطار التسوية من دوننا، فنحن لا نخاف من أن نكون خارجها لأنها ستكون عرجاء وستسقط ولا أحد يهددنا بمعادلة أنا أو الفوضى، ولا أحد يراهن على تسويات خارجية إذ مهما كانت قوّتها، لا تستمرّ فعاليّتها إذا لم تكن محصّنة ومغطاة بتوافق داخلي».
وفيما اكتسب كلام باسيل أهميته كونه أتى في غمرة محاولة مفترَضة لإحياء قنوات التحاور مع «حزب الله» حول اسم فرنجية الذي يتقاطع «التيار الوطني الحر» في رفْضه مع المعارضة والقوى المسيحية الوازنة الأخرى، لم يقلّ دلالةً تأكيد «الحزب التقدمي الاشتراكي» ثباته على عدم السير بزعيم «المردة» وإن كان قدّم هذا الموقف في قالب من مواصفات للرئاسة وهي «قبول مسيحي واسع للرئيس، ألا يكون رئيس تحدّ، أن يكون مقبولاً عربياً ولاسيما خليجياً، وأن يكون إصلاحياً».